اقتصاد

الشاورما «القائدة»

| علي محمود هاشم

عادة ما كانت «الشاورما» سلعة مثلى للتندّر المتعدد الأغراض: قياس الأجور، مفارقات الأرباح، دورة رأس المال، وأشياء أخرى تزخر بالتلميحات المعيشية.. تندر حق، فمع العائد الهائل لدورة استثماره القصيرة، تصح مفاضلة «السيخ» اليومي بمثيله لدى شركة عملاقة لإنتاج المكوكات الفضائية.
قرار وزارة التجارة الداخلية الأخير بضبط هوامش أرباح «الشاورما»، لم يدفع أمامه موجة شعبية جديدة من التلميحات المعجونة بالتندر فحسب، فمن زاوية أخرى، أعاد تذكيرنا بـ«درس البطاطا» الذي لقنته الوزارة ببراعة لتجار «البازار» شهر آذار الماضي، وبالتحامهم ونقابييهم آنذاك في جبهة متراصة دفاعاً عن «حرية» احتكارهم وعن هوامش الأرباح الفاحشة التي حاولت الوزارة تلطيفها.
كمستهلكين، جدد «درس الشاورما» معرفتنا أيضاً بحال أسواقنا ومستويات الأرباح الخطرة التي ما زالت تسطو على الجيوب، فبمجرد مقارنة الأسعار الجديدة المبنية على الكلفة بأسعار المبيع القائمة، يتمظهر مثال «حي» لـ كيف يمكن أن يؤكل المستهلك «نيئاً» أو «مذبوحاً»، أو حتى متدلياً «على سيخ» بينما سكاكين الجشع الماضية تنهال على جيوبه.
الفصل الأبرز في «الشاورما الدرس»، تبدى في ملامسته لـ«ستاتيكو» الأرباح والأجور الذي لطالما احترمه كل من الحكومة والتجار على أرضية التساهل إزاء استغلال المستهلكين بذرائع من صنف «دعه يؤمن تدفق السلع إلى الأسواق» وما إلى ذلك من ترّهات، كما في كشفه الغطاء مجدداً عن استعداد التجار التام للدفاع عن حصون أرباحهم الشاهقة ساعة التجرؤ على الاقتراب منها.
لم تتقن الحكومة ما يجدر تعلّمه في «درس البطاطا» ذاك، تجاهلته كما لو أنه معركة هامشية بين وزير وقوى البازار لا معيشية تخوضها الجيوب المتعبة يومياً على عتبات السوق!.
لعلها تفعل اليوم في «درس الشاورما» الجديد الذي أتاح تعافي قطاع الدواجن والثقة الذاتية بثبات تكاليف إنتاجه واستقرار تدفق مستلزماته ومنتجاته، وضع بيانات عادلة لهوامش أرباح طالما تغذت سخونتها خلال السنوات الماضية على الاختلالات المريرة في سوق النقد.
فمع انقطاع الآمال بزيادة الأجور في المدى القريب، والإشارات المتجددة بعدم الإخلال بمعادلة الليرة/ دولار، قد لا يكون أمام شعارات الحكومة بتحسين المعيشة المتردية لذوي الأجور، سوى المضي نحو تحويل «الشاورما» إلى سلعة «قاطرة» تعيد من خلالها هندسة العرض والطلب ضمن قطاع اللحوم عموماً، عبر توظيفها في إتاحة خيار التفاضل والنزوح الممكن للمستهلكين نحو سلع مشابهة أو بديلة.
إن نجحت الحكومة بدعم وزارة التموين في الذهاب إلى آخر هذا الطريق، فسوف يمكنها آنئذ قياس استنساخ نماذج مشابهة لفعل «الشاورما» في قطاع اللحوم ضمن القطاعات الأخرى، عبر اعتماد «سلعة قائدة» لكل منها تتمتع بقابلية السيطرة على معطياتها.. يمكن لذلك أن يخلخل قدرة التجار على التمسك بالأسعار في عليائها، ويمهد الطريق لقيادة الأسواق -عنوة- نحو مواقع جديدة تحملها إليها تبدلات الطلب وحركية الأرباح بعد التفشي القسري لحالة من المواءمة التلقائية لأسعار السلع المختلفة، مع «القائدة».
إن نجح الأمر، فلربما يمكن للحكومة التراجع إلى ظهر كرسيّها وشبك يديها خلف رأسها والتمعن في التداعيات الأفقية لـ«الشاورما» ومثيلاتها من السلع القائدة بعدما تفعل «اليد الخفية للسوق» فعلها في معادلة الطلب والأسعار.. وحينها، قد تحظى بفرصة تبريد الإلحاح المتعاظم لتصحيح قدرة الأجور الشرائية حتى إشعار مريح.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن