قضايا وآراء

حتى شمس «2254».. تغرب

| سامر ضاحي 

لم يعد من المستغرب الحديث عن تغييرات جذرية في واقع الميدان السوري بعد نجاح الجيش العربي السوري بفك الحصار عن مدينة دير الزور ومطارها العسكري، بموازاة التقدم الحاصل في ريفي حمص وحماة واقتراب الجيش من إنهاء الوجود الداعشي فيهما.
ولهذا التقدم الميداني تبعاته السياسية، أقربها هي المحادثات التي تنطلق رحى جولتها السادسة في أستانا اليوم بانتظار تحديد موعد لاحق لجولة جنيف الثامنة.
وإذا كان الطريق المرسوم لـ«أستانا 6» هو خروجها باتفاق رابع لتخفيف التصعيد في إدلب، بعد ثلاثة اتفاقات سابقة تلت الجولة الخامسة من هذا المسار مطلع تموز الماضي، وبدأت في السابع منه عندما قص الرئيس الأميركي دونالد ترامب شريط انخراط أميركا الجدي في الأزمة السورية وأراد التقرب من موسكو فكان اتفاق تخفيف التصعيد في جنوب غربي البلاد اعتماداً على منصة موازية لأستانا وهي منصة عمان، تلاه اتفاقيتان مماثلتان في ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية عندما تم إقحام القاهرة كمنصة تفاوض جديدة بين الميليشيات المسلحة، وروسيا التي تنسق مع الحكومة السورية في هذا الجانب، إضافة إلى منطقة «منع النزاعات» في شمال حلب، لكن الانخراط الأميركي توازى مع تزايد مجازر «التحالف الدولي» ضد المدنيين في شمال شرق البلاد ما أضفى الكثير من الشبهات على نوايا واشنطن.
اليوم باتت عيون الجيش تركز على استعادة كامل محافظة دير الزور، رغم أنباء تحدثت عن توافق روسي أميركي عن اقتسام المحافظة بين مدينة يحررها الجيش وريف تحرره ميليشيات مدعومة من «التحالف الدولي»، وهذا يشير بوضوح إلى أن الحكومة السورية لم تعد تقبل بما كانت مستعدة للقبول به سابقاً في أحلك ظروف الأزمة، إذا ما نظرنا إلى تأكيدها أن مناطق تخفيف التصعيد محدودة بجدول زمني معين والحديث هنا عن فترة 6 أشهر فقط، ما يذكرنا برفض دمشق سابقاً لبيان جنيف 1 الذي صاغته مجموعة ما تسمى «أصدقاء الشعب السوري» وهي تجمع دول غربية سال لعابها بسرعة «لرحيل النظام» في سورية قبل أن يوقظها تقدم الجيش من أوهامها، لتتحول لاحقاً إلى نصح الأطراف الإقليمية بأن الحل السوري يعتمد على القرار الأممي 2254 المتحصل بموجب بياني فيينا 1 و2.
لكن وكما كانت المعارضة تحاول الاستفادة من الضغوط التي تعرضت لها دمشق وتحاول الانقلاب على 2254، فإن بمقدور الحكومة السورية، وهذا حق للمنتصر، عدم القبول بالقرار السابق كأساس للحل أو المطالبة بتعديله على أقل تقدير لصالح الشعب السوري، وان الحل موجود في صفحات الدستور السوري لعام 2012، فإذا ما انتهت جولة أستانا الحالية على غرار ما هو مرسوم لها باتفاق حول إدلب، فإن كل المناطق المشمولة بتخفيف التصعيد هي عملياً محاصرة من قبل الجيش بطريقة أو بأخرى، وتدفق الإرهابيين إلى سورية تحول لهروب جماعي، والجيش يستعيد الأجزاء الحدودية تباعاً.
الموقف الأبرز الداعم للمعارضة، كان الموقف الخليجي قبل أن يستمع للنصائح الغربية وتروضه موسكو، ونراه اليوم وخصوصاً من الرياض والدوحة، كما هو موقف التائبين، يجران ذيول الخيبة معهما وهما تتجهان إلى أستانا للمشاهدة «كمراقبين» وليس كمشاركين.
إذاً ما قبل كسر حصار دير الزور ليس كما بعده، وكل الظروف مهيأة اليوم لدمشق لتفرض شروطها السياسية، وهي التي أكدت مراراً وتكراراً أن الشعب السوري وحده هو من يقرر مصيره ولقيت دعم الحلفاء في هذا التوجه، ولعل الموقف الأبرز إعلان دمشق الواضح بأنها لم تعد راغبة بالتنسيق الأمني مع أي دولة ما لم يكن ثمة غطاء سياسي لهذا التنسيق، واشترطت بقوة أن ترتبط عودة التائبين من القوى الدولية الداعمة للمعارضة وفتح سفاراتها بدمشق، بوقف مطلق لدعم الإرهاب في سورية.
وإن كان بعض المعارضين طرحوا سابقاً من باب التندر بأن «النظام لن يمنح المعارضة أكثر من وزارة سياحة» فإن تندرهم بات اليوم حقيقة في ظل معارضة لم تثبت موجوديتها أو تمثيلها، بل وحتى وزارة السياحة فضفاضة على مثل هؤلاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن