ثقافة وفن

في رحاب حرب تشرين … الأدب الصهيوني ينقل هلع الصهاينة وخيبتهم

| شمس الدين العجلاني

كان تشرين نجمة ساطعة في تاريخنا.. وكان تشرين محطة للشهادة والنصر.. ونحن لم ندخل الحرب للحرب بل لاستعادة الأرض والحق، أما هم فقد كانت الحرب والإرهاب عقيدتهم وإيمانهم..
إذا كانت الحرب أمراً واقعاً على الشعوب والأمم فإنها بالنسبة للكيان الصهيوني حرب مخطط لها هدفها احتلال الأراضي العربية، فالحرب بالنسبة للعدو الصهيوني عملية تجارية يسعى من خلالها لقتل وتشريد الأبرياء لإقامة الحلم الصهيوني الخرافي في «دولة إسرائيل التوراتية».

على حين كانت الحرب لباقي الأمم والشعوب أمراً واقعاً ولم تكن هدفاً بحد ذاتـها، فالعرب مثلاً كرهوا الحرب ولكنها كانت تفرض نفسها عليهم فحملوا لها الشجاعة والإقدام كما حملوا لها الكراهية:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
ما هو عنها بالحديث المرجم
بينما كانت الحرب بالنسبة للأدباء الصينيين، من أجل الحرية على حد قول شاعرهم فيتش آره: يا رجال الصين ارفعـو سلاحكم، بفخر وشجاعة، بفخر وشجاعة في سبيل الحرية.
وكانت الحرب بنظر أدباء فيتنام من أجل إقامة العدل كما يقول الشاعر الفيتنامي فيين فوقغ: لم نحاول الهرب من الظلم، بل رأينا أن نقيم العدل.
أما بابلو نيرودا فرأى أن الحرب من أجل حياة إنسانية أفضل، إذ قال في قصيدة إلى أمهات الجنوب الذين قتلوا في الحرب: اعلمن أن موتاكن ينسجون مـن هذه الأرض، وأن قبضاتهم المرتفعة ترتعش فـوق حقول القمـح.
بينما تعتبر الشاعرة السوفييتية فيرا انبر أن الحرب التي خاضها الشعب الروسي حرب إنسانية من أجل حرية الإنسان وكرامته: إننا إنسانيون، أفواج ومئات منـــا، غيروا الظلام في لينغراد.

أدب الحرب الصهيوني
هكذا كانت الحرب من وجهة نظر «أدباء وشعراء العالم، الحرب من أجل العدل والحرية… ويبقى ما يسمى «بالأدب الصهيوني» على نقيض معاكس لأدب باقي الشعوب في العالم… فالحرب بالنسبة للعدو الصهيوني هي سمة مجتمعة ومن ثم فإن الأديب الصهيوني مجند لخدمة أهداف الحركة الصهيونية العنصرية، فالوظيفة الأولى الموكلة للأديب الصهيوني هي تكريس احتلال فلسطين العربية والدعوة لاحتلال المزيد من الأراضي العربية، وتعبئة الفرد الصهيوني لخدمة الأهداف التوسعية، والعدوانية للحركة الصهيونية فالمهم في رأي الشاعر الصهيوني رافي دان:
«صوبوا بنادقكم تجاه الشرق»
أما الشاعر الصهيوني مناحيم بياليك فيؤكد أن الحرب هي هدف ومبدأ الصهيونية بل هي «رب» الصهيونية … فيقول: من هو سيدنا، ولو أقفل رب الانتقام كل منافذ الصحراء علينا، فها نحن ننهض، إلى السلاح … إلى السلاح.
ويظهر برتوف إلى القول إن الحياة هي في الأصل للإرهاب والقتل: «التغيير هو أننا نعرف كيف نقتل».
على حين يعتبر الشاعر الصهيوني يعكوف باساران الحرب هي إحدى العمليات التجارية ومن ثم فإن الصهيونية تتعهد هذه الحرب التجارية: الحرب القادمـة، نحن نتعهدهـا ونرعاهـا.
فالحرب بنظر «يعكوف» عملية تنمو وتترعرع في أحضان الفكر الصهيوني الفاشستي، بل يرى هذا الشاعر أن الوظيفة الأولى لعملية الزواج في الكيان الصهيوني هي إنجاب أطفال للحرب والعدوان: الحرب القادمـة، نحن نتعهدها ونرعاهـا، بين غرف النـوم، وغرفة الأطفال، مفتاح الكهرباء يـدور، حول محـوره، المتأهب صمتاً حول الحرب، التي ترنو في المطبـخ، نحن واثقون وعلى مهـل، ننبت الأزهار الحديديـة، التي للحرب القادمـة، بين غرفة النوم وغرفة الأطفال.
ويواصل الشاعر «جبرائيل اليشع» صب جام غضبه على الإنسانية جمعاء طارحاً فلسفة الحركة الصهيونية المعادية للقيم الأخلاقية فتنشر له صحيفة «يدعوت احرونوت» في عددها الصادر في تموز من عام 1970 قصيدة طويلة مما جاء فيها: لا تطلب الغفران، كقط ساعة النـزو، هذا زمن الذئاب المغتصبة، لا التنسك والصومعة.
ويجد الكاتب الروائي إيجال ليف الحل اللاأخلاقي لشتات اليهود، فيرى أن العدوان هو هذا الحل … فيقول في روايته «والله يا أمي أكره الحرب»: الحرب وحدها التي تحل كل هذا.
ويتوافق بهذه المقولة مع الصهيونية «يائل دايان» التي ترى القتل والإرهاب شيئاً طبيعياً بالنسبة للصهيوني فتقول على لسان أحد أبطال قصتها: «لقد أصبح القتل بالنسبة له مجرد وظيفة … كان كلما رأى سفك الدماء وتتطاير الأشلاء حوله، وأصغى إلى صراخ الذين يصيبهم في رؤوسهم أو صدورهم أحس أنه اندمج بدوره كمحارب في جيش الدفاع الإسرائيلي».
لقد استطاع منظرو الحركة الصهيونية الخوض في أعماق الفرد الصهيوني لزرع فكرة واحدة هي القتل والإرهاب مستخدمين لذلك الأدب كوسيلة ممكنة لاقتحام النفوس والسيطرة على الغرائز، فالأديب الصهيوني «هانوخ برطوف» يوضح ذلك بصورة جلية حين يقول: «إن التغيير معرفة القتل والمشكلة هي مشكلة وجود يهودي ولكي يستطيع الوجود وجب عليه القتل.. « وفي رواية «الخروج» يلجأ المؤلف «ليون يوريس» إلى إضفاء ثوب المثالية على هذا الجندي المرتزق فيقول على لسان أحد أبطال هذه الرواية وهو ضابط إنكليزي اسمه «مالكولم»: «إنني أحب الجنود اليهود، المحارب اليهودي هو الأفضل، فهو مقاتل مثالي في آن واحد» ويصور «ليون» رجال عصابة الهاغانا الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق المواطنين العرب العزل أنهم: رجال الهاغانا يشكلون بلا تردد أعلى مستوى ثقافي وعقلاني ومثالي لرجل تحت السلاح أجمع».

الأديب المرتزق
في كثير من الأحيان يكون الجندي المرتزق في الكيان الصهيوني هو نفسه الأديب الإرهابي الذي أخذ على عاتقه تعبئة الفرد الصهيوني ليكون الإرهاب والعداء للعرب في الأمور المسلم بها لديه، فالأديب «هازى لابين» والمعروف أنه من العناصر الرئيسية في المنظمة الإرهابية البالماخ، شارك في عمليات الإرهاب التي استهدفت المواطنين العرب خلال عام 1948، وحين أُنشئ الكيان الصهيوني التحق بما يسمى قيادة الأركان قسم الشؤون العربية حين عهد إليه مهمة تجنيد الجواسيس واستقصاء الأخبار في البلاد العربية وكذلك الحال بالنسبة للشاعر الصهيوني «شراجا أغافني» حيث يعتبر من العناصر الإرهابية الفعالة في منظمة شتيرن، وأيضاً الروائي الصهيوني «يزهار سميلانسكي» صاحب رواية خربه خزعه، كان من ضباط العصابات الصهيونية التي شاركت في معارك 1948 حين عمل كضابط استخبارات في الكتيبة 151 التي ارتكبت أبشع المجازر الوحشية ضد القرى العربية.

وأخيراً
ويبقى ما يسمى الأدب الصهيوني أحد المفاتيح الأساسية في عملية فضح وتعرية الكيان الصهيوني وكشف نياته العدوانية التوسعية، لأن كشف ورصد هذا الأدب العدواني يقدم للعالم نموذجاً فريداً من الأدب المتعصب القائم على التضليل والتزوير والداعي للقتل والإرهاب.
لقد استغلت الصهيونية الأدب بكل أشكاله وأنواعه لتعبئة الفرد الصهيوني ضد الإنسان والإنسانية جمعاء وبذلك استخدمت سلاح الأدب للحرب العدوانية قبل استخدامها للبندقية على حد قول الشهيد غسان كنفاني: قاتلت الصهيونية بسلاح الأدب قتالاً لا يوازيه إلا قتالها بالسلاح السياسي.
هذا ومع كل عدوانية الأدب الصهيوني ومحاولة تزوير الحقائق وتغير ما في النفس البشرية من صفاء وطيبة، تبقى الحقيقة ناصعة كالشمس فتتسرب من خلال ظلام الإرهاب الصهيوني لتعلن الحقيقة وهذا مما لا ينساه الأديب الصهيوني «حانوخ» حيث يقول: «على الرغم من انتصارنا فإننا نحن المحتلون والمحاصرون لأن لدينا تخبطات تكفي للموت».
إذا كانت مهمة الكاتب الصهيوني تبرير الغزو والعدوان، وجعل الباطل حقاً فمن الأولى أن تطالب الجهات العربية الإعلامية منها والثقافية أن تدعم الحق العربي في الحياة وفي التصدي للعدوان الشرس. إن إيماننا بأننا أصحاب حق والاطمئنان إلى أن الحق تحت إبطنا والنوم بعد ذلك جعل باطل الصهيونية حقاً وحقنا المشروع ضائعاً… كما أن استمرار الحركة الصهيونية وإلحاحها على تزوير الحق العربي وتجنيد جميع إمكانيتها لتشويه الحق العربي وجعل الرأي العام العالمي يُصدِّق الادعاءات المزيفة.. هذه مشكله كبيرة يجب تضافر الجهود للوقوف في وجهها.
لقد اهتمت الصهيونية بالوثيقة الأدبية منذ سنين طويلة وترجمت أعمال الأدباء العرب إلى اللغة العبرية في وقت كنا نخشى فيه ذكر كلمة الأدب الصهيوني. لقد استبعدنا الأدب من المعركة في حين جندته الصهيونية للمعركة.
وبعد عام (1967) م، بدأنا نشعر بقيمة الوثيقة الأدبية فظهرت بعض الدراسات العربية التي تسعى لكشف وتعرية الأدب الصهيوني ولكن كانت تدخل هذه الدراسات في محاذير الشك والخوف. وبعد عام (1973)م، زاد الاهتمام العربي بالأدب الصهيوني، وبدأت المؤسسات الإعلامية ورجال الإعلام والثقافة العربية يهتمون بالوثيقة الأدبية الصهيونية، ولكن يبقى كل ذلك غيضاً من فيض، فالمطلوب التحرك عربياً وعالمياً لفضح وتعرية الأدب الصهيوني بوساطة اللغات المنتشرة، فالصهيونية استطاعت أن تمنح جائزة نوبل للأدب الصهيوني عبر اثنين أو ثلاثة من أدبائها على حين غابت هذه الجائزة عن عمالقة الأدب العربي الإنساني الذين عُرفوا عربياً وعالمياً، وترجمت أعمالهم إلى لغات عدة.
فالكاتب الصهيوني يوسف عجنون حين منح جائزة نوبل للآداب عام (1966) م، لم يكن وقتها معروفاً خارج كيانه الصهيوني إلا من خلال عملين قامت بنشرهما إحدى المؤسسات الصهيونية..
إن صراعنا مع العدو الصهيوني بحاجة إلى تعبئة كل الطاقات العربية لمعركتنا مع الصهيونية.

المطلوب منا
يبقى كل ما ذكرناه دون المستوى المطلوب فهو غيض من فيض من فكر عدواني يعتنقه عدو شرس له على وجه الأرض جريمة اغتصاب وطن وله في أرضنا الطيبة أطماع توسعيه تمتد من النيل إلى الفرات … له في أحلام أطفالنا مطامع غير إنسانية.
فالكشف عن مكنونات هذا النوع من الأدب الرخيص غير الإنساني وتحليله بالدراسات الوافية وبيان صفاته المعادية لكل القيم الإنسانية مهمة تقع على عاتق جيل المثقفين وقد تكون مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، فالمطلوب اهتمام عربي على جميع الصعد لدراسة هذا الأدب غير الإنساني الداعي لمزيد من التضليل والتـزوير لحقائق التاريخ ولاغتصاب المزيد من الأراضي العربية.
فهل آن الأوان لنطبق شعار: اعرف عدوك على الأدب الصهيوني؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن