سورية

انتصارات الجيش واتفاقات تخفيف التصعيد ساهمت بزيادتها … الفرحة تعود.. وشباب طرطوس يقبلون على الزواج

| سامر ضاحي

تنطفئ الأنوار يعم الظلام وينطلق صوت الموسيقا، يدخل شاب وسيم طويل القامة ببدلته السوداء الأنيقة التي يزينها «ببيون» رفيع، كما اعتاد بعض العرسان أن يرتدوا، منهم الشاب يحيى، الذي أطل في يوم زفافه على الحضور في الصالة التي تزينت بألوان الورود البيضاء ملوحاً بيده اليمنى والبسمة تملأ وجهه، في حين يمسك عروسه صبا بيده اليسرى متشبثاً بالفتاة التي لا تزال خجولة جداً ومنبهرة بجمال الصالة التي حرص يحيى على أن ينال إعجاب عروسه في حين يصطف الحضور يميناً ويساراً لتحية العروسين، قبل أن يصلا إلى وسط الصالة ويتبادلا خاتمي الخطبة معلنين بدء فرح زواجهما.
اختلاف اليوم عن الأمس يصل إلى 180 درجة، حين كان يحيى الضابط الحازم في أحد تشكيلات القوى الأمنية على جبهات درعا يوجه عناصره ويوزعهم لصد هجوم جبهة النصرة الإرهابية وحلفائها من الميليشيات المسلحة في حي المنشية بدرعا قبل أن يحاول ضبطهم وكبح جماح بعضهم بعد اتفاق تخفيف التصعيد في جنوب غرب البلاد المعلن عنه في 7 تموز الماضي، والهدنة التي تلته هناك والتي أعلنها الجيش العربي السوري في 9 من الشهر ذاته.
بعد أن ينهى العروسان رقصتهما، يطلب أحد الأصدقاء الإذن بتقديم حفل الزفاف فينال القبول، وهو أيضاً من صفوف القوات المسلحة، لكنه يتناول حديثاً خطابياً رناناً، فيذكر الحاضرين بصمود الجيش العربي السوري وصولاً إلى تحقيق الانتصارات التي امتدت من درعا إلى دير الزور دون أن ينسى تحية العريس لكنه اختار عبارة أثارت الاستغراب، فقال: «اليوم نزف الفارس يحيى عريساً، قبل أن نزفه شهيداً غداً»، ليحبس أبو يحيى وأم يحيى دموعهما خشية ملاحظة الحاضرين، إذ لطالما انتظرا فرحة ابنهم الأكبر بفارغ الصبر حتى تجاوز الفتى عمر 35 سنة، لكنهما فضلا كبت مشاعرهما.
قبل هذه الفترة كان حديث «الصديق» عن استشهاد العريس منطقياً، أما اليوم فليس واقعياً في ظل الهدن التي تشهدها الأراضي السورية، يقول أحد الحاضرين، ويتابع «لعل الفرحة التي نعيشها اليوم جاءت ملازمة لفرحة الانتصار في دير الزور، وما كان يحيى ليتزوج لولا أنه شعر بانفراجة الجبهات، كيف لا والجيش استطاع قبل يومين من العرس أن يكسر الطوق الذي فرضه تنظيم داعش الإرهابي على مدينة دير الزور والذي استمر ثلاث سنوات».
أحد المسؤولين عن صالة الفرح يكشف في حديث جانبي عن إقبال غير مسبوق على حجوزات حفلات الزفاف، ويقول: قبل أشهر كنا نقيم عرساً أسبوعياً على أبعد تقدير، والشهر الماضي تهافت الشباب لحجز مواعيد لحفلات زفافهم قبل أن يتضاعف العدد هذا الأسبوع، ملاحظاً أن كثيراً من المقبلين على الزواج هم من عناصر الجيش العربي السوري بعد فترة كان فيها أولئك يحجمون عن الزواج مخافة إصابة دائمة في الحرب أو استشهاد، إضافة إلى صعوبة الحصول على إجازات في ظل الواقع الذي كان يفرض على الجيش العمل على جبهات متعددة، ناهيك عن الاستقرار المالي باستقرار أسعار الصرف حيث لم يكن بالمقدور التعاقد على حفلة زفاف قادمة بتحديد سعر محدد حيث كنا نرى الأسعار تتذبذب على حين أننا اليوم نشهد استقراراً في جميع أسعار السلع ولو كانت تلك الأسعار باهظة عموماً.
ويتابع الرجل حديثه قائلاً: المحافظة قدمت آلاف الشهداء، وكانت الأعراس رمزية جداً «تعقد على الضيق» احتراماً لذويهم، أما اليوم فباتت الأفراح مضاعفة والشهداء أقل بكثير، ويفخر ذووهم عندما يحضرون أي عرس بأن شهادة أبنائهم ساهمت بصنع الانتصار.
مشهد آخر في العرس يحمل دلالات كثيرة، فالعريس أحضر فرقة شعبية تراثية من درعا، أحيوا إحدى فقرات العرس وأطربوا الحاضرين بآلة «المجوز» التي تعتبر قاسماً مشتركاً في تراث كل السوريين، فأعجب الحاضرون بما قدم لهم، وفجأة يتحول «المجوز» إلى عزف الأغاني الوطنية ويصدح شابان من الفرقة بأغنية «صف العسكر رايح يسهر مع العسكر فوق جبال.. زيد وعمر راح وبكر زرعوا البيدر كلو رجال» ليعلو تصفيق الحاضرين وتزداد قوة دبكاتهم فاليوم أبناء درعا يحيون الجيش العربي السوري البطل، برأيهم.
المشهد الثالث، كان حضور عدد من الضيوف إلى العرس وهم أيضاً من أبناء المحافظة الجنوبية وهو مشهد غاب عن أعراس المدينة منذ سنوات، فيحيى استطاع خلال سنوات خدمته الثلاث في أجزاء مختلفة من المحافظة، أن يبني العديد من الصداقات مع أهل تلك المناطق، مدينة وريفاً، وحضر بعضهم إلى العرس.
أحد القادمين من درعا يقول: رغم عناء السفر فضلنا القدوم لنشارك أحد أبطال الجيش عرسه وفرحه بعدما شارك هو ورفاقه في الدفاع عنا بعدما تم التغرير ببعض أبناء المحافظة وحادوا عن الصواب، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولنثبت للجميع بأن سورية واحدة، وشعبها واحد، أياً تكن الظروف ولا سيما أن في طرطوس كما غيرها من المحافظات، الكثير من أبناء درعا الذين تم تهجيرهم بفعل الجماعات المسلحة والعصابات الإرهابية التكفيرية.
خلال فقرة تقديم حفل الزفاف، وصف صديق العريس ما يجري بأنه «استراحة محارب»، فإن يحيى وبعد أيام قليلة سيعود إلى درعا لممارسة مهامه الاعتيادية، لذلك فضل رفاق سلاحه، ممن استطاعوا القدوم للمشاركة في الحفل، نسيان كل الصعوبات واللحظات التي عاشوها على جبهات القتال وإطلاق العنان للفرح لأن النفوس كبتت على مدار سنوات الحزن وفضلت الصمود، فحرصوا على استمرار العرس إلى الثالثة فجراً، ليودعوا صديقهم قبل أن يسافروا إلى درعا من جديد لفتح صفحة أخرى من صفحات بطولاتهم ويقول له أحدهم: «أهالي المنطقة بانتظارك ليقيموا لك عرساً آخر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن