ثقافة وفن

انحدر إلى زاوية معتمة وحالكة ودخل في نفق مظلم من الشكوك والتكهنات…«باب الحارة».. أحداث باهتة و«مطمطة» واختلاق تفاصيل غير مبررة

 وائل العدس : 

رغم الانتقادات والأخطاء الإخراجية والقصص المفبركة والوقائع الخاطئة والأحداث المصفوفة والاتهامات بتشويه التراث الشامي العريق إلا أن مسلسل «باب الحارة» احتفظ بنسبة مشاهدة لا بأس بها، هي حقيقة علينا الاعتراف بها، ويعود السبب ربما لأن الأجزاء الأولى مازالت راسخة في الأذهان وما زال الناس يرغبون بمشاهدة ابن الشام الأصيل والقبضاي والست الشامية الرقيقة والحنونة.
لكنه لا يزال في ذات الوقت الأكثر عرضة للنقد والانتقاد وخصوصاً بعد تحوله إلى سلسلة درامية قد تتحول إلى فانتازيا وثائقية.
ولكن ليس شرطاً أن يكون العمل الشعبي وصاحب الجماهيرية العالية ذا قيمة فنية وفكرية، وخاصة أن المزاج العام بات يميل وينجذب نحو الأعمال المسلية حتى وإن كانت فارغة.
ويستكمل «باب الحارة» أحداث قصته التي تدور في الحواري الشامية في ثلاثينيات القرن العشرين، لكنه يفقد بعده السياسي ليعوضه بقصة حب تولد بين «معتز» و«سارة» اليهودية.

العمل غيب بعض التفاصيل التاريخية المهمة في الفترة التي تمهد لاستقلال سورية، ولا جديد في جزئه السابع سوى مطّ القصة وإحياء الأموات وإقحام «حارة اليهود» في الأحداث التي باتت باهتة دون حبكة درامية متقنة، وعابه «المطمطة» واختلاق تفاصيل غير مبررة إضافة إلى تشويه صورة أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.
ولم يستعرض الجزء السابع نمط الحياة الحقيقية لأهالي دمشق في تلك الفترة، ولم يعتمد على مراجع تاريخية توثق لثلاثينيات القرن الماضي، فقدم مجتمعاً تقليدياً بحارة مفترضة بسيناريو يحمل تجنياً كبيراً على البيئة الشامية، ولم يعد إلى صميم الواقع، بكل حيثيّاته وأطياف مجتمعه وشرائحه وخصائصه الملوّنة والمميّزة.
ومن الناحية السياسية، لم يضئ على وقائع حقيقية شكّلت محاور تاريخية مفصلية في ذلك الزمن، كمعاهدة 1936 التي أسست لاستقلال سورية.
وشهد الجزء السابع احتدام المكائد إثر عودة شخصية «النمس» بكل تناقضاتها وتعقيداتها وما تحمله داخلها من شر ودهاء وحقد، بموازاة خفة الظل والحس الفكاهي، في ظل اشتداد المواجهة بين شرفاء حارة الضبع وقوات الانتداب.
كما شهد اتقاد شرارة الحب بين «معتز» و«سارة» التي تعيش في «حارة اليهود» مع والديها «الحكيم موسى»، و«حنة»
ويتزوج «أبو النار» من «فريال» ويطلقها بعد أسبوع، ويظهر ابنه بعدما تبين أنها تزوج سابقاً من امرأة لبنانية في بيروت.
وترك المخرج المشهد الأخير مفتوح الاحتمالات، فأنهى عمله قبل أن يفصح لنا عن نجاح أو إخفاق قوات الانتداب الفرنسي باقتحام «حارة الضبع» بعد إصرار رجالها ونسائها على التصدي لها.
لكن السيناريو انحدر إلى زاوية معتمةٍ وحالكةٍ في ظلمتها، وأدخل الجزء السابع في نفق مظلم من الشكوك والتكهنات كان في غنى عنها.

شخصيتان في عمل واحد
صحيح أن ظهور مصطفى الخاني في شخصيتين كان مدروساً ومعداً مسبقاً ليقدم الشقيقان «النمس» و«الواوي» عبر جزأين مختلفين، إلا أن ذلك لم يكن شافعاً للمخرج بأن يعيد ظهور ممثلين بشخصيات جديدة بانتقاء عشوائي.
فهل نَفِد الفنّانون مثلاً؟، أم إنه نوع من الاستسهال باختيار ممثّلين سبقَ أن تعاون معهم فريق العمل، أم إنه استخفاف بعقول المشاهدين؟
ويبدو أن هذا الخطأ عادة قديمة، فقد جسّد نوار بلبل في الجزء الأول دور «الزيبق»، وعاد في الجزء الرابع ليطلّ بدور «أبو يوسف» المناضل الفلسطيني.
كما جسّدت منى واصف شخصيّة «أم عبد الله» المرأة المشعوذة في الجزء الأول، لتُفاجئ الجمهور في الجزأين الرابع والخامس بتجسيدها شخصية «أم جوزيف» المرأة المسيحية التي تناضل ضد الاحتلال الفرنسي.

تشدد ديني
تحولات كبيرة شهدتها شخصية «سمعو» (فادي الشامي) الذي اعتكف فجأة وأصبح طالباً من طلاب العلم، مرتدياً عباءة التشدد والتطرف الديني بتصرفات أبعد ما تكون عن تعاليم الدين الإسلامي، مسقطاً مشهداً غريباً عن البيئة الشامية في تلك الآونة، إذ يظهر بمظهر شاب مغالٍ في دينه وعقيدته، حتى إنه يرفض النظر إلى زوجه وحماته دون ستر رأسهن!.
في ليلة دخلته على عروسه «دلال» وعوضاً عن فرحه وابتهاجه بالمناسبة التي انتظرها طويلاً، يتساءل ممتعضاً: ما هذا البهرج على وجهك؟ فهل كان ينتظرها بغير هذا المظهر في تلك الليلة بالذات؟
كما يدين تصرف زوجه بالتجول في «أرض الديار» دون حجاب واعتبره تصرفاً خارجاً عن الأخلاق، فهل يعني أن كل نساء الحارة مدانات؟

حيّ أم ميت؟
دون تبرير درامي، اختفت شخصية «أبو مرزوق» (محمد الشماط) عن حارة «الضبع» خلال أحداث الجزء السادس.
ومنذ الحلقة الأولى من الجزء السابع، غاب «خضرجي الحارة» عن الأحداث أيضاً، وتكفّل نجله «مرزوق» ببيع الخضار والفواكه في المحل عوضاً عن والده المتوفى.
لكن خلال أحداث الحلقة السادسة، وأثناء عزاء «قطايف» (ميسون أبو أسعد)، يظهر «أبو مرزوق» فجأة في أحد المشاهد إلى جانب الشيخ «عبد العليم» قبل أن يختفي لاحقاً في بقية الأحداث.
ومن الواضح أن هذا المشهد أُقحم بالخطأ في غفلة عن المخرج الذي يتحمّل المسؤولية الكبرى عن هذه الكارثة الفادحة.
مخرج العمل نفسه رفض الاعتراف بالخطأ وحاول تبرئة نفسه عندما كتب عبر الفيسبوك أن «أبو مرزوق ضحك عليكم»، مشيراً إلى أنه لم يمت أصلاً، وأن مشهد ظهوره القصير جداً كان مقصوداً، كل ذلك يتم الرد عليه بسؤال واحد: مادام «أبو مرزوق» حياً، فلماذا لم يذكر اسمه في شارة العمل؟.

أخطاء أخرى
واستمرت الأخطاء الإخراجية الفادحة، بدءاً من ارتداء «أبو عصام» بنطال جينز تحت لباسه الشامي التقليدي، ومروراً بـ«أم نسيم» التي ماتت وظلّت يداها مثبتتين على ركبتيها، مع أن الميت يفقد كل أحاسيسه ويصبح عاجزاً عن التحكم بحركاته وأعصابه وعضلاته.
في الحلقة 23، وبعد نشوب الحريق الهائل الذي أكل الحارة بأكملها يهم رجال الحارة بإطفائه، ومنهم «معتز»، و«أبو ظافر»، و«عصام»، لكن أنجزوا المهمة دون أن نلحظ على وجوههم أي آثار للدخان!.
أكثر الأخطاء فداحة كانت في أحد المشاهد، عنما اجتمع «أبو عصام» مع كنته الجديدة «سارة» ليتلو عليها آية قرآنية ليقنعها بأن زواج المسلم من اليهودية حلال شرعاً، لكنه أخطأ في تلاوتها فقال: «يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، والصحيح هو: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم إن اللـه عليم خبير) (الآية 13 من سورة الحجرات).

الشارة أيضاً
منذ عرض الجزء الأول من مسلسل «باب الحارة» قبل تسع سنوات، ودّعت «حارة الضبع» سبعة من رجالها.
أسرة العمل أرسلت عبر الشارة تحية لأرواح الممثلين الراحلين، فذكرت ستة منهم ونسيت السابع، فأعادت الذاكرة إلى أدهم الملا، وعبد الرحمن آل رشي، وحسن دكاك، وسليم كلاس، ووفيق الزعيم، ومحمد رافع، ونسيت عصام عبجي آخر المودعين، فهل هي غفلة جديدة أم حركة مقصودة؟
وفيما يتعلق بالأسماء، فإن الشارة تنطلق باسمين كبيرين هما أيمن زيدان وعباس النوري، لكن الأول فقط دُوّن جنب اسمه «النجم» فهل الثاني ليس نجماً؟
وفي تتمة الشارة وصف مصطفى الخاني بالنجم العربي، فهل الاسمان الأولان لم يصلا للنجومية العربية؟
كما وصف كل من علي كريم وزهير رمضان بالنجم القدير، وجهاد سعد وشادي زيدان بالنجم، ووصفت ميسون أبو أسعد بالنجمة الشابة، وكندا حنا بالنجمة المتألقة، فهل نجومية وتألق الأخيرة تفوقان ما عند صباح الجزائري الحاضرة منذ الجزء الأول؟

مصادفة سمجة
منذ زواجه الأول، ينتظر «عصام» إنجاب مولود ذكر ليكون «ولي العهد» الذي سيحمل اسمه، وخاصة أنه تزوج من ثلاث نساء.
لكن مصادفة سمجة جعلت الثلاث «فايزة»، و«لطفية»، و«هدى» يحملن في وقت واحد، ويلدن في ساعة واحدة ويضعن ثلاث بنات. لكن الأحداث التي كانت تدور بين «عصام» وزوجاته، اتخذت قالباً طريفاً كوميدياً بسبب ما يجري بين الضُرر، وقد قورب موضوع تعدد الزوجات من ناحية كوميدية وطريفة لكيّ لا تكون الفكرة مزعجة، فوجهت الشخصية إلى الطرافة.

حارة اليهود
لا ضير أن يفتح «باب الحارة» الباب موارباً لإدخال حارة اليهود في ثنايا قصصه التي لا تنتهي، فاليهود تاريخياً جزء من النسيج العربي، لذا أوجدهم صُناع المسلسل كقصد درامي بهدف إعطاء عمر أطول للمسلسل، عبر الدخول في مناطق محرمة وتُعد تابوهات درامية عبر التطرق لخبايا العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط قديماً العرب باليهود، فتقع ابنة العائلة اليهودية في حب «العكيد» وتهرب لبيته من أجله، فيترك الأخير فتوّته ويصبح همّه الشاغل البحث في مكنونات ملكوت عشيقته اليهودية.
العمل جسد اليهود بأنهم أشخاص ذوو قلوب رحيمة وحكيمة وبيضاء كبياض الثلج، دون أن نعرف ما الفكرة التي دارت حتى تقرر إدخال المسلسل في هذا المنعرج، ولماذا تم إدراج اليهود وتصويرهم بهذا المظهر الجميل الراقي وكأنهم أطيب أهل الأرض؟.
«الحكيم موسى» ذلك الرجل المتسامح والطيب والحنون، «الحاخام نعوم» الغيور على مصلحة دمشق الذي يمنع إشعال الفتنة ويضغط لتزويج سارة من شاب مسلم، و«سارة» الطيبة التي تتبرع بمصاغها لنجدة سكان «حارة الضبع».

فريق العمل
يشار إلى أن العمل من فكرة بسام الملا، وتأليف سليمان عبد العزيز وعثمان جحى، وإخراج عزام فوق العادة، وبطولة: أيمن زيدان، وعباس النوري، وصباح الجزائري، وزهير رمضان، وعلي كريم، وسليم صبري، وأيمن بهنسي، وسحر فوزي، وميلاد يوسف، ووائل شرف، ومرح جبر، ومعتصم النهار، وأمانة والي، وجهاد سعد، وهدى شعراوي، وحسام الشاه، وحلا رجب، وأسامة حلال، ويحيى بيازي، وليليا الأطرش وآخرين.
يشار إلى أن «باب الحارة» سيعود إلى شاشاتنا بثلاثة أجزاء جديدة، وسيفرض العمل الشامي نفسه من جديد على الموائد الرمضانية عبر مختلف الشاشات العربية، بعدما أعلن مدير شركة «قبنض» للإنتاج والتوزيع الفني بدء التحضيرات لتصوير الأجزاء الثامن والتاسع والعاشر من المسلسل، واعداً بعودة العمل إلى «أصالته ورونقه»، ليكون مروان قاووق كاتبه وبشار الملا مخرجه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن