عربي ودولي

قراءة في خطاب «الكاوبوي»

| عبد المنعم علي عيسى

شدت أبصار العالم أجمع على مدى أيام إلى ما سيقوله الرئيس الأميركي دونالد ترامب في موضوع بدا طاغياً حتى وهو يحدث بالتزامن مع أزمة خطرة تعيشها بلاده مع كوريا الديمقراطية حتى وإن جاء الإعلان الأميركي مؤخراً بأن الخطر النووي الكوري لا يزال تحت السيطرة، فماذا بوسع إدارة ترامب أن تقول؟ وهي إن قالت إنه بات خارج السيطرة، فهذا يتطلب سحقه تماشياً مع متطلبات الأمن القومي الأميركي.
من المهم جداً أن نقول قبيل الدخول في فضاءات الخطاب الذي ألقاه ترامب يوم الجمعة 13 من الشهر الجاري إن هذا الأخير كان قد انتهى في الساعة الثامنة و12 دقيقة بتوقيت دمشق، وفي الساعة الثامنة والدقيقة 26، أي بعد 14 دقيقة، أصدرت الرياض بياناً رحبت فيه بالإستراتيجية الأميركية الجديدة، ما يشير إلى أن البيان كان محضراً مسبقاً، ما يطرح أيضاً العديد من التأويلات.
أعلن ترامب فيما يخص سياساته تجاه إيران، عن عدم تصديقه على التزام إيران بالاتفاق النووي الموقع من قبلها في 14 تموز 2015 مع «مجموعة 5+1» وهو ما اعتبر تطوراً خطراً على الرغم من أن لا أهمية قانونية له، فالجهة الوحيدة المعنية بتقييم الأداء الإيراني هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن الوقائع تقول غير ذلك والاتفاق برمته ليس إلا اتفاقاً بين طهران وواشنطن على حين المسائل القانونية المتفق عليها لا أهمية لها تذكر، فالاتفاق من حيث الصيغة ليس اتفاقاً دولياً ومن الجائز لترامب إلغاؤه بمجرد أن يوقع عليه دون الحاجة للرجوع إلى الكونغرس.
أراد ترامب أن يرسل رسالة واضحة لطهران تقول: إن إدارته سوف تعمد إلى إلغاء الاتفاق ما لم يتم إدخال تعديلات عليه من جديد، الأمر الذي لا تزال طهران ترفضه حتى الآن، والدافع هنا للموقف الإيراني ربما يعود بالدرجة الأولى إلى التوازنات الداخلية الإيرانية فيما يخص الاتفاق، وهي هشة بين المؤيدين والمعارضين، وأي تعديلات يمكن أن تدخل على هذا الأخير سوف يكون من شأنها أن تؤدي إلى انزياح صارخ باتجاه الأخيرين، أي المعارضين، وهو ما يجب أخذه بالحسبان حتى لواشنطن إذا ما كانت تسعى إلى ترسيخ مبدأ الأمن والسلم الإقليميين أقله في الخليج العربي، والغريب هو أن ترامب كان قد قال: إن بوسع طهران أن تصنع قنبلة نووية في غضون بضع سنوات، وإذا ما كان هذا الأمر صحيحاً، فأي الخيارين هو الأنسب لواشنطن إلغاء الاتفاق أم الاستمرار فيه؟ ومن المؤكد هنا أن الخيار الأخير هو الأنسب إلا إذا كان الإلغاء مقدمة لشن حرب أميركية ساحقة هدفها اقتلاع البرنامج النووي الإيراني من جذوره أو على الأقل إجباره على التراجع لسنوات إن لم يكن لعقود.
عما يخص الحرس الثوري الإيراني «الباسيج»، لم يذهب ترامب إلى وضعه على لوائح الإرهاب الأميركية كما كان متوقعاً أو كما كان يريد كثيرون، وعلى الرغم من أن إدارة ترامب كانت قد خطت بذاك الاتجاه منذ حين عندما فرضت عقوبات صارمة عليه قبل ما يقرب من شهربن، ما يشير إلى إمكان الذهاب نحو ذاك الاتجاه فعلياً والأمر ليس إعلامياً فحسب على الرغم من أن ذالك في حال حصوله، سيكون سابقة دولية خطرة إذ كيف يمكن لدولة أن تضع جيش دولة أخرى على لوائح إرهابها؟ وهو ما تبدت أولى تداعياته في تصريح قائد الباسيج في 12 الجاري عندما قال: إذا ما ذهبت واشنطن إلى وضع هذا الأخير على لوائح الإرهاب فإننا سنعتبر الجيش الأميركي كما داعش، ومن المهم هنا أن نثبت سذاجة القول إن ترامب يقوم بسياسات «جنونية» فردية أو غير مدعومة من أركان إدارته فهذه هي الـ«CIA» تعلن قبل أيام بأن إيران والحرس الثوري الإيراني يعملان للهيمنة على المنطقة.
مما سبق يمكن اعتبار الخطاب مرحلة مخاض لا تبشر بالخير أو هو مقدمة لتبني إستراتيجية جديدة تهدف إلى إجبار طهران على الانصياع وخصوصاً أن الخلاف الجوهري القائم بين واشنطن وطهران يقوم أساساً على عدم التوافق على الدور الإقليمي الإيراني حيث ترى الأولى أن سياسات الأخيرة تمس بشكل مباشر بالمصالح الأميركية.
في ردود الأفعال جاء الموقف الروسي معارضاً للتوجه الأميركي الجديد الذي يتعارض مع سعيها لتحقيق الأمن والسلم الإقليميين ناهيك عن أن موسكو تنتظر انفتاح سوق الأسلحة الإيرانية أمام صادراتها بعيد رفع العقوبات نهائياً عن إيران بما فيها تصدير الأسلحة، والموقف نفسه اتخذه الأوروبيون على لسان وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغيريني التي عقدت مؤتمراً صحفياً بعد أكثر من نصف ساعة من انتهاء الخطاب، لكن الموقف اللافت كان في الموقف السعودي والغريب أن المصلحة السعودية لا تتحقق بإلغاء الاتفاق بل إن الاستمرار فيه هو أفضل لها، إلا إذا كانت الرياض قد تلقت وعداً قاطعاً بأن إيران سوف تُضرب بما يعيدها عقوداً إلى الوراء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن