قضايا وآراء

التوازن في المعادلة السياسية

| مازن بلال

حسب المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا فإن جولة جنيف القادمة ستنعقد منتصف الشهر الجاري، لكن ترتيبات اللقاء تبدو معقدة أكثر من أي وقت مضى، فالانفراجات العسكرية على صعيد محاربة الإرهاب لم تقدم الكثير لوفد «الهيئة العليا للتفاوض»، ووضعتها أمام استحقاق تحدث عنه المبعوث الدولي عندما قال: إن على المعارضة الإقرار بأنها لم تكسب الحرب، ويبدو أن منصات التفاوض أمام حسابات مختلفة، فبعضها خسر وزنه الحقيقي نتيجة فقدان الدعم الدولي الذي شكل الحامل الأساسي له، في وقت تظهر فيه العملية السياسية بلا أطراف معارضة قادرة على تحقيق مشروع متكامل، فالوفد المشترك لو تحقق سيكون وفد الأمر الواقع بكل تناقضاته التي برزت بوضوح خلال اجتماعات الرياض.
عملياً فإن دي ميستورا كان دقيقاً في تصريحاته، فهو لم يتحدث عن «خسارة» المعارضة للحرب، واكتفى بأنها «لم تنتصر» وبمعنى أنها مازالت قادرة على التفاوض، وهو كان يميز بين مرحلتين: الأولى كانت بعض الأطراف المعارضة تعتبر أن تفوقها على الحكومة السورية أمراً واقعاً ولكنه يحتاج لوقت، ومن ثم فإن المفاوضات كانت فقط لكسب الوقت، قبل أن يتم الدخول بـ«مرحلة انتقالية» يكون فيها وفد «الهيئة العليا» صاحب السلطة الأقوى، وهذا المنطق ساد طوال الجولات الماضية، حيث كان حضور وفد «الهيئة العليا» استعراضيا لأبعد الحدود؛ سواء بعدده أم بطريقة الاحتفاء الإعلامي به.
المرحلة الثانية بدأت عملياً خلال الجولة السابقة عندما جلست المعارضة على طاولة واحدة للتشاور، فأصبح وفد الرياض على مستوى واحد مع باقي «المنصات»، ولما أراد دي ميستورا أن يؤكد التحول في تصريحاته الأخيرة، عرضه لهجوم كبير من أطراف وفد «الهيئة العليا»، وبالتأكيد فإن هذه الحملة ليست بعيدة عن بعض الأطراف الإقليمية التي لا تبدي قلقا من تصريحات المبعوث الدولي، لكنها تترك لوفد «الهيئة العليا» مجالا للضغط عليه عبر الانتقادات التي اعتبرته منحازا لـ«الحل الروسي».
ما سيحدث في الجولة القادمة يدفع للتساؤل منذ هذه اللحظة عن طبيعة ما سيقدمه الوفد القادم من الرياض، فهو لم يدخل جنيف منذ الجولات المبكرة إلا على قاعدة «الانتصار»، على حين يستند الحل السياسي على التوافق، وإيجاد نقطة انطلاق يشارك فيها الجميع، فتجميع القوى السياسية لم يكن مطلقاً في حساب وفد «الهيئة العليا»، ورهانها بقي طوال مسار التفاوض على قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على كسر التوازن العسكري على الأرض، وهو أمر لم يحدث، ما عطل التوصل لتفاهمات واضحة وعقّد من مهمة المبعوث الدولي، وفي المرحلة الحالية فإن على بعض الأطراف المعارضة القبول بالآخر الذي يشاركها الموقع التفاوضي نفسه، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى تغيير «الرهانات» التي سادت طوال السنوات الأربع الماضية، والاعتراف بأن العملية السياسية تبدأ من «التشارك» وليس من «الاستقواء» وهو أمر مازال مفقوداً حتى هذه اللحظة.
ستنطلق العملية السياسية من دون توازن بين الأطراف، وهذا الأمر ربما سيؤدي لعدم التوصل إلى تفاهمات قوية، فالمعارضة التي تفاوض، وتحديدا وفد «الهيئة العليا»، تحتاج لطريقة تستطيع فيها إقناع «الآخر» داخل سورية على أنها قادرة على حمل مشروع متكامل، وأنها لن تتنقل بين العواصم لتفرض توجهها على طبيعة الحل، والأهم أنها تستطيع أن تبني مشروعيتها من داخل المجتمع وليس من الدعم الإقليمي والدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن