الأولى

فوضويو الناتو

| تيري ميسان 

التقى الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، والذي تعتبر «وحدات حماية الشعب والمرأة» ذراعها العسكري، في 31 تشرين الأول 2014 في قصر الإليزيه بالرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وترك الأخير آنذاك على مسامع مسلم، وعداً بأن يصبح رئيس دولة إذا وافق على الالتزام بإقامة دويلة كردية في سورية، وذلك بحسب مصدر مطلع داخل الإليزيه.
على الفور، قام «الائتلاف الدولي»، الذي أنشأته الولايات المتحدة لتوها في ذلك العام، وزعمت أنه ضد داعش، بدعم «وحدات حماية الشعب»، وتزويدها بالمال والسلاح والتدريب.
كما قامت وكالة الاستخبارات المركزية بتجنيد عشرات الآلاف من الشباب المسلمين في الغرب، ليصبحوا إسلاميين متشددين، مثلما جندت أيضاً الفوضويين «الأناركيين» الأوروبيين لتشكيل كتائب دولية.
وهكذا، ووفقاً لـ«شبكة مناهضة الفاشية والإرهاب – المخبر الكردي» و«مرصد اليسار المتطرف» في مقال منشور بتاريخ 16 آب 2017، نجد على الساحة السورية، قوات مكملة لـ«وحدات حماية الشعب» وحلف شمال الأطلسي، مثل «الفوج الأممي المناهض للفاشية في أوروبا الوسطى» و«لواء بوب كروو» من الإنكليز والايرلنديين، و«لواء هنري كراسوكي» من الفرنسيين، و«القوات الدولية والثورية لحرب عصابات الشعب» من الأميركيتين، و«الاتحاد الثوري من أجل التضامن الدولي» من اليونانيين، و«وحدة الحزب الماركسي اللينيني» من الإسبان، إضافة إلى جميع الفصائل التركية الموالية للولايات المتحدة.
لقد أسفر القتال بين «حماية الشعب» وداعش، الذي كان مفترضا أن يكون مواجهة بين شباب كرد، وشبان سوريين موالين لدولة الخلافة، عن مصرع الكثير من عناصر القوات السابقة الذكر، ومن جميع الأطراف ومنهم العديد من الشبان الأوروبيين الطوباويين، عميان البصيرة، الحالمين بعالم أفضل، ما حدا بـ«حماية الشعب» لأن تعلن في 17 آذار العام الماضي، الحكم الذاتي في «روج آفا»، أو تعلن دويلة كردستان سورية، وهذا يعني بطبيعة الحال، شريطاً من الأرض يصل كردستان العراق بالبحر الأبيض المتوسط على امتداد الحدود السورية مع تركيا، لكن فقط في الجانب السوري منه، ما يعني أيضاً أن هذا «الروج آفا» قد يشمل جزئياً منطقة إدلب التي تحتلها القاعدة في الوقت الحالي.
إن إقدام أشخاص على الإعلان عن إنشاء دولة فوق أرض لم يولدوا عليها، وعلى حساب السكان الأصليين، يعني أنه مشروع استعماري مماثل لمشروع إسرائيل التي أعلن يهود عن قيامها بعد شرائهم الكثير من الأراضي في فلسطين، وقد تم اختيار اسم «روج آفا» لذلك الشريط الحدودي لتمييز هذا الإقليم، عن «كردستان» الذي يقع أساسا في تركيا، كما كان مخططا له في مؤتمر «سيفر» عام 1920.
بيد أنه في الوقت الذي تضمحل فيه كل من إمارة القاعدة في إدلب، ودولة الخلافة في الرقة، يسعى حلف شمال الأطلسي إلى تنفيذ مشروعه ومخططه الرامي إلى تفتيت الجمهورية العربية السورية، ويعلن عن طموحه هذه المرة في إنشاء دويلة كردستان «روج آفا» في القامشلي.
لا غرابة أن تتوافق برامج «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري، و«حزب الشعوب الديمقراطية» التركي، مع الإستراتيجية العسكرية الأميركية، فقد خطط البنتاغون منذ عام 2001، على المدى المتوسط، لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الموسع، أي تقسيم الدول الكبيرة إلى دويلات صغيرة متجانسة، وغير قادرة على مقاومته.
لم يتم الإعلان عن دويلة كردستان سورية «روج آفا» كدولة مستقلة، لأن «حماية الشعب» تعتقد أن الدولة الوطنية ستكون شرا في حد ذاتها، وهي إذا بالنسبة للناتو، مجرد كيان حكم ذاتي، سوف ينبغي عليه التحالف مع دول أخرى تتمتع بالحكم الذاتي، كالدويلات التي ستخلف الدولة الوطنية السورية، بعد الإطاحة بالدولة الأم، وطبعا كل ما سبق وفق مشروع الناتو المتعثر.
يعتقد الإستراتيجي الأميركي المرجعي في «حماية الشعب» موراي بوكشين، أنه لكي تسير الأمور بطريقة ديمقراطية، يجب أن تكون المجتمعات التحررية متجانسة فيما بينها ولهذا السبب تقوم «حماية الشعب» حالياً بحملة تطهير عرقي في منطقة «روج آفا»، شمال سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن