رجل ودولة..

| د. اسكندر لوقــا

يقول النبأ إنه في الخامس عشر من شهر آب 1947 أعلن المجلس التشريعي الهندي استقلال الهند وتحللها من آخر صلة تربطها بالتاج البريطاني، وعلى هذا الأساس اقتصرت علاقة الهند على عضويتها المستقلة في رابطة الشعوب البريطانية المسماة بالكومنولث.
وفي سياق قراءة تاريخ البشرية، يتبين للقارئ أن ثمة معادلة لا يمكن تخطيها وهي دور الإنسان وقدرته على صنع التاريخ، وتحديدا حين يكون مؤمنا بنفسه من جهة وبشعبه من جهة ثانية. وفي ضوء هذه المعادلة، نستذكر، في مناسبة استقلال الهند في التاريخ المذكور، المهاتما غاندي، وبالبساطة التي اصطبغت بها حياته يمكن أن يعرّف، فهو الرجل الذي عرفته الهند بزعامته الملهمة وعنايته بالفقير وكرهه لكل أنواع القوة، وهو الرجل الذي أثر في بني وطنه إلى درجة أيقظ فيهم، اعتزازهم بالهند وطنا مقدسا، ومن ثم قادهم في كفاحهم من أجل الاستقلال.
في بداية عهده كان غاندي يستحث الهند على أن تقدم لبريطانيا دعما خالصا في الحرب العالمية الأولى، وكان يأمل من وراء ذلك أن تعامل بريطانيا بلاده معاملة الند للند وليس معاملة تابع لسيّد، بيد أن العهود التي قطعت للهند بقيت كتلك العهود التي قطعت للعرب في أثناء الحرب، ذلك لأن انتصار بريطانيا شجعها على التحكم بمقدرات الهند ومحاولة إبقائها ضعيفة مستكينة. وهذا ما جعل غاندي أكثر اقتناعا بضرورة إنهاء حالة التحكم ببلاده.
من أجل هذا الموقف تذوق غاندي حياة السجن والقهر والمرض إلى أن نشبت الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ يجدد أسلوب معارضته للاستعمار بإعلانه الإضراب عن الطعام، وكان يلجأ إلى هذه الطريقة لمواجهة القضايا التي تعصف بمصير الهند اجتماعيا أو اقتصادياً أو سياسيا بغية التغلب عليها بفعل جماعي.
يقول غاندي: « فقط لو كان الناس على استعداد لتحمل المعاناة وضبط النفس، لتجدد شباب الحياة في الإنسان ولكان شابا دائماً دائماً». وفي وقتنا الراهن تعيش سورية، بمختلف شرائحها الاجتماعية، زمن المعاناة، وتتحمل عبأها على مختلف أوجهها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وسوى ذلك، وبين وقت وآخر تجدد شبابها على نحو ما عشناه في السابع عشر من شهر آب بافتتاح معرض دمشق الدولي في دورته التاسعة والخمسين، على الرغم من حجم الخسائر التي لحقت بنا على امتداد سبع سنوات وتبعاتها على البشر والحجر والشجر، هذا فضلا عن تجدد شبابها اعتمادا على سواعد أبنائها البواسل على امتداد جبهات القتال وتحقيق الانتصارات المتتابعة على أعداء الوطن.