قضايا وآراء

فنزويلا.. التشافيزية أمام صيغة جديدة من التدخل الأميركي

| أكرم سعيد 

ليس خفياً على أحد دور الهيمنة الاستعمارية الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية ضد الدول والحكومات التي لا تسير على هواها، ولذلك لم تكن فنزويلا يوماً ما بعيدة عن المحاولات الأميركية للإطاحة بنظام الحكم فيها وإحضار أتباعها إلى السلطة في سبيل نهب خيرات بلد يمتلك واحدة من أكبر احتياطيات النفط في العالم.
تصدرت فنزويلا خلال الأشهر القليلة الماضية واجهة الأحداث العالمية بعد موجة من الاحتجاجات المناهضة لحكومة الرئيس نيكولاس مادورو في أواخر آذار الماضي تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، والتي من المتوقع إجراؤها في كانون الأول 2018 وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ما تسبب بمقتل أكثر من 135 شخصاً وجرح المئات.
لكن بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات وشهرين من الهدنة بين الحكومة والمعارضة، أجريت الانتخابات البلدية لاختيار حكّام المقاطعات في الخامس عشر من هذا الشهر، بمشاركة أكثر من 18 مليون ناخب، وحققت التشافيزية انتصاراً ساحقاً، على حد تعبير الرئيس مادورو، بفوزها بـ17 مقاطعة من أصل 23 مقاطعة في البلاد، في وقت اتهمت المعارضة فيه الحكومة بإحضار مستشارين من نيكاراغوا لتزوير الانتخابات معتبرة نتائج الانتخابات مزورة وغير نزيهة، وهو ما صرحت به الإدارة الأميركية بعد إعلان النتائج، لكن هل ستكون نتائج الانتخابات البلدية ذريعة لاندلاع احتجاجات جديدة قد تفاقم الأزمة السياسية في البلاد؟ وهل سيقطع الرئيس مادورو الطريق أمام الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الأوروبية التي تسعى للإطاحة بنظامه بشتى الوسائل؟ وما هو الدور الذي تلعبه أميركا في البلد البوليفاري؟
ترى الحكومة الفنزويلية في الانتخابات البلدية ما يضفي الشرعية على الجمعية التأسيسية، حيث يتوجب على حكّام المقاطعات الذين فازوا بالانتخابات أداء اليمين أمام الجمعية التي تم تشكيلها في تموز الماضي ولم تعترف بها المعارضة التي تسيطر على البرلمان بأغلبية ساحقة، كما لم تحظ باعتراف دولي، كما أن إجراء هذه الانتخابات هو بمثابة اختبار لكل من حكومة الرئيس مادورو وطاولة الوحدة الديمقراطية المعارضة.
شهدت العديد من دول أميركا اللاتينية خلال عقد السبيعنيات والثمانينيات من القرن الماضي حركات مناهضة للأنظمة والحكومات تم من خلالها الإطاحة بأنظمة من خلال سيناريوهات مشابهة لما يحدث حالياً في فنزويلا، وفي كثير منها كانت الولايات المتحدة الأميركية هي اليد الخفية التي تحرك اللعبة خلف الكواليس في إطار النزاع بينها وبين الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، فألم تدعم الولايات المتحدة الأميركية خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي عصابات الكونترا في نيكاراغوا ضد الحكومة التي يدعمها الاتحاد السوفييتي سابقاً واستمرت الأزمة فيها ما يقارب عشرة أعوام وانتهت بانتخابات رئاسية فازت فيها المعارضة المدعومة أميركياً؟ ألم تساهم الولايات المتحدة الأميركية عن طريق الـ«سي آي إيه» بدعم انقلاب بينوتشيت ضد نظام الرئيس سلفادور أليندي في تشيلي عام 1973 بعد أن تبينت أن فوزه بانتخابات عام 1970 لا يخدم المصالح الأميركية في المنطقة؟ وألم تدعم الانقلابيين في هندوراس ضد نظام الرئيس مانويل زيلايا عام 2009؟ والأمثلة كثيرة على ذلك.
اتبعت الولايات المتحدة الأميركية بعد حرب فيتنام التي انتهت عام 1975، إستراتيجية جديدة في هيمنتها الاستعمارية وأحدثت معاهد ومراكز أبحاث ودراسات متخصصة لدراسة الإستراتيجيات الجديدة بهدف تقليل الخسائر المادية والبشرية قدر المستطاع وتحقيق أهدافها في أي مشروع استعماري، لذلك ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في فنزويلا هو حرب استعمارية غير تقليدية، تستخدم فيها عدة إستراتيجيات منها:
أولاً: العمل على عزلة فنزويلا دولياً وإقليمياً، حيث قامت العديد من الدول بقطع علاقاتها مع الحكومة الفنزويلية، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية ضدها كالولايات المتحدة الأميركية وكندا والاتحاد الأوروبي، ناهيك عن الدور السلبي الذي لعبته منظمة الدول الأميركية OEA، وأمينها العام لويس الماغرو بتطبيق الميثاق الديمقراطي ضد فنزويلا بموافقة 17 دولة من أجل الضغط على الحكومة الفنزويلية تحت ذريعة وجود أزمة إنسانية بعد نقص المواد الغذائية والمياه والأدوية، وطالبت كل من المكسيك والأرجنتين وتشيلي الحكومة الفنزويلية بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتحديد جدول زمني للانتخابات والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
ثانياً: خلق أزمة إنسانية تسمح للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة بالتدخل الإنساني، بعد نقص المواد الغذائية الأساسية والمياه والأدوية وارتفاع الأسعار بطريقة جنونية، حيث وصلت أسعار بعض السلع الرئيسية إلى أربعة أضعاف ومنها عشرة أضعاف مما كانت عليه قبل الأحداث الأخيرة، إضافة إلى خلق نوع من الفوضى الاجتماعية، وأحداث العنف، وتصوير البلاد على أنها جحيم لا يطاق، وهنا تدخلت الآلة الإعلامية الأميركية للترويج لأفكار تتماشى مع مصالحها وإثارة مخاوف الشعب الفنزويلي ما يؤدي إلى حالة من الاستياء الشعبي، تطبيقاً لفكرة جوزيف غوبلز القائلة «كرر الكذبة كثيراً بما يكفي وستصبح هي الحقيقة»، وهي إستراتيجية تتقنها وسائل الإعلام الأميركية، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، في ليبيا وسورية والعراق وغيرها.
ثالثاً: لجأت كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وكندا إلى فرض عقوبات اقتصادية على الحكومة الفنزويلية وعلى شخصيات ومؤسسات حكومية، ما أدى إلى إضعاف الاقتصاد الفنزويلي وأثّر سلباً بشكل خاص على القطاع النفطي الذي يشكل 13 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي، و95 بالمئة من الصادرات الفنزويلية، وانخفاض سعر برميل النفط إلى أقل من 50 دولاراً، حسب أرقام البنك الدولي.
يعتبر البلد البوليفاري ثالث أكبر مورد للنفط بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، حيث أن 12 بالمئة من الواردات النفطية الأميركية تأتي من فنزويلا، ولكن قد تلجأ أميركا في هذه الحالة بعد فرضها عقوبات على القطاع النفطي الفنزويلي إلى مخزونها الاحتياطي الذي تمتلكه ويغطي 60 بالمئة من احتياجات الشعب الأميركي ويقدر بـ700 مليون برميل من النفط الخام في لويزيانا، أما الـ40 بالمئة الباقية تستطيع الصادرات الكندية تغطيتها على المدى القريب.
في عام 2015 كانت تصدر فنزويلا ما يقارب 899 ألف برميل يومياً للولايات المتحدة الأميركية، على حين عام 2016 لم تصدر أكثر من 700 ألف برميل يومياً، وحسب صندوق النقد الدولي بلغت نسبة التضخم 650 بالمئة ونسبة البطالة 30 بالمئة، وانخفض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 12 بالمئة، كما أثّرت تلك العقوبات في الواردات الفنزويلية، حيث تستورد 37 بالمئة من الأدوية، وذات النسبة أيضاً من المواد الغذائية من الولايات المتحدة الأميركية، حسب المعهد الوطني للإحصاء.
رابعاً: إضعاف القوات المسلحة الفنزويلية، وإحداث شرخ في صفوفها، وذلك من خلال خلق سيناريو مشابه لما يسمى «الربيع العربي»، باستخدام أكاذيب وحملات تضليل إعلامية، حيث انتشرت عدة فيديوهات على «يوتيوب» عن عمليات انشقاق لجنود وضباط يطالبون زملاءهم بالتمرد على ما أسموه «طغيان نظام نيكولاس مادورو» «وبهدف تحقيق حرية الشعب الفنزويلي ووقف القتل والقمع الذي يمارسه نظام مادورو»، كما استولى أحد الضباط ويدعى أوسكار بيريز على إحدى المروحيات وحلّق فوق المحكمة العليا في العاصمة كاراكاس في حزيران الماضي وألقى قنابل يدوية، وهو ما وصفته الحكومة بالاعتداء الإرهابي.
أميركا اللاتينية كانت ومازالت عبر التاريخ على قائمة الأطماع الاستعمارية الأميركية التي نهبت ثرواتها وخيراتها لعقود من الزمن وتسعى من جديد لفرض هيمنتها على كل دولة ذات سيادة تحاول تخطي الإطار الذي رسمته لها الولايات المتحدة الأميركية، فإلى أين تمضي فنزويلا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن