سورية

عامان على العملية الروسية في سورية … تحولات في كفة الحرب وشكل المنطقة والنظام الدولي

| أنس وهيب الكردي

لم تنحصر التحولات التي أطلقتها العملية الروسية العسكرية في سورية برجحان كفة الحرب لمصلحة سورية وحلفائها، بل تعدته إلى التحولات التي طرأت على هيكلي القوة العالمي والإقليمي في الشرق الأوسط.
نجحت العملية الروسية في إيقاف هجوم المسلحين في خريف عام 2015، ولاحقاً كسرت الهجوم معطية الجيش العربي السوري الفرصة لالتقاط أنفاسها، قبل أن تقرر موسكو إعطاء فرصة لتطوير حوار مع واشنطن أنتج اتفاق وقف إطلاق النار في شباط 2016.
سمح وقف إطلاق النار للحكومة السورية بتركيز قواتها لطرد مسلحي تنظيم داعش الإرهابي من تدمر، في هجوم دعمه الطيران الروسي، وحققت الحملة نجاحاً أثنى عليه الرئيس فلاديمير بوتين.
إلا أن الاتفاق الروسي الأميركي لم يعمر طويلاً، نتيجة فشل الأميركيين في تلبية مقتضياته، بالأخص فصل المسلحين «المعتدلين» عن المتشددين.
ولاحقاً، أخفق وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إرساء تفاهم مع الرئيس الروسي سواء فيما يتعلق بالشأن السوري أم الوضع في أوكرانيا، وذلك إبان اللقاء الذي جمعهم أيار 2016 في الكرملين.
اتضاح خلو جعبة كيري من أي اقتراح بناء لتطوير تعاون روسي أميركي حول سورية وأوكرانيا، دفع الروس إلى تعزيز تعاونهم مع الإيرانيين.
مهدت زيارة كيري الفاشلة الطريق أمام اجتماع طهران، الذي جمع وزراء الدفاع في إيران العميد حسن دهقان، وسورية العماد فهد جاسم الفريج، وروسيا الجنرال سيرغي شويغو، وضع الرجال الثلاثة، الخطة العسكرية لعملية حلب ونجحت تلك العملية. تمثل هدف الكرملين الرئيسي من حملة سورية، في التعبير بشكل فعلي عن العودة الروسية إلى الشؤون العالمية، ومكانة سامية لروسيا في تقرير مسائل النظام الدولي الآخذ في الظهور على أنقاض القطبية الأحادية، فضلاً عن المساهمة في إسدال الستار على تلك الحقبة من الشؤون العالمية بشكل لا رجعة عنه.
أيضاً أرادت روسيا من وراء حملتها في سورية، أن تقطع أيدي الدول الأوروبية عن هذه الدولة المتوسطية، وأن تمنع أميركا من إعادة إرساء هيمنتها الشرق الأوسطية عبر إخضاع إيران من البوابة السورية ودفع القطب الأعظم عالمياً إلى إرخاء قبضته عن أوكرانيا في شرق أوروبا.
لقد كان الحفاظ على وضعية إيران الإقليمية، وتعزيز العلاقة الروسية الإيرانية في مقدمة الأهداف الروسية من حملة سورية.
وأخيراً، هدفت حملة روسيا إلى المحافظة على الوجود الروسي في شرق البحر الأبيض المتوسط، ولاحقاً، تعزيز النفوذ الروسي في القضايا الشرق أوسطية.
وجاءت موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عقد قمة دولية مع بوتين على هامش اجتماع زعماء دول «مجموعة العشرين» بمنزلة اعتراف أميركي بمكانة روسيا العالمية.
ووصلت مكانة روسيا في الشرق الأوسط، إلى حد يجعل موسكو شريكاً لا غنى عنه في رسم ملامح المنظومة الإقليمية المتشكلة في المنطقة على أنقاض داعش، وخصوصاً بعد نجاح سورية وحلفائها في عملية دير الزور.
ومع إسدال روسيا الستار على بيان جنيف، عبر دورها البارز في إطلاق عملية فيينا التي أسفرت عن تشكيل المجموعة الدولية لدعم سورية وإصدار مجلس الأمن الدولي القرار 2254، وتوصل الروس والأميركيين إلى اتفاق شباط، أصبح من الواضح أن الدول الأوروبية أصبحت خارج الصلة فيما يتعلق بالشأن السوري.
إقليمياً، توترت علاقات روسيا في بدايات حملتها، مع كل من السعودية وتركيا. الأولى ألغت زيارة مقررة للملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، والثانية صعدت لهجتها مع الوجود الروسي في غرب سورية، وصولاً إلى إسقاط القاذفة الروسية من طراز «سوخوي 24» في أجواء محافظة اللاذقية.
انفردت عمان بعقد أواصر علاقة عمل برغماتية مع موسكو منذ إطلاق الروس عمليتهم في سورية، وتمكنت من المحافظة عليها.
في حزيران 2016، قررت أنقرة الاعتذار لروسيا عن حادثة إسقاط القاذفة، واضعةً الأسس لتوافق روسي تركي بشأن سورية، أثمر عن عملية «درع الفرات»، وإخراج المسلحين من شرق حلب، وإطلاق مسار أستانا. بعد ولادة هذا المسار العسكري في جوهره، تسابقت الدول الإقليمية على خطب ود الروس، وبالأخص السعودية، قطر. هذا الوضع العجيب الغريب الذي وجدت روسيا نفسها فيه بعد عملية أستانا، جعلها بموقع القادر على التأثير في التوازنات الدولية والإقليمية حول الحرب في سورية، وأيضاً خلال مرحلة ما بعد داعش، وما بعد الحرب.
على الصعيد السياسي، باتت محادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، بيد الروس القادرين على دفعها أو تعطيلها وإلغائها بالكامل أو تعديلها.
كما أصبح الروس قاب قوسين أو أدنى، من مزواجة مسار أستانا العسكري بآخر سياسي تنضم له بقية الدول المعنية بالأزمة السورية، بما يطلق رصاصة الرحمة على «المجموعة الدولية لدعم سورية».
وإن كانت روسيا قد حققت أغلبية أهدافها في سورية إلا أن ذلك لم يكن من دون أثمان دفعها الروس والسوريون.
وحسب الأرقام، تمت استعادة نحو 85 في المئة من الأراضي السورية من مسلحي داعش، حيث لم يعد التنظيم يسيطر إلا على نحو 27800 كيلو متر مربع من أراضي سورية.
ومن 30 أيلول 2015 وحتى 20 أيلول 2017، قام الطيران الروسي بـ30650 طلعة جوية في أنحاء متفرقة من الأراضي السورية، منها 5165 طلعة في 2015 و13848 طلعة في 2016، نفذ خلالها 92006 غارات على مواقع الإرهابيين، منها 13470 غارة في 2015 و50545 في 2016 تمكن خلالها من تدمير 96828 هدفاً وموقعاً للإرهابيين.
وعلاوة على ذلك، شاركت قوات الأسطول الروسي، بفعالية في دكّ مواقع الإرهابيين بصواريخ كروز.
والمساهمة الروسية في سورية لم تقتصر على العمليات القتالية للقوات المسلحة التي شاركت بفعالية في تصفية الجماعات الإرهابية فحسب، بل تعدتها إلى تقديم المساعدة في بناء حوار سلمي، وكذلك فرق تقديم المساعدات الإنسانية.
وخلال اجتماعه هذا الأسبوع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، أعلن بوتين عن خلق الظروف الفعلية لإنهاء الحرب في سورية.
ولا تعني نجاحات الحملة الروسية أن طريق المرحلة المقبلة سيكون ممهداً بالورود، فأمام الروس الإجابة عن عدد الأسئلة: مستقبل إدلب والاتفاق مع تركيا وإيران حولها، مستقبل الوجود الأميركي شرقي نهر الفرات، طموح الأكراد إلى حكم ذاتي، مصير العملية السياسية في جنيف، أدوار الأطراف الإقليمية والدولية في تسوية الأزمة، وأخيراً مستقبل سورية ما بعد الأزمة، وخروج القوات الأجنبية منها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن