قضايا وآراء

ترامب وتوسيع دائرة الاشتباك

| عمار عبد الغني

انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من منظمة «اليونسكو» بسبب دعمها القضية الفلسطينية، ربما يكون بداية لانسحابات من منظمات أخرى للأسباب عينها، أو لأن تلك المنظمات تريد الخروج من تحت الوصاية الأميركية، كما يؤكد أن هذا الرجل لا يقيم حساباً لكل المنظمات والهيئات الدولية من جهة، ويوضح أن سياسته خلال ما تبقى من ولايته تتماهى مع السياسة الإسرائيلية، حيث نراه يتبنى سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حرفياً من جهة ثانية.
على أرض الواقع، إن ذلك يعني إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار في إستراتيجيتها الاستيطانية، وتشديد العداء لإيران وربما الإقدام على خطوة جنونية ويشن حرباً على كوريا الديمقراطية والاستمرار على إستراتيجيته في سورية القائمة على مواصلة الدعم للميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش وجبهة النصرة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة في هذا البلد، وبث الروح فيها ريثما يتم الانتهاء من تجهيز المرحلة الجديدة والمتمثلة بالتدخل المباشر والاستغناء عن الحروب بالوكالة باستخدام تلك الميليشيات والتنظيمات والتي فشلت في تنفيذ كامل مخطط أعداء سورية في التقسيم والتفتيت على أسس طائفية ومذهبية، وحتى إثنية لتكون القاعدة لإعلان حكومة تل أبيب الدولة «اليهودية».
بعبارة أخرى، إن أميركا لا تزال تعمل على تنفيذ مشروعها القديم الجديد والمتمثل بالشرق الأوسط الجديد الذي بدأ بالفوضى عبر ما يسمى «الربيع العربي» وتلاه الموافقة الضمنية على الاستفتاء في إقليم كردستان العراق كمقدمة لتقسيم المنطقة.
في قراءة سريعة لتصريحات ترامب خلال الفترة القليلة الماضية، نجد أنه لا يريد الاكتفاء بتفتيت منطقتنا بل إنه يسير نحو توسيع دائرة الاشتباك لتشمل شرق آسيا من خلال خلق بؤر توتر جديدة تصل إلى روسيا والصين، أي كل الدول التي ناهضت السياسة الأميركية خلال الحرب على سورية، وذلك لعدم الاستفادة من الانتصار الذي يؤسس لعالم جديد ينهي الأحادية القطبية، وهذا ما لا تريده واشنطن عاجلاً أو آجلاً لأنها بالتسليم بالهزيمة يعني أنها ستخسر كثيراً من نفوذها وستجعل دولاً محسوبة عليها لإقامة تحالفات مع الدول الصاعدة وبالتالي سيرتد ذلك بنتائج سلبية على صفقات بيع السلاح الأميركية لتلك الدول.
ما تقدم يعني بالمجمل أننا مقبلون على مشهد أكثر خطورة مما شاهدناه خلال السنوات السبع الماضية، وقد تتدحرج كرة النار وتضع العالم على حافة حرب عالمية ثالثة أداتها الجيوش الأميركية المنتشرة حول العالم، والممول أنظمة الخليج، وما سيكبح جماح ترامب وجنونه هو أن تتخذ الدول الكبرى كروسيا والصين موقفاً حازماً من خطوات الرئيس الأميركي التصعيدية تجاه كوريا الديمقراطية، وأن تتخذ الدول الأوروبية موقفاً مغايراً لذلك الذي اتخذته طوال العقود الماضية ولم يجلب لها سوى الكوارث والإرهاب، أضف إلى ذلك أن تصل ارتدادات دعم الإرهاب إلى دول الخليج.
إرهاصات هذا التبدل بدأت تظهر إلى العلن، ففي السعودية تتجه الأمور نحو الصراع الداخلي بين الأسرة المالكة على الحكم، وبين الشعب الذي بدأ يتململ، بينما تتجه القارة العجوز لاتخاذ مواقف بعيدة عن الإملاءات الأميركية، والدليل على ذلك هو رفض قادتها إلغاء الاتفاق النووي، والعمل على رسم إستراتيجيات جديدة للوقاية من ارتداد الإرهاب، على حين نجد أن مواقف روسيا والصين حازمة لجهة التدخل العسكري الأميركي في كوريا الديمقراطية، ما يعني أن محاولات الرئيس الأميركي وفي ضوء ما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية من متغيرات ستبوء بالفشل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن