قضايا وآراء

تركيا والمواجهة في إدلب

| مازن بلال

يختلف الهدف التركي في سورية كلياً عما كانت تريده في بداية الأزمة، فحزب العدالة والتنمية الذي أقحم تركيا في عمق الأزمة السورية، يقف أمام مواجهة متعددة الأطراف، على حين كان يحاول في عام 2011 فرض واقع سياسي على دمشق، فإنه اليوم يسعى لدرء مخاطر ما حدث على طوال سبع السنوات الماضية، والدخول إلى محافظة إدلب يمكن اعتباره محاولة تطويق لنتائج التعامل مع الأزمة السورية، فأنقرة تقف أمام حالة متعددة الجوانب فيها تحولات سياسية متناقضة؛ ابتداء من ظهور «المنافس الكردي» على طول حدودها الشمالية، وانتهاء بتحالفاتها التي تتنقل بين الولايات والمتحدة وروسيا.
رد الفعل السوري كان طبيعياً ومتوقعاً، وموقف دمشق من دخول وحدات تركية إلى الأراضي السورية هو في إطار الحفاظ على السيادة، فهذا التدخل هو «احتلال» حتى لو ادعت أنقرة أنه في إطار اتفاقات أستانا، وفي المقابل فإن موسكو لم توضح موقع تركيا في هذه المسألة، وأبقت الموضوع لتقديرات الميدان ولاختبار تعامل أنقرة مع الواقع في إدلب، ووفق المؤشرات المرافقة لجميع التفاهمات التركية الروسية منذ انفراج العلاقة بينهما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان، فإن الكرملين يفضل ترك هامش للتحرك التركي وذلك ضمن شكل إقليمي أوسع، فهو يحاول تأمين جوار إقليمي لسورية يساعد في عملية محاربة الإرهاب، ومن الطبيعي وفق هذا الشكل العام للتفكير الروسي أن تتعامل موسكو بهدوء شديد مع الدخول التركي للأراضي السورية.
موقف موسكو الحالي مشابه لما حدث عندما قامت تركيا بدخول الأراضي السورية باتجاه مدينة الباب، ولكن تحرك أنقرة الحالي مختلف لأنها تذهب باتجاه مناطق وجود جبهة النصرة التي تعتبر «حليف» تركيا، ومن جهة أخرى فإنها تتعامل مع مواجهة تتسم بأمرين:
– الأول إمكانية فرض أمر واقع داخل محافظة كاملة وليس على شريط حدودي كما فعل في مدينة الباب، فغايتها الأولى من الدخول قطع أي إمكانية لفتح منفذ بحري لأي «كيان كردي»، وضمن هذا الهدف فإن تركيا تدخل إدلب في إطار مشروع لأمنها القومي وليس لضمان دور لها.
عندما دخلت تركيا إلى مدينة الباب كانت تريد عدم وصل «الكانتونات الكردية»، في المقابل فإن دخولها إدلب هو لجعل أمنها القومي جزء من الترتيبات التي يمكن أن تظهر في تلك المحافظة التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، واجهة جبهة النصرة، بالكامل، حيث يبدو من الصعب مستقبلاً أن تنسحب منها من دون ضمان تغيير ديموغرافي داخل المحافظة يمنع أي وجود كردي فيها، وهو ما يجعل الحدود الغربية للمحافظة، عفرين تحديداً، ضمن الرؤية التركية، ففي عفرين المتاخمة لإدلب قوة كردية لا ترى تركيا إمكانية لاستمرارها نظراً لخطرها على محافظة إدلب ومن ثم على الأمن القومي التركي.
– الثاني القدرة على تطويع «النصرة» وتغيير إدارتها ودورها بشكل عام، فأنقرة تعرف تكوين هذا التشكيل نتيجة العلاقة القوية بينهما، وهي قادرة على القيام بتصفيات وتشجيع أجنحة مختلفة داخلها حتى تصل إلى عملية التطويع وإدخالها ضمن «أستانا».
في التدخل التركي في إدلب وقبله في الباب تحول على مستوى الجغرافية السياسية لتركيا، فهو حتى لو كان ضمن اتفاقيات تخفيف التوتر لكنه يدخل في صلب الاهتمام التركي، ويمهد لعدم السماح لعودة التوازن على مستوى محافظة إدلب وحتى شمال محافظة حلب، فالمسألة أعمق من وحدات دخلت الأراضي السورية، لأنها تريد تحويل الوضع باتجاه إيجاد خطوط دفاع متقدمة لتركيا وخلق مجال حيوي لها داخل الأراضي السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن