ثقافة وفن

الكابوس الأميركي… محاولة ناقدة لآثار الطهرانيّة في الذهنيّة الأميركيّة الحاليّة…تحذير من كاتب أميركي..الولايات المتحدةالأمريكية متخلفة إنسانيّاً

 عامر فؤاد عامر : 

«إنّ بيتاً تأسس على عبادة المال، لا يمكنه الاستمرار في البقاء». هذه إشارة من السيد المسيح عليه السلام يوضح فيها من دون شرح إلى أن المال وما يؤسسه زائل، وفي هذه الإشارة يمكن دحض كلّ المبررات الدينيّة التي اختلقها الغرب في مدّ نفوذهم سياسيّاً اعتماداً على القوة التي امتلكوها فجعلتهم في مصاف الدول المتحكمة في مصير دول وشعوب العالم.

في البحث عن الحقيقة
«عندما بدأ الأب الياس زحلاوي ترجمة هذا الكتاب عام 2004، أي في قمة مرحلة العماء العالمي، المؤمن بالدور «الرسولي» للولايات المتحدة الأميركيّة، ومن ثم الغرب عموماً، ودفعه لي كي أنشره على حلقاتٍ في مجلة رؤى ثقافيّة، التي كنت أصدرها حينها، بدا الأمر، يومذاك، بالنسبة للأغلب الأعمّ من مثقفينا ومتابعي المجلة، أنه محاولة إيهام بهشاشة العقل الأميركي من جهة، وإعطاء جرعة أمل في البقاء، لمريض مقبل على الموت من جهة أخرى، والمريض المعني هو ذاك العقل المتمسك بأن ما يحدث في العالم، وما تفعله أميركا فيه، عرضي ووقتي وزائل». هذا مما جاء في مقدمة الكتاب التي وضعها «محمد سعيد حمادة» في تعريف لضرورة ما ترجمه الأبّ الياس زحلاوي ليكون مساحة توضيحيّة لكلّ من يبحث عن حقيقة تمدّنا بما جاء من مؤامرة تُحاك منذ عشرات السنوات حولنا، ولكشف أساسات ما بنيت حوله أفكار الدول الغربيّة وخصوصاً أميركا في النهوض بأنانيّتها وسطوتها على الشعوب بتبريرات تختلقها معتمدة على كونها ترى ما لا يراه الناس وتتسيد الحضرة بقوتها بين جميع الدول بغطرسة وحقد على بلاد التاريخ والحضارات.

أميركا شعب اللـه المختار!
يعتمد كتاب «الكابوس الأميركي» لمؤلفه «روبير دول» على الفكرة التالية: «الأميركيون يرون أن كل تدخل عسكري أو سياسي في البلدان الأخرى، يجد تبريراً له في أن الأميركيين هم أبداً شعب اللـه المختار، الأمر الذي كان طهرانيّو القرن السابع عشر مقتنعين به اقتناعاً تاماً». فهناك مبررات دينيّة اعتمدتها السياسة الأميركيّة كما نلاحظ في خطواتها العسكريّة التي خربت من خلالها استقرار بلدان متعددة، وشعوب كثيرة منذ الحرب على فيتنام، وإلى الحرب على سورية.

العلاقة مع القرن السابع عشر
تعود طريقة الأميركيين في التفكير والعمل إلى القرن السابع عشر، ويعتقد الأميركيون أن ميولهم الحاليّة هي عصريّة بالكليّة، لكن التحليل الذي يؤكده الكاتب «روبير دول» هو أن الطابع الأميركي قد صاغته الخبرة الطهرانيّة والتي خلقت آثاراً كثيرة في هذا المجتمع، ولا يمكن ملاحظته بسرعة للقادم من بعيد إلى أميركا. ويصل الكاتب إلى نتيجة مهمّة للغاية مفادها ما يلي: «كلما ازداد التغيير، ظلّت الأمور على ما هي عليه».

جوانب أربعة مهمّة
ركّز الكاتب «روبير دول» في كتابه «الكابوس الأميركي» على جوانب أربعة من الذهنيّة، والحياة الطهرانيّة في القرن السابع عشر، وعلى آثارها في القرن العشرين، وهي: الفردانيّة، والتقسيم بين مختاري اللـه وغير المختارين، والقسوة، والاعتراف العلني. وما يميّز الكاتب هو أنه داعية للسلام غير منحاز لأصوله مطلقاً، وقد آثر أن يكتب كتابه باللغة الفرنسية وليس بلغته الأمّ لشعوره بأنها لغة ستمنحه الحريّة في التعبير عن أفكاره وتحليلها لنقاط ضعف المجتمع الأميركي وماهيته، مقصيّاً نفسه عن كلّ ما يتعلّق بأميركا، وفي ذلك يقول: « لم أتبنّ يوماً قيم المجتمع الأميركي. فماديّته ونزعته العسكريّة تثيران اشمئزازي، اليوم كما بالأمس».

حياديّة روبير دول
غادر «روبير دول» أميركا بعد أسبوع من نيله شهادة التخرج في جامعة هارفارد عام 1968، وأمضى 9 سنوات في أوروبا، و18 عاماً في كندا، كلّ ذلك أهله ليرى بمنظار الإنسان الغريب المجتمع الأميركي، وقد ذكر في ذلك أيضاً: « عندما غادرت بلدي التعس، كنت شاباً غاضباً على مجتمع بدا لي بمنزلة امبراطورية الشرّ. لم أكن أهرب من الحرب وحسب، ولا العنصريّة ولا الماديّة ولا العنف. بل كنت أيضاً أهرب من الأميركيين أنفسهم، ذهنيّتهم، ثقافتهم، سلوكهم، عقدهم، سوقيّتهم، تعبيراتهم… والآن وقد قاربت الخمسين، فقد تحول غضبي إلى شفقة».

الفردانيّة
ورد في قسم الفردانيّة شرحٌ للطهرانيّة وفيه يقول: «يُعتقد في الأغلب أن كلمة «طهراني» لا تطبق إلا على صعيد الأخلاق الجنسيّة. ومع ذلك، فإن الطهرانيين أنفسهم كانوا يرون أن الكلمة تعني تطهير الديانة. وكانوا يأخذون على الكاثوليك، الذين كانوا يطلقون عليهم اسم «الباباويين»، إلغاء الأمور الأساسية في الديانة المسيحيّة، باعتماد طقوس مسليّة وتراتبيّة كنسيّة؛ تجرد الإنجيل من رسالته الحقيقيّة. وكانوا يرمون إلى استعادة بساطة الكنيسة، ونقائها، إبان بداية الحقبة المسيحيّة». اعتمدت خصائص الطهرانيّة في القرن 17 على علاقة سريّة بين اللـه والإنسان فقط، ولا وسيط بينهما. بدأ استخدام قوة الطهرانيّة في السيطرة على المجتمع من خلال اعتراف الأخلاق الطهرانيّة بالفضائل الاقتصاديّة، لتنطلق بعدها البروتستانتيّة، ما جعل الكنيسة البروتستانتية أكثر اهتماماً بالرأسماليّة وجمهورها، ومع مرور الوقت أصبح الطهرانيون القبيلة الأكثر ثراءً وقوّة امبرياليّة في تاريخ العالم. فيما بعد اقترن مفهوم الفردانيّة بالحريّة الفرديّة واقتناع الفرد بما يتصرف به فقط.

المختارون وغير المختارين
أراد طهرانيو القرن 17 تثبيت نظرتهم في جعل موطنهم (انكلترا الجديدة) مكاناً يُضرب فيه المثل في جماله، وسعيه ليكون موطن الحكمة، والعلاقة الوطيدة مع الله. مع مرور الوقت أخذت هذه الفكرة مكانها في الاستعلاء على باقي شعوب العالم، ولاسيّما أنّ الأميركيين يشكلون 5,6% من سكان العالم، ويمتلكون 50% من ثروة الأرض، بالتالي هناك ما يحفزهم للحفاظ على قوّتهم الاقتصاديّة، ومن هنا جاء ارتباط الدولة كمؤسسة مع الفكر الديني؛ الذي يدعو ليكون شعباً مميّزاً بين شعوب العالم. وظهر ذلك بدايةً في التوسع على جيرانهم في كندا 1822 وفي المكسيك 1848 والمستعمرات الإسبانية 1898 إلى أن جاءت الحرب على فيتنام.

القسوة
إنّ القسوة تلعب دوراً أساسياً في التاريخ الأميركي، منذ الحقبة الطهرانيّة وحتى اليوم. وكلما عدّت القسوة بمنزلة عقابٍ إلهي، ازدادت خبثاً ومكراً، فإن الفرد يكلّف الدولة مهمة إنزال العقوبات، والدولة، إذ تمثل الله، تبرئ الفرد. وإنّ العذابات التي يُنزلها الشعب المختار بمن يعيشون في الظلمات، إنما هي مطلبٌ تفرضه طبيعة الإنسان الساقط بعينه. وإنّ لم تبد أممٌ ما استعدادها لاقتفاء المثال الأميركي، فهي تستحق أن يُقتل مواطنوها تحت القصف الجوّي.

الاعتراف العلني
شُوّه مفهوم الاعتراف الكنسي لدى تصعيده عند الطهرانيين الجدد، فقد بات كلّ ما يفعله المرء اعترافاً أمام الملأ، وأُخذ هذا المفهوم في الاعتراف المثلي الجنسي وجوده وأحقيّته في الحياة، فكان الموضوع أميركياً بحتاً، فإن هذه الظاهرة هي أميركيّة في العمق، حتى إنه ليس ثمّة، في أيّ لغة أخرى، تعبيرٌ متداول يعادل التعبير الأميركي «الظهور أمام الملأ». صحيحٌ أن الجنسيين المثليين في الأمم الأخرى، يكشفون أيضاً عن جنسيتهم المثليّة، ولكنهم أبعد من أن يجاروا الأميركيين اليوم على هذا الصعيد.

وأيضاً
حمل كتاب «الكابوس الأميركي» 3 فصول إضافية تدعم ما جاء به الكاتب «روبير دول» وهي شهادة للروائي «جويس كارول اوتس»، وتحليلات أخرى للذهنيّة الأميركيّة، وخاتمة يخلص فيها إلى أن هذا الكتاب هو دعوة من أجل تغييرٍ جذري لنظام الولايات المتحدة، الاجتماعي والاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى هو تحذير إلى سائر البلدان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن