ثقافة وفن

نزار صابور.. توثيق وقراءة …عندما يقدّم المبدع قرينه بإنصاف واحترام

 إسماعيل مروة : 

نزار صابور فنان تشكيلي سوري نشيط، وهو علامة من العلامات التي يفاخر بها الفن التشكيلي السوري، وقد تعودنا أن يبقى الفنان والإنسان مهملاً إلى رحيله، لتبدأ بعد ذلك رحلة تدبيج العبارات والمقالات في الحديث عنه، أما في أثناء وجوده ونشاطه فالإهمال نصيبه، وخاصة من أقرانه الذين لم يصلوا إلى شهرته ومكانته، ونزار صابور فنان محظوظ إضافة إلى اجتهاده وتميزه، فهو محظوظ بوجود أحد أقرانه الغيورين عليه، وها هو صديقه الفنان الصحفي سعد القاسم يكرس من وقته وجهده وقلمه لتسطير رحلته الإبداعية بحب لا مثيل له، ونقد واضح، وتوثيق لحظي، وكانت نتيجة هذه العلاقة في كتاب توثيقي يحمل عنوان (نزار صابور الإنسان- اللوحة) الذي يرصد الرحلة الفنية لصديق من صديق خبير وعارف..
بمنزلة النقد والكشف

جاء الكتاب التوثيقي ضمن عنوانات حميمة: بمثابة التقديم، نزار صابور: الإنسان- اللوحة، قراءة في ست لوحات، ذاكرة الصور، هذا إضافة إلى تقديم سيرة فنية موثقة لنزار صابور، تظهر مسيرته العلمية والفنية، ومشاركاته في المعارض الفنية الداخلية والخارجية، ومع أن سعد وضع اسم التمهيد لمقدمته الأولى في المحتوى، إلا أن هذه العلامة التي تؤطر الكلام لم تثبت في صفحة التمهيد، ليقدم عمر العلاقة التي تربطه بنزار، ففي منتصف سبعينيات القرن العشرين التقيا، وكانا في بداية طريق فني مشترك، وفي الصفحة اليتيمة يقدم رأياً منسوباً لنزار عن خلاف الإمكانيات بين المركز والأطراف، ومع هذا الاختلاف حافظ نزار على نزوعه التشكيلي، فتخرج وتابع، وانتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، علمياً بالدراسة داخل سورية وخارجها، وفنياً بالانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وانحاز سعد القاسم إلى الصحافة والنقد التشكيلي، فجعل من نفسه ذاكرة جيل وصديق، ويزعم سعد أنه حاول أن يعزل مشاعره الشخصية عن قراءته، ويوهمنا أنه سيفعل ذلك في هذا الكتاب، فهل فعل؟
ثم يعرض لسيرة نزار صابور في عناوين محددة، وتواريخ ومراحل متعددة تغطي أنشطة نزار صابور منذ مشاركته الأولى في اللاذقية 1976 حتى عام 2014 في الكويت وسجل موثقاً مشاركات الفنان صابور، فاصلاً هذه المشاركات حسب الدول التي شارك في معارضها في الدول العربية والعالم، ثم ذكر مجموعة الجوائز التي حازها صابور في رحلته، وحدد مكان وجود أعماله ومجموعاته.. وهذا يفيد كثيراً عند دراسة الفنان، وعند تقييم رحلته ولوحاته، بل عندما تحدث مزادات مبيع للوحات هنا وهناك، فنسبتها إلى صاحبها تعتمد اعتماداً كبيراً على وجوده في المكان ومشاركاته فيه.

الرحلة والتحدي الأول
بنظرة ناقدة عارفة يحدد القاسم عناصر نجاح صديقه نزار صابور، وهي مشكلات نجاح لوحته، وهي: الابتعاد عن المألوف، الدعوة إلى التأمل والحوار، البحث في جوهر الأشياء، والاحتفاظ بالقيم الجمالية، المخزون المعرفي الكبير (لا تقدم لوحة نزار صابور للمشاهد ما يألفه أو يتوقعه، لكنها أيضاً لا تدير ظهرها له)… إنها تدعوه للتأمل والتفكير والحوار، وللبحث في جوهر الأشياء، وتحسس القيم الجمالية التي انتقلت جيلاً إثر جيل عبر اللمسات المبدعة لفنانين، وحالمين، وحرفيين مهرة، صنعت حكايات جلجامش والأيقونة والمنمنمة ومقامات الأولياء وأبواب البيوت القديمة).
هكذا يقدم الناقد صديقه دون إشادات إنشائية مباشرة، ومرد ذلك إلى أنه تشكيلي ويعرف أسرار الشكل واللون والتجربة، وينهي تقديمه النقدي، (يتمكن الأسلوب من تجربة الفنان حين تتحدد معالمها الأساسية، ويصبح الموضوع الوسيلة لتفادي التكرار والدوران في المكان.. لقد امتلك منذ وقت الخط الذي يريد، واللون الذي يعرف لوحته ويعرف بها… في كل مرة كانت اللوحة تدعونا للتأمل والتفكير، ولاكتشاف جمال الأشياء حولنا).
ويتابع الناقد الصديق جولته في رحلة نزار صابور، وقراءته في تجارب الفنان ومعارضه داخل سوية وخارجها، ويقف بعين خبيرة عند عدد من لوحات الفنان، ولأن تجربة صابور ما تزال في أوجها كانت الرؤية النقدية لما تم إنجازه، وأغنى هذا الكتاب التوثيقي بصور عديدة للفنان وأصدقائه وأساتذته ومعارضة ولقاءاته، ليختم بهوامش لا تقل غنى، تأتي على ذكر الفنانين الذين عاشوا التجربة والمرحلة، وعدد منهم ابتعد عن التشكيل إلى مجالات أخرى وبرعوا فيها.
جمع كتاب (نزار صابور الإنسان- اللوحة) لسعد القاسم بين خصائص عديدة، منها القراءة النقدية التشكيلية العارفة والخبيرة، والتي نفتقدها في صحافتنا لغياب المتخصصين، ومنها الوفاء لصديق، وقد عز في زماننا أن يحتفي الصديق بصديقه، ولكن الكاتب احتفى وقدم نموذجاً من الوفاء والعلمية من الصعب أن نعثر عليها، ومنها التوثيق لرحلة فنان لا يزال في أوج عطائه، والتوثيق لرحلة الفن التشكيلي السوري لجيل الفنان، وربط هذه الرحلة بما قبل وما بعد.
ويمكن الاسترشاد بمثل هذا الكتاب التوثيقي أن يرشد الفنانين إلى عناصر النجاح، وإلى الطريق التي يمكن أن تصل بالفنان إلى النجاح، وإن كان في البداية مخالفاً للسائد المعروف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن