اقتصاد

«كوكب» النقل!

| علي محمود هاشم

كان للمرء أن يستسلم لأخيلته الجميلة وهو يمتطي «قطار الضواحي» مخترقا الغوطة الشرقية نحو مطار دمشق الدولي مرورا بمعرضها، لولا أن بيان وزارة النقل عن اجتماعها ذي العلاقة، سكب سطلاً من التفنيدات الباردة الأهمية!
«لتخفيف الازدحام عن دمشق.. وتسهيل نقل تجهيزات العارضين.. من المحافظات والدول الأخرى، ما يسهم في تفعيل النشاط الاقتصادي عبر زيادة عدد المشاركين في معرض دمشق الدولي»، هذه الجرعة القاتلة من تبرير الوزارة لفكرتها العضال، تحاكي -وفق أدبيات النقل- ذلك النوع من مراقبي التذاكر حادّي المزاج القادرين على انتزاع «راكب القطار النزهة» من متعته، وقذفه من الشباك!
لا عداوة مع «قطار الضواحي»، ففكرته متزامنة معنويا مع «لواعج» السوريين راهنا، إلا أن رزمة مبررات مرحلته الأولى، تدغدغ العقل بطريقة فريدة حتى لينقلب على ظهره!، ذلك أن «ومضة» دعم النشاط الاقتصادي عبر «تسهيل نقل المعروضات» إلى معرض دمشق الـ60، ورغم ما يكتنفها من نبل، إنما تحتاج -أولا- دعما لتعافي الإنتاج إلى الحدود التي تتطلب مخرجاته شحناً سككياً للمشاركة بالمعارض، والأهم، أن يختم اللـه على قلوب الأجانب كي يشحنوا معروضاتهم إلى دمشق بالسيارات، قبل تفريغها ضمن مركز تبادلي، تمهيدا لشحنها مجدداً في قطار «ضواحينا»، نحو مدينة المعارض!
حديث «القطار» يجر وراءه عربات الأسئلة حول ترابط سكتنا الحديدية في خدمة الاقتصاد وتقاعس بيروقراطية إدارتها عن زجها كمتدخل إيجابي في قطاع النقل لرزمة من الاعتبارات. فما نحتاج إليه اليوم هو سكك حديدية تدعم الإنتاج بإيصال أولوياته إلى مطارحها تقليصا لما أمكن من فجوة الـ4 ملايين فرصة عمل التي خسرناها بفعل الحرب على ما أكد رئيس اتحاد العمال قبل أيام، ولولا تضارب المواعيد، لكان اطلع وزير النقل أيضاً على حاجتنا إلى إيصال مخرجات الإنتاج إلى أسواقها، فوفق فلاحي درعا في الاجتماع النصف السنوي لاتحاد الفلاحين الإثنين الماضي، اضطر بعضهم لإتلاف محاصيلهم لعدم توافر سيارات كافية لدى «السورية للتجارة».. ولا يخفى بالطبع، ما لمثل هذه الخطايا أن يكلفنا معيشة ونقدا.
ثمة نماذج أخرى تدعم حاجتنا لإعادة ترابط سككنا اقتصادياً انطلاقا من الموانئ، إن نحو حدودنا شرقا وجنوبا تأسيسا لتعافي جغرافيتنا الاقتصادية التي استهدفتها الحرب، أم نحو أسواقنا الداخلية بعدما باتت الموانئ مصدراً رئيساً لموادنا الأولية وكتلتنا السلعية ساعة تراجع مكونها المحلي، ولهذا أن يلطّف المنعكسات الحادة لكل من تحالف التجار والشحّينة ضد الأسواق، ولاحتكار القلة في قطاع النقل على تدني تنافسية الإنتاج.
ما سبق يتطلب «قطار ضواح» بالفعل، لكن في مقاطع أخرى بعضها ما يزال تحت تهديد مرتزقة الميلشيات الإرهابية، ومنها مثلا، تلك التابعة لبريطانيا في القلمون الشرقي، فرغم الآمال التي يسوقها اتفاق خفض التصعيد، إلا أن حيثياته، تشي باستمرار محتمل للابتزاز الذي مارسته تلك العصابات على غرار ما فعلته وتفعله مع أنابيب الغاز، وهذا أمر قد يتطلب التفكّر بمقاطع بديلة، إذ لم يعد مقبولا بقاء الاستثمارات الهائلة التي كلفتنا شبكة السكك الحديدية، مثبتة إلى الأرض بعزقات عملية خارجية المنشأ!
لطالما برهنت بعض خططنا تفاوت زمنها الإينشتاني.. في «قطار الضواحي» تفوقت على نفسها في ذلك فبدت وكأننا وإياها نعيش على كوكبين متوازيين، أما اللقاء فبسيط ولا يتطلب وسائل للنقل، يكفي استبدال نظرية «أين يمكن أن نفعل» بـ«أين يجب أن نفعل» احتراماً للفارق بين «الإسعاف» وبين «الإستراتيجية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن