قضايا وآراء

لعبة القط والفأر في عفرين

| سامر ضاحي 

رغم الحشود العسكرية التي حرصت تركيا على تكديسها مؤخراً على الحدود مع محافظة حلب، وفي لواء إسكندرون السليب على حدود محافظة إدلب، كان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حريصاً على التوافقات والتفاهمات الدولية حول الأزمة السورية ولاسيما شركائه في الترويكا الثلاثية الراعية لمنصة أستانا للمحادثات السورية السورية، روسيا وإيران، فأكد في 25 الشهر الماضي أن البلدان الثلاثة تعمل على إقامة منطقة جديدة لتخفيف التوتر في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، في تصريح كبح جماح التسريبات الصحفية التركية التي تحدثت عن عملية تركية متوقعة في عفرين ضد «وحدات حماية الشعب» ذات الأغلبية الكردية والتي تتبع لحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي.
ولكن على حين غرة عاد وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو ليتحدث أمس عن ضرورة تطهير عفرين من «الوحدات»، فما الذي تغير؟
إذا ما نظرنا إلى فرق التوقيت بين التصريحين يبدو لنا بوضوح أن استفتاء إقليم كردستان العراق كان محدداً أساسياً للفرق بين التصريحين، ولعل يلدريم كان حريصاً على عدم توتير الأجواء أكثر مع الأكراد في ضوء تصريحات إقليمية بدت عاجزة أو عجزت فعلاً عن إيقاف الاستفتاء، فجرى على نار هادئة، لكن الإقليم ما لبث أن حل هيئة الاستفتاء وشكل لجنة للتفاوض مع بغداد التي أبدت موقفاً متشدداً حيال الاستفتاء مثلها مثل غيرها من العواصم الإقليمية التي حرصت على إيصال رسالة مبطنة للإقليم الساعي للانفصال مفادها باختصار: «أنت محاصر».
يبدو أن تركيا وجدت نفسها في موقف مشترك مع أطراف إقليمية عديدة رافضة للاستفتاء ما أعطاها دفعة معنويات جيشت أوغلو ودفعته للمجاهرة بضرورة طرد «وحدات الحماية» خارج عفرين.
الموقف الإستراتيجي التركي إلى اليوم واضح برفض وجود «وحدات الحماية» على حدوده، لكن التكتيكات التركية في هذه الإستراتيجية لا تزال متسرعة وغير منضبطة، بدليل تعديل الموقف خلال أقل من عشرة أيام، وإن كان الأتراك ينظرون في المقابل بعين الريبة للغزل المتبادل بين نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم، الذي بدت تصريحاته الأخيرة لينة تجاه الكرد، والرئيس المشترك الجديد لحزب «الاتحاد الديمقراطي» شاهوز حسن الذي رحب بدوره بهذه التصريحات، ما يشير بطريقة أو بأخرى إلى أن ثمة موقفاً إقليمياً اليوم مرحباً بإعطاء حقوق ما للكرد، لا يصل إلى السماح لهم بالانفصال، ولا تزال تركيا تنظر بعين الشك إلى هذا الموقف لا بل وترغب بتخريبه.
ويمكن النظر إلى الموقف التركي أيضاً من زاوية أخرى وهي زيادة الضغط على الكرد بما يتوافق مع الانفتاح السياسي عليهم من دمشق وبغداد، فاستعداد العاصمتين العربيتين للتفاوض قد يدفع بالمجتمع الدولي للضغط على أنقرة لإبداء موقف مماثل، ولاسيما أن علاقات تركيا اليوم بالمجتمع الدولي ليست على ما يرام، فالعاصمتان العربيتان أحرجتا أنقرة بشدة وهي اليوم تريد تحويل النظر عن منح أي حق للكرد بتصعيد الموقف العسكري، وترى في اقتحام عفرين ما يمكن أن يقدم لها هكذا خدمة حتى وإن ظل الاقتحام متقوقعاً ضمن حدود التصريحات ولم يصل إلى التطبيق.
يجب أن لا ننسى وجود الأميركيين على حدود تركيا الجنوبية اليوم، فالقوات الأميركية تقاتل إلى جانب القوات الكردية في الشمال والشرق السوري وفي العراق ضد داعش، بحسب ما تزعم، وكانت واشنطن حريصة على عدم تصعيد تركي كردي بما يتيح لـ«قوات سورية الديمقراطية– قسد» حليفة واشنطن، التمدد نحو الرقة وطرد تنظيم داعش الإرهابي منها، لكن يبدو أن الهدوء الذي خرج من استفتاء كردستان ومطامع «قسد» نحو دير الزور، نبهت إلى تنامي الخطر الكردي وفائض القوة الذي تشعر به «قسد» وبات يحتاج إلى ضبط إقليمي ولاسيما مع مطامعها في حقول الطاقة، وإمكانية وصلها المناطق الكردية في الشمال السوري مع إقليم كردستان العراق، بما يعنيه ذلك من خلق كيان جغرافي متصل يزيد من تهديد الجنوب التركي وليس ذلك فقط، بل ويشكل خطراً على العراق وسورية أيضاً في ظل ما يعانيه البلدان حالياً، وهو ما نبه الأتراك إلى ألا يأمنوا جانب «قسد» وواشنطن، ولاسيما أن الأخيرة كان لها يد في محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العام الماضي، ويرغب أردوغان بالانتقام منهم بأي طريقة، فلجأ إلى منافس أميركا التاريخي وهم الروس، وعقد معهم صفقة بدت صاعقة لحلف شمال الأطلسي فكانت تركيا أول بلد في «ناتو» يستورد دفاعات صاروخية من موسكو.
بالعودة إلى عفرين، فقد كان مسعى تخفيف التوتر فيها يرجح دخول الجيش العربي السوري إلى المدينة ورفع العلم السوري على غرار ما تم في تل رفعت القريبة منها، ومهد لذلك دخول الروس إلى عفرين، لكن أردوغان إن قبل مكرهاً وعلى مضض بوجود الجيش السوري في عفرين، فإنه لن يقبل بوجود «الوحدات» فيها، وساهم رفض الأخيرة بوجود الجيش في عفرين بتصعيد الموقف التركي ضدها وعاد الحديث عن دخول عفرين، وهو ما لا يمكن الجزم بشأن تحققه أو لا، في ضوء ما سبق، فأردوغان يشبه القط الساعي للانقضاض على فريسته في أي لحظة، إلا أن فريسته، الأكراد، ليست سهلة المنال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن