ثقافة وفن

محطات دمشقية… تاريخ وثقافة ووطن .. 7 عدد أيام الأسبوع وعدد أبواب دمشق وعدد بحراتها وبركاتها ولسانها

| منير كيال

على ما لمدينة دمشق من مكانة تاريخية وثقافية ووطنية.. فإن من الممكن الوقوف لإلقاء بعض الأضواء على جوانب من هذه المدينة، وذلك على سبيل استجلاء ما قد يكون خافياً على الآخرين، وسنخص بالذكر:

مشاهد باقية
ساحة المرجة والربوة والغوطة: تقع ساحة المرجة بين جامع يلبغا وجامع تنكز المملوكيين وكانت أرضها تتميز بالخضرة اليافعة، ذلك أن نهر بردى يتفرع بالمرجة إلى فرعين يحصران بينهما مساحة من الأرض عرفت باسم ما بين النهرين كما عرفت باسم الجزيرة، وكانت هذه الأرض متنزهاً يقصدها الناس لما يتوافر بها من سواقي الماء والخضرة اليافعة.
وقد أقام بالمرجة كنج يوسف باشا والي دمشق بالعصر العثماني ما يعرف اليوم باسم بناية العابد، فكان هذا البناء داراً للحكومة آنذاك، وهذا أعطى منطقة المرجة أهمية زائدة لمدينة دمشق، وزاد بهذه الأهمية تغطية نهر بردى عند بناء العادلية والبريد والبرق بالمرجة.
وقد أقيم بالمرجة في عهد الوالي العثماني: حسين ناظم باشا بناء البلدية، وهو البناء الذي توج به الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سورية، إثر الثورة العربية الكبرى.
وقد عد هؤلاء المؤرخون الربوة من أجمل مناظر الدنيا ومتنزهاتها، لما بها من التخوت والمقاصف وكان بها القصور على طرفي واديها، ويذكر المؤرخ الشيخ دهمان أن الربوة واد تتدفق فيه المياه.
وكان بهذه الربوة مكان يقصد للتبرك والزيارة يسمى الربوة، وقد بقيت التسمية شائعة على الوادي الذي كانت به الربوة.

جبل الربوة
أما الجبل الذي إلى الغرب من الربوة فكان يطلق عليه اسم الدف لكثرة الدفوف المزروعة بالزعفران وقد أحرق الصليبيون الربوة عند حصارهم مدينة دمشق، كما قام الإنكشارية بحرق ما بقي منها، ولم يبق من هذه الآثار غير بقايا صخرة المنشار المكتوب عليها كلمة اذكريني.
والمحطة الثالثة هي غوطة دمشق، وبالطبع كان القصد من ذلك غوطة دمشق يوم كانت الغوطة غوطة، فقد حبا الله هذه المدينة غوطة لا مثيل لها، وقد أعجب العرب بهذه الغوطة وارتحلوا إليها، وأخذوا بأشجارها وزرعها ونسيمها العليل، يوم كانت الغوطة وحياً الشعراء، وتعجب القاصدين، حتى إن الخوارزمي، اعتبرها جنة الله في أرضه وعدها المأمون الخليفة العباسي أنها خير مغنى على وجه الأرض، ذلك أن غوطة دمشق بما فيها من رياض وأشجار فاقت سمر قند وشعب بوّان.
فقد أحدقت بساتين الغوطة بدمشق وامتدت وهذا ما جعل من المرجة الساحة الرئيسية لمدينة دمشق ومن ثم تركز الأسواق والفنادق بها.
وزاد في اكتمال هذه الساحة إقامة النصب التذكاري ومن ثم في وسط هذه الساحة، وقد كان هذا النصب لتدشين الاتصالات بين مدينة دمشق والمدينة المنورة وذلك عام 1907، وهذا النصب من البرونز، وهو من تصميم المهندس الإيطالي داريكو، وفي أعلى النصب هيكل لمسجد يلبغا باستنبول.
والجدير بالذكر أن بناء العابد القائم اليوم بالجهة الجنوبية من المرجة، يعود إلى أحمد باشا العابد، الذي اشترى الأرض التي كانت عليها دار الحكومة التي بناها الوالي العثماني كنج يوسف باشا، ثم قام العابد بهدم البناء المذكور وأشاد مكانه عام 1906 بناء آخر المعروف اليوم باسم بناء العابد، وقد اتخذ البناء كفندق ثم تحول إلى منزول للقوات الفرنسية خلال الاحتلال الفرنسي لسورية.
الربوة والمنتزه

والربوة أيضاً إحدى معالم دمشق منذ الأزل، فقد كانت ولا تزال مقصداً للمتنزهين، لما يتوافر فيها من الماء والخضرة، وقد أطنب بذكرها المؤرخون القدامى الذين زاروا مدينة دمشق، ونذكر من هؤلاء المؤرخين ابن بطوطة الذي زار دمشق في القرن الثامن من الهجرة، وكذلك البدري الذي زار دمشق في القرن التاسع من الهجرة، وذكرها ابن طولون في القرن العاشر للهجرة بأنها على امتداد البصر، بل إن لكل موضع يلحظه المرء بالجهات الأربع من الغوطة نضرته البالغة.
والفضل في ذلك كله يعود لنهر بردى، ذلك أن دمشق هبة نهر بردى ولولاه لكانت دمشق صحراء فنهر بردى هو الذي يمد دمشق وغوطتها بالحياة، بما يقدم هذا النهر من المياه اللازمة لكل إنسان بدمشق ولكل ذرة تراب بالغوطة تقدم الخير للإنسان. لأن نظام ري الِأرض بالغوطة من مياه نهر بردى اعتمد على أسلوب يوزع المياه على أراضي الغوطة، وهذا الأسلوب محدد بالساعات والدقائق لكل أراضي الغوطة.
وكان السيرنجية من أهل دمشق يذهبون في أربعينيات القرن المنصرم (العشرين) بسيارتهم إلى بساتين الغوطة، ولم يكن هناك من يمنعهم، فلا حارس ولا بواب، كما كان من أصحاب بساتين الغوطة من يضع على مدخل بستانه، جرناً أو سلاً كبيراً يملؤه من ثمار بستانه، ليأكل منه كل عابر أو مار شريطة ألا يأخذ معه من تلك الثمار حتى لا يحرم غيره من تناولها.
ذلك أن بساتين الغوطة الشرقية والغربية للجميع ولا يجرؤ أحد على بيع السيرنجية الهواء والاستمتاع بالمناظر، كما تعمل المقاصف والمقاهي هذه بالأيام بمن يقوم بسيران إلى الغوطة.
كنت ترى الناس يتوافدون إلى تلك الرياض لقضاء الأوقات الممتعة بين أحضان الطبيعة، حيث الماء الوفير والخضرة اليانعة والظل الظليل.
كانت كل جماعة من أولئك السيرنجية تتخذ لنفسها مكاناً خاصاً، فتحجب نفسها عن أعين الحشريين بسواتر قماشية، ولكن ذلك لم يمنع تساكب طعام السيران بين السيرنجية المتجاورين.. فيتلون ذلك الطعام لدى الجميع وتنفتح القابلية.
ولعل من الطريف أن نذكر ما كان بين الدماشقة من علاقة طريفة مع الرقم سبعة، فأيام الأسبوع سبعة وأبواب دمشق سبعة، وبدمشق محلة يطلق عليها السبع قاعات، ومحلة اسمها السبع بحرات، كما جرى على لسانهم مقولة: السبع بركات والسبع تنعام، وكذلك السبع ألسن، ولسانه بسبع شطلات، وهم يطلقون تسميات تتصل بالماء على أماكن من هذه المدينة، ومن ذلك محلة النوفرة، والبحرة الدفاقة والمزار والقنوات والشاغور فضلاً تسمية محلة السبع بحرات التي أشرنا إليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن