من دفتر الوطن

في غيابهم حاضرون

| حسن م.يوسف

ألتفت إلى الخلف فلا أكاد أصدق أن أربعة وأربعين عاماً قد مرت على حرب تشرين التحريرية التي هي لحظة العز الوطني الأبقى والأنقى في ذاكرتي وذاكرة أبناء جيلي.
أفكر بأبناء صفي الذين ارتقوا شهداء في تشرين، حاتم حاتم، عبد اللطيف حمود… أستعيد ملامح كل من عرفتهم من شهداء القضية الوطنية وعلى رأسهم الفدائي الأول والأبهى والأنبل يوسف العظمة.
أفكر بشعبنا السوري الذي عاش الحياة كحرب مستمرة طوال القرن الماضي، بدءاً بحرب استقلاله الأول عن الاستعمار العثماني عام 1918 مروراً بالحرب الدامية التي خاضها لتحقيق استقلاله الثاني عن الاستعمار الفرنسي عام 1946 وانتهاء بهذه الحرب، التي أعتبرها حرب استقلال ثالثة، يخوض شعبنا السوري غمارها للعام السابع على التوالي ضد قوى الفاشية العالمية القادمة من أربع وثمانين دولة!
في التجمعات الرسمية يقف الناس دقيقة صمت إجلالاً لأرواح الشهداء، غير أني أمضيت معظم صبيحة الجمعة، الذكرى الرابعة والأربعين لحرب تشرين التحريرية، صامتاً أفكر بإخوتي السوريين الذين ضحوا بحياتهم كي يكون بوسعي أن أفكر بهم! لست أخفيكم أنني شعرت بالخجل من نفسي، عندما اكتشفت أنني لا أعرف بدقة معنى كلمة شهيد، رغم قداسة الكلمة بالنسبة لي وكثرة ورودها في كتاباتي! ولكيلا تشعروا بالخجل مثلي اسمحوا لي أن أطلعكم على عصارة ما توصلت إليه بعد جولة في لسان العرب وتاج العروس وسواهما:
صحيح أنني كنت أعلم أن (الشهيد) من أَسماء اللـه عز وجل: ومن هنا يقال إن الشهيد هو الحاضر الذي لا يَغيب عن عِلْمه شيء. والشاهِدُ والشَّهيد: الحاضر، والجمع شُهَداء وشُهَّدٌ وأَشْهادٌ وشُهودٌ.
المفاجئ بالنسبة لي أن كلمة (شهيد) قد وردت في القرآن الكريم بمعنى نبي، كما جاء في سورة القصص الآية 75
«وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أن الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ»
وقد جاء في اللسان: استشهد أي طُلِبت شهادته لتأكيد خبر قاطع أو معاينة، واستشهد في سبيل كذا أي بذل حياته تلبية لغاية كذا. والشهادة والمَشْهَدُ: المَجْمَعُ من الناس. والمَشْهَد: مَحْضَرُ الناس. والشَّهِيدُ على وزن فَعيل هو المقْتول في سبيل الله، والجمع شُهَداء. وقال ابن الأَنباري: سمي الشهيد شهيداً لأن اللـه وملائكته شُهودٌ له بالجنة.
خلال الحرب التي تشنها الفاشية على وطننا السوري الحبيب، احتفى كثيرون بالشهداء، بعض المحتفين فعلوا ذلك لغايات، وقلة قليلة فعلوا ذلك بصمت تقديساً للشهادة وتقديراً لتضحيات الشهيد وقد أسعدني الحظ بالتعرف على واحد من هؤلاء هو الدكتور معن صلاح الدين علي عندما جاء إلى قريتنا كي يكرم ابن أخي الشهيد سعيد علي يوسف، وقد فوجئت عندما علمت منه أنه قام بتكريم المئات من أسر الشهداء والجرحى والمفقودين وقدم لهم الهبات النقدية من خلال ثمن سيارته الخاصة ومعونة أصحاب الخير. فشكراً له.
وخير ما أختم به حديثي عن الشهداء هو أبيات العبقري بدوي الجبل:
«أزكى من الطّيب ريحاناً وغاليةً/ ما سال من دم قتلانا وجرحانا/ يعطي الشهيد فلا والله ما عرفت/ عيني كإحسانه في القوم إحسانا‏/ وغاية الجود أن يسقي الثّرى دمه/ عند الكفاح ويلقى اللـه ظمآنا‏».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن