ثقافة وفن

في تاريخ الصحافة المأجورة…ما أشبه اليوم بالأمس…. الصحفي طه المدور نموذجاً

شمس الدين العجلاني : 

سؤال مشروع يحق لنا أن نسأله، هل الصحافة المأجورة وليدة أيامنا هذه!؟ «هل العمالة» وليدة أزمتنا الحالية؟ هل حكايا الصحافة المأجورة وليدة المال الخليجي؟ هل مهنة الصحافة كما يقول البعض مهنة من لا مهنة له!؟ ويرون فيها أقصر الطرق للحصول على «وظيفة» بدلاً من الجلوس في المقاهي والتسكع بالطرقات؟! فاختلط الحابل بالنابل!
قد نتفق على الأزمة التي يشهدها المجال الإعلامي في وطننا العربي متمثلة في اختلاط الحابل بالنابل داخل السلطة الرابعة، التي أضحت مرتعاً للصبيان والانتهازيين وضعيفي النفوس وعديمي الضمائر والمنحازين مع الباطل مقابل الحق…
نحن متفقون أن هنالك دكاكين للصحافة في الوطن العربي وبلاد الاغتراب يغريها الضخ المالي الكبير من أموال النفط العربي، وأصبحت ظاهرة الصحافة المأجورة تعمم على قطاعات كبيرة من وسائل الإعلام العربية..
إذا كان مفهوم الإعلام بمختلف قطاعاته هو السلطة الرابعة، يفضح المسكوت عنه ويسلط الأضواء على مختلف الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويقاتل في سبيل الوطن وعزته وكرامته فماذا دور هذا الإعلام المأجور!؟
في الأزمة التي نعيشها الآن كل الدولارات الصفراء على حساب الدم السوري، فلم يعد هناك مكان في الصحف الخليجية وأقلامها المأجورة ومن لف حولها سوى سورية والعمل على التزوير والتضليل الإعلامي ومحاولة النيل من كل مواطن سوري بلغة طائفية حاقدة لم تعتد عليها وسائل الإعلام، ومحاولة منح المنظمات الإرهابية شهادة حسن سلوك!؟
الصدمة التي أصابت الشارع العربي من جراء «الربيع العربي» بل من لحظة سقوط بغداد، جعلت الشارع العربي في حالة حراك حول الدم والدين والأفكار السوداء وماهية القومية العربية وحقيقة صلة وروابط العرب مع العرب!؟
في حالة هذه الصدمة ازدادت آلة الضخ الإعلامية المأجورة، ازدادت آلة ضخ الدولار النفطي في كل الاتجاهات وطالبت بشكل مباشر وغير مباشر أنه لا جدوى من مقاومة المشروع القادم إلينا!؟ في محاولة منها لفرض ثقافة الهزيمة وتجذيرها في النفس والأرض العربية.
استطاعت مضخة البترول العربي الخليجي بالتنسيق الكامل مع أحلام العثماني أردوغان وبشراء سياسيي وحكام الدول العربية الذين لا حول ولا قوة لهم إلا بالمال الخليجي، أن يلعبوا لعبتهم الكبرى وفق تخطيط أسيادهم في البيت الأبيض ومن لفه حوله..
استطاعوا شراء أصحاب النفوس المريضة في قطاع الإعلام وغيرة وجيروا كل رغباتهم الشيطانية لتحقيق حلم أسيادهم… في مجال الصحافة المأجورة في عصرنا الحالي، برزت مهنة الصحافة لغير أهلها فلا تخصص ولا أخلاق ولا معايير مضبوطة وقوانين تنظمها فمن بائع بطيخ إلى مراسل ميداني وحربي ومحلل سياسي وكاتب صحفي!؟ وهذا لا يعني أن عصرنا هذا يشهد صبيان الصحافة فقط، بل هنالك أيضاً في «ربيعنا العربي» عدة أسماء لصحفيين كبار سقطوا في مستنقع «الربيع العربي» كما أن الطفيليات والطفيليين في ازدياد وأيضاً فرص الموت قهراً في مهنة الصحافة في ازدياد..
ونعود للقول هل الصحافة المأجورة وليدة أيامنا هذه!؟ «هل العمالة» وليدة أزمتنا الحالية؟ هل حكايا الصحافة المأجورة وليدة المال الخليجي الآن؟

في الزمن العثماني
بالأمس البعيد زمن الاحتلال العثماني تعرضت الصحافة والصحفيين في بلادنا إلى الاضطهاد والاستبداد والملاحقة والإغلاق والاعتقال، وفي الوقت نفسه كانت الميزات والعطيات العثمانية تسعى لشراء أصحاب النفوس الضعيفة من أرباب الصحافة سواء كانوا صغاراً في المهنة أو كباراً. وظهر آنذاك تعبير، الصحافة المأجورة.
ولا يفوتنا القول إن المراقبة على الصحافة أوجدت ذلك الجو المشبع بالظلم والطغيان، لأنها «المراقبة» أوجدت صراعاً بين الحرية والاستبداد، والقابضون يومئذ على زمام الأمر يهزؤون من الحرية وأنصارها.
ونقرأ أن المحتل العثماني قام بإصدار صحيفة ناطقة باللغة العربية في دمشق عاصمة الولاية السورية تتكلم بلسانها لمقاومة الصحف السورية الوطنية وتكيل الاتهامات المتعددة لها وكانت متعصبة بصورة عدائية لها وقد أعربت الصحف الوطنية في كل مناسبة أن النقد والمعارضة كانا العنصرين المهمين لهذه الصحيفة المسماة «المشكاة» التي تأسست في 28 شباط عام 1912 م، وكلفوا صحفياً من القاهرة بإدارتها هو محمود زكي بك، وهذا الصحفي حسبما يقول كرد علي: «… رجلاً مصرياً محكوماً عليه في مصر بعدة أحكام لجرأته على شتم قومه.. يحفظ من معاجم الشتم كل قبيح مقذع. ولما أغدقوا عليه الذهب الوهاج واتته قريحته في اختراع أساليب التشفي والتشهير، وكانوا لا يطلبون منه إلا أن يقف مني ومن أصحابي، في جريدة لهم سموها المشكاة موقف الهجاء، وظنوا لقلة تجاربهم أن الشتم سلاح قوي فعال، وما دروا أنه سلاح العاجز الأحمق…. ومضت الأيام وهرب المستأجر للتطاول على الأحرار. وعهد الاتحاديون إلى (ع. س) أن يمدهم بنوره في المشكاة فغذاها بزيته العكر.. وأخذ الخلف يسير على قدم السلف يطعن الطعن المبرح بمن يرسم له سادته الطعن عليه، ويحمل على أبناء بلده ليتقرب من قلب الغريب، وكانت «المشكاة» تحتوي على معظم إعلانات الدولة العثمانية!؟
وهذا حال البعض منا اليوم..

صحيفة الرأي العام وطه المدور
آل مدوّر من الأسر الإسلامية والمسيحية البيروتية واللبنانية والعربية. تعود بجذورها إلى قبائل شبه الجزيرة العربية ولاسيما قبيلة الأزْدي ويقال لفرع منها قبيلة المدوري، وقد أسهمت هذه القبائل في فتوحات مصر وبلاد الشام والعراق، وكان لها دور بارز في فتح المغرب العربي والأندلس. ونظراً لإسهامات قبيلة المدور في الأندلس، فقد كان لها إِمارة في المقاطعات الأندلسية قبل زوال الحكم العربي في الأندلس (عام 1492م)، ومنذ ذلك الحين نال أفراد المدور وحتى نهاية العهد العثماني لقب «الأمير».
برز من الأسرة في زمن الاحتلال العثماني الصحفي والكاتب طه المدور من مواليد بيروت وتوفي في دمشق، عاش فترة في بيروت ثم انتقل إلى استانبول ومنها إلى حلب ثم إلى دمشق.
تلقى علومه الأولى في مسقط رأسه وفيها تخرج في المدرسة الإعدادية، وأكمل تحصيله الجامعي في جامعة استانبول.
عمل في المجال الصحفي، فأصدر عام 1910م جريدة «الرأي العام» في بيروت وفي عام 1916م هجر بيروت وانتقل إلى حلب ونقل معه «الرأي العام» فصدر منها في حلب نحو 250 عدداً. ثم انتقل إلى دمشق مع جريدته وأعاد إصدارها عام 1920م، عمل معه الصحفي الشهير نصوح بابيل كرئيس تحرير للجريدة واستعان بابيل بالصحفي بسيم مراد في التحرير. حين صدر أول دستور زمن الاحتلال العثماني سنة 1876م انقسمت الصحافة بين موالاة ومعارضة فحين انحازت أكثرية صحف بيروت إلى حزب «الحرية والائتلاف» وحملت على حزب «الاتحاد والترقي»، كانت جريدة «الرأي العام» تأخذ جانب الاتحاديين، فتؤيد حكومتهم وتحمل على المعارضة الائتلافية.. وحين أنشئت مطلع سنة 1913، «الجمعية العمومية الإصلاحية» في بيروت باركتها الصحافة البيروتية لأن معظم أصحابها ورؤساء تحريرها كانوا من مؤسسي تلك الجمعية. غير أن جريدة «الرأي العام» خرجت عن هذا الإجماع وأيدت قرار الوالي الاتحادي «أبو بكر حازم» حل الجمعية وإقفال مكاتبها. يذكر سامي الكيالي في كتابه الحركة الأدبية في حلب: «وجد جمال باشا كثيراً من الصحفيين أمثال (طه المدور) صاحب صحيفة (الرأي العام) في بيروت، والذي كان لسان حال جمال باشا السفاح وغيره ممن يمالئونه في سياسته فخسروا احترام الرأي العام ولقد ثبت أن بعضهم كان يتقاضى إعانة قد تصل من القلة إلى المستوى الذي يحط من كرامة الصحافة ووظيفتها العليا».
إضافة للأعطيات المخصصة لصحيفة «الرأي العام» كانت جلّ إعلانات الحكومة العثمانية تنشر في «الرأي العام».
ويروى عن جمال باشا السفاح قوله في توجيه بوصلة الصحافة: «إني أعرف كيف أدير القلم في خدمة الحكومة، وأقدر الحال الذي نحن فيه».

وبعد
أليست حالنا اليوم مثل الأمس؟ ألم تفرز هذه الحرب الإرهابية على بلادنا عدداً من الصحفيين المأجورين الذين اشترتهم أموال الخليج العربي الملوثة بدم وعرق الشعب العربي؟ ألم يقم البترودولار بتغذيه مئات الفضائيات للإساءة إلى سورية وشعبها؟ كم نتمنى جميعاً أن يكون كل الصحفيين شرفاء يستقون أخبارهم بمهنية وصدق لا بافتعال الأكاذيب والترويج لها.. الأقلام المأجورة لا تترك رمزاً إلا وتشوهه، ولا حدثاً إلا وكانت تصول في جنباته ولا مناسبة إلا وكانت ضيفة الخيانة على موائدها، وقد خلعت الحياء جانباً ولسان حالها يقول: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» «تشتم، تقذف بأقذع الصفات». أيها القلم قاوم… أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك… ونحن قادمون… مقاومون… منتصرون.

المراجع
معجم البابطين – تاريخ الصحافة السورية الدكتور شمس الدين الرفاعي – دراسة عن تاريخ الصحافة اللبنانية إصدار وزارة الإعلام اللبنانية – المصادر المذكورة في متن المقال – أرشيفي الخاص.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن