من دفتر الوطن

استلام.. وتسليم!

| عصام داري 

نودع يوماً لطخه التعب والحزن قليلاً لنستقبل يوماً مشرقاً وباسماً تسكن فيه فرحة الأطفال وآمال الرجال وابتسامات الصبايا.
مع كل إشراقة نتوقع تغير الحال والأحوال، لكننا نجد أنفسنا غارقين في الأوحال، فأقدامنا عالقة في أديم الأرض وأبصارنا ودعواتنا تعانق السموات العلا، صراع مستمر لا ينتهي إلا بانتهاء أيامنا في هذه الأرض الملعونة!.
في هذا الصباح الذي يحمل بشرى قدوم الخريف، تأخر الشروق قليلاً، وغطت العتمة كبد السماء، وتغلغلت نسائم رطبة في الرئتين، لأتأكد أننا دخلنا في عملية الاستلام والتسليم بين فصلين متجاورين.
في هذا اليوم الخريفي الباهر، قررت أن أسرق دقيقة أو دقيقتين من الزمن لأرسم من حروفي لوحة أحاول من خلالها الاقتراب من عالم مسحور وساحر، من مملكة النور المستمرة في الحكم منذ فجر التاريخ.
تنشق الجبال فجراً فتشرق الشمس لترسل النور والدفء لنا، ومجاناً، وتغتسل هذه الشمس وقت الغروب بمياه بحرنا، فتحيله سبيكة ذهبية على مدى الأفق،
إنها دورة الطبيعة التي تمر بنا صباح مساء لا نشعر بروعتها ربما بفعل التكرار والروتين الكوني، لكن قليلاً من التأمل تجعلنا نحلق في هذه العوالم الساحرة وتحملنا إلى شواطئ السكينة والهدوء.
نتأكد بالتجربة اليومية أن الطبيعة الأم الساحرة وتوالي الفصول هي الدواء من أمراض العصر كالضغط والكآبة والإحباط والإجهاد واليأس والكوارث التي تحل بنا مع كل لحظة تمر في حياتنا، وهي القادرة على إخراجنا من الأحزان إلى بوابات الفرح والتفاؤل وتمنحنا فرصة حياة إضافية.
فجراً، أيقظتني نسائم أيلول المنعشة لتبلغني بأن الخريف صار بيننا، وأن الحرارة التي كوتنا على مدى أشهر إلى انحسار، فها نحن نودع الصيف لنستعد لاستقبال موسم المطر والخير والجمال، وللشتاء جماله الأخاذ، وفي الشتاء تحلو قصص الحب والهيام.
بالحب نعيش وترتوي أرواحنا، وبالكراهية والأحقاد ننتحر ببطء، فخففوا عن أنفسكم عناء هذا السفر الطويل الذي اسمه حياتنا على الأرض واصنعوا الجمال فتحصدوا السحر والفرح والدهشة.
منذ بداية رحلتنا في هذه الحياة ونحن نحمل شموعنا في مشوارنا الطويل، ونمضي على دروب أنهكتها العتمة، وأرهقتها خطوات ثقيلة، طوال سنوات تعبنا من عدها، ونعرف أننا نسير إلى الغد على شوك وجمر، لكننا سنصل في نهاية المطاف.
نعرف أن الحب هو أقصر الطرق المؤدية إلى الفرح، لكنه في بلادنا هو أصعب الطرق وأكثرها وعورة لأن هناك من يزرعها بالأشواك والألغام، ويحاول اغتيال الأحلام وسحق الورود وذبح العصافير ووأد الإناث!.
لكننا اخترنا بملء إرادتنا الطريق الأصعب، لأنه الطريق الذي يقودنا إلى متعة الحياة، ومن يعشق الحرية والانطلاق وتحطيم القيود، لا تخفه شياطين الأرض، لذا سنواصل السير في دروب النور المفروشة بورود أمل لا حدود له، وتحلق في سمائها حمائم الحب، وترسم على جدرانها قصائد الغزل، قد يطول الطريق، لكننا نملك الإرادة وحب الحياة، وسنصل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن