قضايا وآراء

الأكراد: هل تقع المواجهة؟

| عامر نعيم الياس
لم ينس الأكراد لا «سايكس بيكو» ولا «سيفر» حتى اليوم، فمنذ عام 1916 يراهنون على كسر الاتفاق الدولي على الحدود في الشرق الأوسط، والذي أنهى حلمهم، راهنوا على مبدأ «ويلسن» ولكنهم فشلوا، فالتعهدات التي أطلقت في «معاهدة سيفر» عام 1920 والتي حضرت فيها القضية الكردية، وقرر بموجبها تحقيق الاستقلال الكردي على مراحل وصولاً إلى ما يسمى حق تقرير المصير، تم نقضها من جانب مصطفى كمال أتاتورك بعد نجاحه في تثبيت السلطة على ما تبقى من أنقاض السلطنة العثمانية وبسط سيطرته على تركيا عبر حكومة مركزية قوية في أنقرة، وهو ما أدى إلى عدم الاعتراف بتعهدات «حكومة أستانا» الموقعة على معاهدة «سيفر».
مع «سيفر» بدأ تدويل القضية الكردية والتي لم توضع نهايتها في «معاهدة لوزان» 1923 كما يشاع، لكن سبقها إلى ذلك تحرّك ملفت ربما لا يدرك الأكراد معناه وربما لا يريدون رؤيته وإدراكه، فالفشل في «سيفر» يعود إلى انسحاب الحزب الديمقراطي الأميركي الذي رعى مطالب الأكراد في «سيفر» من تعهداته إثر خسارته الانتخابات الأميركية، كما يعود في جزئية منه إلى التقارب الروسي التركي الذي تجلى في «معاهدة موسكو» وتقضي بالتعاون المشترك بين الدولتين وتقديم الدعم السياسي والعسكري لتركيا تحت سلطة أتاتورك، وهو ما دفع القوى الكبرى التي رعت «معاهدة سيفر» إلى إعادة حساباتها والتوجه لإبرام «معاهدة لوزان» عام 1923 والتي أسقطت حق الأكراد بإقامة دولة لهم.
الأكراد ما زالوا يبحثون عن كسر الحدود القائمة منذ «سايكس بيكو»، ركبوا في العراق موجة الحرب على داعش التي هددت عاصمتهم في أربيل، وفي سورية أيضاً جعلوا من «عين العرب» أيقونة في خدمة التدخل العسكري الأميركي المباشر والتواجد في سورية عبر قواعد عسكرية، وما زالوا حتى اليوم يراهنون على ذات النموذج العراقي لكن دون معاهدات رسمية على غرار معاهدة آذار 1970، فالحكومات في العراق وحتى في تركيا أو في إيران كانت تلجأ إلى الأكراد في أوقات ضعفها وتنتفض عليهم عندما تستعيد قوتها المركزية، أما في سورية فالموضوع مختلف تماماً، نحن اليوم أمام مشروع تحت رعاية أميركية مباشرة، يهدف إلى تكريس أمر واقع ميداني يحكمه تواجد عسكري لقوة عظمى على الأرض، ويستمد زخمه في التمدد من شعار «الحرب على داعش» وتحالف دولي يؤمن غطاءً جوياً لقوات كردية مطعّمة عربياً تتقدم اليوم نحو شرق سورية وتحديداً في حدود محافظة دير الزور وشرق الفرات للسيطرة على المنطقة الغنية بالنفط والغاز في سورية، وبالتالي تأمين مقومات حكم ذاتي غير معترف به ومحمي عبر التواجد العسكري الأميركي، فهل تكون آخر المعارك الكبرى في سورية مقدمة لمعركة أشد حساسية في سورية، أم يتعظ الأكراد من التاريخ؟
الولايات المتّحدة تخلّت عن الكرد بعد معاهدة «سيفر»، وتخلّت عنهم في الثمانينيات، وتخلّت عنهم ولا تزال في جنوب شرق تركيا، وفي العراق لا يمكن لمسعود بارزاني الاستمرار في مشروعه الانفصالي والخروج اليوم دون خسائر، أما في سورية والعيون مسلطة على السباق القائم في الشرق في ما يمكن تسميته «ما بعد معركة فك الطوق عن مدينة دير الزور» حيث يتقدم الجيش السوري والقوات الحليفة بالتوازي مع عملية عسكرية للأكراد على الضفة الشمالية الشرقية للفرات المقابلة لمدينة دير الزور لقطع الطريق على الجيش السوري للتمدد في حوض الفرات الوسط، وبالتالي خلق منطقة أمر واقع تحت تهديد طائرات التحالف الأميركي كما جرى في الرصافة في ريف الرقة الجنوبي، وهو رهان كردي قابل للمرور نظرياً حتى اللحظة، لكن لعبة المحاور الدولية والإقليمية لم تقدّم إلا الخيبات للقضية الكردية، والقرار الذي اتخذته دمشق بالوصول إلى شرق الفرات في تطوير لمرحلة الهجوم لاستعادة مدينة دير الزور، لا يبدو أمراً قابلاً للتراجع أو للمساومة، فالقضية ليست مجرد تقاسم نفوذ بين غرب وشرق الفرات، ما يجري اليوم يتجاوز روسيا والولايات المتحدة إلى أمن إقليمي لا يمكن اللعب به، والكرد يضعون أنفسهم اليوم في مواجهة الجيشين السوري والعراقي، حيث لا مجال للتراجع، وبين كركوك ودير الزور وكسر حدود سايكس بيكو، فإن احتمالات المواجهة ترجح على ما دونها إلا في حال تراجع الأكراد في مواجهة محور أمر واقع أقطابه سورية وتركيا وإيران.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن