ثقافة وفن

«تشيللو».. الاقتباس أميركي والقيود شرقية…نص متفاوت الجودة وعيون إخراجية تسبب الضجر

 بثينة البلخي : 

رغم بداية جذابة، وإشكالية قيمية حملته شيئاً من الجدل القابل لخلق التشويق، لكن مسلسل «تشيللو»، لم يستطع الحفاظ على هذه الروح أكثر من أسبوع، لنكمل بقية الحلقات، أمام مماطلات وقصص جزئية جانبية لم يكتب لها التطور، حتى جاءت الحلقة الأخيرة محملة بالمعاني دفعة واحدة، في غياب حبكة رديفة للقصة الأساسية وعدد شخصيات أقل من أن يخلق مساحة لأحداث شيقة.

نهاية مبكرة
لأحد أهم أركان المسلسل
المسلسل بدأ مع قصة حب بين ياسمين (ندين نجيم) وآدم (يوسف الخال) بدت خرافية في قوتها ورومنسيتها، لكنها ما لبثت أن تضعضعت مع ظهور تيمور تاج الدين (تيم حسن) رجل المال والجمال والسلطة، الذي وقع في غرام ياسمين وقرر أن تكون له، فراهن على مصيبة خسارتها وزوجها لحلم عمرهما (المسرح)، ليتدخل مقايضاً على حل المشكلة مقابل ليلة مع ياسمين، يحصل بعدها الزوجان على مليون دولار، لنشهد كيف قضى الكاتب في أقل من أسبوع على أحد أهم أبطال المسلسل -آدم- محولاً إياه إلى شخصية مهزوزة هزيلة، دورها يكمن في إظهار عظمة تيمور فقط، وكأن الكاتب تعمد أن يسوق المشاهد إلى كرهها عنوة، برغم أنه أظهره في البداية رجلاً عصامياً، طموحاً، جميل الشكل، موهوباً، ومقداماً في الدفاع عن حبيبته أمام والدتها الفظة في رفضه لفقره وتدني مستواه عنها.

التفاف على القيم والمفاهيم
في البداية تركنا الكاتب أمام السؤال، هل يمكن للحب أن ينهار أمام الحاجة الماسة للمال؟ وبدأت الإشكالية الأخلاقية، في التبلور مع قبول ياسمين وآدم لطرح الفكرة على طاولة النقاش، لكن الغريب كان في أن تلتف ياسمين على المفاهيم، وتهرب من تسمية الأشياء بمسمياتها، فبدلا من أن تعترف بأنها باعت الحب، وتواطأ زوجها معها في ذلك، قبلت العرض وهي تدعي أن تفعل ذلك من أجل حبيبها آدم، وهنا ظهر تيمور ملكاً في وضوحه وصدقه مع نفسه ومعها، ليقول إنه ما كان ليقبل العرض لو كان مكان آدم.

الاقتباس أميركي والقيود شرقية
دخل الشك، بين الزوجين، مع وعد ياسمين بألا يمسها تيمور وأن تكون مجرد ليلة عادية مقابل نصف المبلغ، لكن تيمور، أرسل المبلغ كاملاً، رامياً كرة النار بين الزوجين العاشقين ليبدأ الحب بالانهيار أمام تراجع الثقة من قبل آدم.
الكاتب هنا وبرغم أنه اعتمد في الحكاية كلياً على الاقتباس من الفيلم الأميركي (عرض غير لائق)، لكنه ظل مقيداً بالقيود الشرقية التي غالباً ما تجافي الواقع، بل أكثر من ذلك ذهب مع المخرج أحياناً إلى تتريك المسلسل وربما منحه نكهة مكسيكية، فشعرنا في لحظات كثيرة أنه قصة حب– متشعبة- لا نهاية لها، إذ لم يترك الأمور مفتوحة على مصراعيها، ولم يسمح للمشاهد أن يصدق أن تيمور مس ياسمين في تلك الليلة، ليبقى التابوه الشرقي قائماً عبر الحفاظ على بطلة المسلسل كقديسة، وبقيت كل المحاولات الأخرى لتقريب القصص أو تبعيدها عبر استخدام شخصية ريا وقصتها مع الاختيار بين المال والحب، وقصة الراقصة بسمة التي لا تريد الزواج من حبيبها خوفا من شرقيته، عبارة عن إعادة إنتاج للقصة، ولكن من دون تدنيس صورة البطلة، التي بقيت منفعلة لا فاعلة، باستثناء الحلقة الأخيرة.

تيمور ملك لا منافس له
ظل الكاتب حريصاً على خلق حالة التعاطف لدى المشاهد مع تيمور، فهو الرجل الوسيم الأنيق شكلاً وسلوكاً، لم يجبر ياسمين على شيء، أحبها بإخلاص، بذل من أجل إسعادها الغالي والرخيص، حافظ على مسافة من حياة الزوجين كي يتركهما لصراعهما، وكأنهما بيديهما من خربا حياتهما، وأكثر من ذلك أفرد الكاتب لتيمور مشاهد كثيرة، يطرح فيها أفكاره وينظّر ويبرر لنفسه عدة أمور، ولاسيما حديثه للكاميرا في الفيلم الوثائقي، فنال بذلك أكثر من حقه في عرض أفكاره على خلاف آدم الذي تعمد الكاتب في الوقت ذاته، أن يشنع بشخصيته ويبرز عقده، ويزجه في أتون قصة لم يمهد لها سابقاً، وهي خيانة والدته لوالده، لنكتشف أننا أمام إنسان معقد.
إذاً، لم يخلق الكاتب منافساً قوياً لتيمور، يجعلنا نشعر بلذة التشويق، بل كانت المشاكل ذات حلول سريعة من دون مقاومة تذكر من الأعداء، فكان تيمور إله العمل بكل ما للكلمة من معنى، وهو الذي يحرك الشخصيات، ويضع نهاية للقصة استناداً لكرم أخلاقه، على حين سيقرر الاختيار بين الصح والحق كما أسلفت العرافة التي طلب إليها التنبؤ بمستقبله، والتي كان لها هي الأخرى دور في تلميع صورة تيمور.
والحق أن تيم حسن امتلك روح الشخصية على نحو قبض فيه أنفاس المشاهدين لمرات كثيرة، ولاسيما أنه أكثر من نطق بعبارات ذات مغزى خلال العمل، سواء على صعيد الحب، أم الحياة، أم المال، لكن المسألة لم تتوقف هنا، فقد كان الفعل الحركي لتيم حسن الذي قارب الشكل المسرحي أحياناً أحد عوامل رقي أداء الشخصية الذي اعتدناه دائماً.

تقنيات روائية عبثية..
لم تضف التقنيات الروائية التي كان من الواضح أن الكاتب اعتمدها في نسج قصته التلفزيونية أي شيء، فكان المايسترو الذي يلعب دور الراوي كلي المعرفة– وهو هنا لسان الكاتب بطبيعة الحال- يفسر ما هو مفسر، أو يبرر أحياناً للشخصيات ميزاتها السلوكية، أو يملي على المشاهد رأيه بالأحداث. أما المأساة فكانت في اختيار «تشيللو» عنواناً للمسلسل، فيما بدا واضحاً أن الهدف من ذلك، التسويق للعمل، وسقطت الآلة، الضحية الأولى للانهيار القيمي للأخلاق وللقيم المعنوية للأشياء، رغم تبرير الراوي أنه قدمه لياسمين– عازفة التشيللو- لأوقات الضيق، لكن هذا لا يبرر التضحية بالقيم اللامادية لمصلحة المادة، وبالنتيجة انتهى المطاف بالتشيللو الأثري إلى مزاد علني ليتحول إلى سلعة يتم تسعيرها. بالمقابل لم يطرح العمل الذي يحمل اسم آلة موسيقية، دوراً للموسيقا وقدرتها على التأثير في النفس، مع أنها كانت فرصة مؤاتية لطرح مقطوعات موسيقية والتسويق لها، وفرصة للتعرف إلى ياسمين العازفة، وماضيها والولوج إلى نفسيتها مثلا، على وقع الموسيقا، بيد أن الكاتب استدرك في الحلقة الأخيرة، فعاد آدم إلى الأضواء رجلاً متوازناً، ومدرساً مخلصاً للموسيقا، ليحدثنا عن نشأة التشيللو وعراقتها، ويعيد شراء الآلة الأثرية لياسمين، مرجعاً الحب والفن إلى دائرة القداسة، ليجعل النهاية في مصلحته على ما بدا واضحاً للمشاهدين.

قوة الجذب السحرية
العيوب الإخراجية كانت واضحة في المسلسل، بشكل استدعى الضجر أحياناً، وسبب الإحساس بأن المخرج تعامل مع المشاهد باستهتار في بعض المواطن، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ تقطيع المشاهد كان غير منطقي في مرات عديدة، ربما يكون أبرزها في تلك التي تبرز الفواصل الزمنية، من قبيل مشهد تصويب فواز الطلقة للكاميرا، فيما عامل المراقبة يشاهده من دون أن يأتي بأي حركة، وأكثر من ذلك يتسمر في مكانه منتظراً إياه أن يأتي لقتله!! كما برزت هذه العيوب في استخدام الكتابة للتعبير عن الزمن، فيما يعود الحوار ليؤدي الوظيفة نفسها، ناهيك عن استخدام البيانو خلفية موسيقية في أغلب الأحيان أكثر من التشيللو الحامل الرئيسي للمسلسل.
على أن الأداء الراقي والمغرق في الرومنسية لتيم حسن، وتقمصه دور الرجل باذخ الترف، والعاشق الراقي، والطموح الذي لا يشق له غبار، شكل عامل جذب حافظ على عيون المشاهد مشدودة إليه برغم الملل، كذلك فإن أغنيتي شارة البداية والنهاية لمروان خوري تأليفاً ولحناً وغناء، اللتين قدمتا لمحة عابقة بالعشق عما يجول في خاطر بطل المسلسل (تيمور) حيال حبيبته، كانتا من السحر، بحيث لم يفوت على الكثيرين سماعهما على مدار أيام عرض المسلسل، رغم توافر فرص تحميلهما وسماعهما بشكل مستمر. ولعل مشهد المستشفى– مفرط الرومنسية- على وقع أنغام وصوت مروان خوري، مع الحضور الآسر لتيم حسن الذي تفوق أداؤه الأنيق على النص الهزيل، قد يكون من أهم المشاهد الحابسة للأنفاس في العمل ذي الإيقاع البطيء، رغم الأثاث الفاخر والصورة الأنيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن