قضايا وآراء

اكتشاف حقيقة التواضع.. دافع النظافة في الهند لتحقيق حلم غاندي

| مان موهان بانوت – سفير نيودلهي في دمشق

يصادف اليوم الإثنين الذكرى 148 لميلاد المهاتما غاندي، وقد تعهدت الحكومة الهندية قبل ثلاث سنوات، في 2 تشرين الأول 2014، بجعل الهند خالية من الأوساخ بحلول عام 2019 وذلك بإطلاق حملة نظافة هي الأكبر على مستوى البلاد إذ تشمل ملياراً وربع مليار من السكان أو أكثر من سدس البشرية على الأرض، وكانت هذه الحملة أفضل تكريم يمكن تقديمه من حكومة رئيس الوزراء ناريندا مودي لأبيِ الأمة في ذكرى ميلاده الخمسين بعد المئة التي سيحتفل بها عام 2019.
ما الذي يربط حملة النظافة في أنحاء الهند بغاندي المعروف بشكل رئيسٍ بالصدق واللاعنف؟ لعل الكثيرين يجهلون واقع أن نبوءة غاندي بالهند النظيفة كانت مؤشراً إضافياً على عظمته المقدسة ببساطته، فقد كان موضوع صغير كمسألة الإصحاح يشغل حيزاً مهماً في فكره شأنه شأن تحقيق الاستقلال للهند.
وقد أدى مجيء التصنيع تالياً للاستعمار البريطاني إلى تركز الناس حول المراكز الصناعية لينجم عن غياب ميزات السكن والتصحيح التي تلبي حاجات القادمين إلى هذه المدن ظهور أكواخ الصفيح حولها وما أزعج غاندي كان رؤية أوضاع الناس الملتاعين في هذه الأماكن والذين افترستهم العديد من الأمراض ليدرك أن الحكمة الهندية القديمة «ساتيام شيفام ساندرام، أي إدراك الجمال في قدسية الحقيقة» ستغدو بلا معنى ما دام المجتمع لم يصبح خالياً من الأمراض ومحيطه جميل ونظيف.
ومع أن فكرة غاندي للنظافة تتجذر في مفهوم «النظافة من الإيمان» العريق إلا أن الجانب غير الاعتيادي في نبوءته جعل لكل قاطنٍ دوراً في البلاد لتنظيف بيئته ليتبين لنا الهدف الشمولي لغاندي في اكتشاف حقيقة التواضع وتحرير المجتمع من الاعتماد على الآخرين في احتياجات النظافة. ولنا أن نتخيل ما سيحصل إن توقف جمع النفايات في المدن الكبيرة مدة أسبوع لأي سبب من الأسباب.
خصصت الحكومة الهندية ما يزيد على خمسة مليارات دولار لهذه الحملة التي تعرف باسم «سواتش بهارات»، وقد كان تقديم هذه الحملة عبر المناطق الجغرافية الواسعة والتعداد السكاني الكبير مهمةً جبارةً حيث يتم التطبيق ومراقبة التقدم فيها عبر خطط عمل طورتها 76 وزارة مركزية ونافذة إلكترونية، وتم إطلاق برامج تنموية مرتبطة بالإصحاح على نطاق واسع يغطي الهند كاملةً والوصول إلى الشمولية تحت برنامج «سواتش بهارات» من خلال تصميم حمامات عامة ومجتمعية تراعي الاحتياجات الخاصة للنساء وكبار السن والأطفال الصغار والمعاقين جسدياً. وهذا البرنامج «سواتش بهارات» حركة وطنية يسهم فيها العديد من المشاركين كالوزراء المركزيين وحكومات الولايات والمؤسسات المحلية والمنظمات غير الحكومية والشركات ووسائل الإعلام كمتابعة لنداء رئيس الوزراء بأن «سواتشتا» أي النظافة، شأن كل فرد وليست محصورةً بأقسام الإصحاح وحدها.
كما تم اتخاذ العديد من التدابير لنشر الوعي لدى العامة حيث ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز مستوى الوعي بينهم وتم تعيين شخصيات بارزة مثل الممثل أميتاب باتشان والعديد غيره كسفراء للحملة للترويج لها إضافة لكون المشاركة الشخصية لرئيس الوزراء مودي في هذه الحملة سمةً بارزةً لزيادة حماسة الناس لهذه الحملة.
وإذا صدف وزرتم الهند قبل 2 تشرين الأول بأسبوعين فقد تتفاجؤون برؤية الناس يتجمعون معاً بغض النظر عن اعتقاداتهم وطبقاتهم وينظفون محيطهم ومن ثم يخصصون يوماً للتنظيف واكتشاف حقيقة التواضع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن