من دفتر الوطن

المعلم هو المفتاح

| حسن م. يوسف 

لست أنكر أنني أغتبط من أعماق قلبي عندما ينخرط أبناء وطني في مناقشة أية قضية عامة، حتى لو انحرف النقاش عن مجراه الطبيعي، كما يحصل أحياناً بسبب قلة الممارسة، فالحوار، باعتقادي، ليس مجرد كلمة تقال بل ثقافة تكتسب، وأنا على ثقة تامة بأن أبناء بلدي سيكتسبون ثقافة الحوار من خلال الممارسة الفعلية، على الرغم من محاولات تشويش التجربة، التي يتعمدها من لهم مصلحة في تحويل الحوار إلى خوار!
يعلم الموسيقيون والمهتمون بالموسيقا أن الصمت جزء أساسي من أية مقطوعة موسيقية، وأنا أحياناً أقول بالصمت أشياء أكثر أهمية مما أقوله بالكلام. ولهذا لم أشارك في مناقشة قضية المناهج المدرسية الجديدة. إذ تبين لي أن المركز الوطني لتطوير المناهج الذي تأسس عام 2013 قد أصدر هذا العام 52 كتاباً شارك في تأليفها أكثر من 300 مؤلف. وقد اتخذت قرار التريث وعدم الانسياق للموجة العاطفية عندما أكد لي أخصائيون مطلعون أن بعض الصفحات التي نشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي مأخوذة من كتب صادرة في تركيا ومصر… الخ. فكتبت في صفحتي على الفيس بوك: «بناء الأوطان يحتاج لعقول باردة وقلوب حارَّة. والعكس ليس بصحيح!» وتمنيت على أصدقاء ومتابعي صفحتي الذين يبلغ عددهم قرابة 25000 أن يكتبوا ملاحظاتهم على المناهج ويوثقوها بالصور. «وكلما كانت مبالغاتنا أقل كانت عباراتنا أكثر بلاغة».
أعترف أنني شعرت بالارتياب عندما ارتفع صوت يقول: «لن نرسل أولادنا إلى المدارس». لكنني لم أخرج عن صمتي إلا بعد أن علقت أستاذة جامعية على لسان حالي بقولها»: «أنت أديب وملتزم فقد توقع البعض منك مساعدتهم فصداقة الشعب أفضل من صداقة مسؤول». يومها أجبتها: «عندما يصبح أحد معارفي مسؤولاً، أضع صداقته في البراد، ولا أخرجها إلا بعد أن ينزل عن الكرسي!
أما (الشعب) فهو بحاجة لمن يَصْدِقه لا لمن يُصَدِّقه! ولأنني أحب الناس وأحترمهم لا أشلف الكلام شلفاً. لست إسفنجة كي أخرج ما امتصصته عند أول عصرة، عشت عمري أحاول أن أكون صاحب رأي، ولا رأي لمن يفتقر إلى المعلومات. فالكلمة كالرصاصة لا يمكن ردها بعد إطلاقها».
نعم بعض الأخطاء الواردة في المناهج الجديدة مهينة وتبرير الوزارة لنشر خريطة سورية التي اقتطع منها الجولان ولواء اسكندرون بأنه مجرد خطأ من المنضد غير مقنع ولا مقبول، كما أن تبرير الوزارة لذلك الخطأ بكون المؤلف قدم خريطة غير واضحة فقام المخرج بالبحث عن صورة عبر الانترنت، غير مقنع ولا مقبول ايضاً. لكن التعميم أمر خطر، فوقوع خطأ أو خطيئة في واحد أو خمسة من 52 كتاباً لا يبرر تجريم كل من شاركوا في وضع كل تلك الكتب كما لا يبرر وصفها كلها بأنها «كارثة».
نعم مناهجنا القديمة كانت متخلفة وتعتمد التلقين والحفظ الصم… الخ، لكن تغيير المناهج ثلاث مرات خلال السنوات العشر الماضية يبدو لي لغزا غير قابل للفهم! وخاصة أن واقع المعلم لم يلتفت إليه أحد! وقد سبق لي أن أعربت مراراً عن إيماني بأن المعلم كان ولا يزال هو مفتاح التغيير في العملية التعليمية والتربوية، فعندما يكون المعلم ضعيفاً وبائساً ستكون النتيجة شبيهة به حتى لو أعطيناه أفضل المناهج في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن