قضايا وآراء

تهديدات ترامب الخطابية

| تحسين الحلبي 

ما زال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى إلى إقامة الدنيا ضد إيران وحلفائها بتهديداته الأخيرة وبالإعلان عن نيته التراجع عن اتفاقية «فيينا» التي وقعتها واشنطن مع خمس دول أخرى كبرى مع إيران في الموضوع النووي عام 2015.
وأثارت تصريحات ترامب الأخيرة ردود فعل أوروبية وعالمية تدل على امتناع دول كثيرة عن تأييد المبررات التي عرضها لزيادة العقوبات على طهران، وهي تشبه المزاعم الأميركية نفسها التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن ضد العراق قبل شن الحرب عليه عام 2003، ومن هذه المزاعم أن إيران تدعم منظمة القاعدة وأنها كانت تؤيد المجموعة التي نفذت تفجيرات 11 أيلول 2001؟! رغم أن القضاء الأميركي فتح أبوابه لضحايا تلك التفجيرات بالمطالبة بتعويضات من السعوديين المسؤولين عنها وأقر الكونغرس في الدستور قانون «جاستا» لدعم هذه المحاكمات!
في مقدمة الدول التي ترفض «نزع الثقة عن اتفاقية فيينا» تقف ألمانيا التي أعلن الناطق باسم حكومتها ستيفين سايبرت يوم الجمعة الماضي أن هذه الاتفاقية «وسيلة مهمة في عدم دفع إيران إلى امتلاك السلاح النووي، وإذا كانت واشنطن تحمل رأياً مختلفاً فنحن مع شركائنا، سنبذل أكبر الجهود من أجل هذا التماسك مع الاتفاقية»، كما أعلن وزير الدفاع الألماني سيغمار غابرئيل أن «انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق سوف يدق إسفيناً بين أوروبا والولايات المتحدة وإن أوروبا ملزمة بالتمسك بهذه الاتفاقية»، وحذر إدارة ترامب قائلاً: «إن سياستهم هذه حول الموضوع الإيراني سوف يدفعنا في أوروبا إلى موقف مشترك مع روسيا والصين ضد الولايات المتحدة».
يبدو أن هذه التصريحات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الألمانية الأميركية، وهي تحمل أهمية تدل على نوع من التحول في السياسة الألمانية، وكانت فرنسا وبريطانيا قد أعلنتا أنهما تتمسكان باتفاقية فيينا وهذا ما يجعل ترامب يقف وحده باسم الولايات المتحدة مخالفاً بقية الدول التي وقعت على الاتفاقية وفي مقدمها روسيا والصين اللتان لعبتا دوراً أساسياً في التوصل إليها مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
ترامب يواجه معارضة لأنه يدفع السياسة الأميركية ضد إيران نحو أخطار غير محسوبة على الولايات المتحدة وعلى حلفائها في الشرق الأوسط، وكان من اللافت أيضاً أن يطلب «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي – INSS» من ترامب «التريث وعدم إعلان التراجع الأميركي من اتفاقية فيينا»، فقد نشر المعهد تحليلاً قبل أيام أعده مدير المعهد رئيس المخابرات العسكرية السابق عاموس يادلين يحذر فيه من هذا التوقيت الذي لا يخدم واشنطن وحلفاءها، ويطلب من ترامب «العمل على تهيئة الظروف والشروط المناسبة والقادرة على تحقيق الأهداف ضد طهران قبل اتخاذ القرار بسحب الثقة من اتفاق فيينا»، ويبدو أن تأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكل قرار يتخذه ترامب ضد طهران بدأ يخيف في نتائجه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تحمل حسابات أخرى، كما كان من اللافت أن يحذر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أيهود باراك في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الثلاثاء الماضي بأن فسخ أميركا للاتفاق من جانبها «سيقدم لإيران مبرراً للسير نحو امتلاك قنبلة نووية».
وأضاف: إن «كوريا الديمقراطية عند ذلك لن تتشجع للتفاوض مع واشنطن وستضطر دول في الشرق الأوسط إلى وضع حسابات كثيرة»، فقد كان باراك من أشد المشجعين على شن حرب شاملة ضد طهران ودورها في المنطقة.
إن إسرائيل في المحصلة النهائية وبغض النظر عن الملاحظات التي تشير إليها المؤسسة العسكرية، ما تزال تحرض ترامب على شن حرب مباشرة أميركية ضد طهران، لأنها تجد أن الحرب التي شنتها واشنطن وتل أبيب وحلفاؤهما ضد سورية بشكل خاص، وضد حلفائها بشكل عام، لم تنجح في تحقيق أهدافها بل أنتجت محوراً إقليمياً من دمشق وطهران والمقاومة اللبنانية يزداد قدرة عسكرية وتكنولوجية حربية جعلت إسرائيل تعترف على لسان نائب رئيس الأركان السابق الجنرال يائير غولان والمرشح لرئاسة الأركان في عام 2018 بأن «إسرائيل لا تستطيع محاربة إيران وحدها» بحسب موقع «ديفنس نيوز» في أيلول الماضي.
يبدو أن عدم استحسان بعض العسكريين الإسرائيليين للتوقيت الذي سيختاره ترامب لفك ارتباطه باتفاقية فيينا، يعود إلى وجود نقص في الاستعدادات الإسرائيلية تجاه الأخطار المقبلة إذا ما انتقل التصعيد الأميركي الإعلامي والسياسي ضد إيران إلى العمل العسكري المباشر، لكن السؤال الذي يطرح من كل هذه الاحتمالات والافتراضات هو: هل يمكن لواشنطن أن تشن حرباً جديدة في الشرق الأوسط من دون شركائها بريطانيا وفرنسا وألمانيا؟ وهل يشبه وضع طهران وضع بغداد عام 2003؟ وهل هي وحدها كما جرى ضد العراق عام 2003؟
لا شك أن الوضع مختلف إقليمياً ودولياً لأن التحالف الدولي مع محور المقاومة أصبح أقوى مما سبق بقيادة موسكو وبكين، ولذلك لن تكون تهديدات ترامب إلا لأغراض إعلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن