قضايا وآراء

واشنطن تبحث عن أحصنة جديدة في سورية

| رزوق الغاوي

يبدو منطقياً أن تسارع الأحداث بشقيها السياسي والعسكري على الساحتين السورية والعراقية بصورة دراماتيكية، إن صح التعبير، قد حالَ إلى حدٍ ما، دون إمكانية التكهن تماماً بمعرفة ما هو قادم من تطورات على المدى القريب على المسألة السورية، من دون تأثير ذاك التسارع سلباً على ما حققه الجيش العربي السوري والقوات الرديفة من منجزات ميدانية، أو على التفاؤل بحتمية القدرة على امتصاص كل المحاولات الرامية إلى تشويه الهالة الوطنية ذات البعد الاستراتيجي التي تحيط بالعملية الوطنية، أو إلى تضييع البوصلة التي يعمل بموجبها محور المقاومة فيهما، وخاصة في ضوء اقتراب إنهاء الوضع الميداني في سورية، وقد تمثل بعض تلك الأحداث بــ:
مواصلة الجيش العربي السوري تقدمه في مختلف الجبهات الشرقية والجنوبية.
إقدام رئيس إقليم كردستان العراق المنتهية ولايته مسعود بارزاني على إجراء استفتاء تمهيداً لإعلان الانفصال عن الوطن العراقي الأم بدعم إسرائيلي.
استعادة الجيش العراقي والحشد الشعبي كركوك من سيطرة البشمركة.
خروج فلول داعش «الآمن» من الرقة بدعم أميركي، لتنتشر في جيوب متبقية في محافظتي دير الزور والأنبار.
زيارة الوزير السعودي تامر السبهان لمحافظة الرقة مع المنسق الأميركي للتحالف الدولي الجنرال بيرت ماكغورك.
دخول وحدات عسكرية تركية إلى مناطق في ريف حلب الغربي والتوجه نحو محافظة إدلب بما يتجاوز «أستانا».
زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني اللواء محمد باقري لدمشق وتأكيده دعم بلاده لسورية في مواجهة الإرهاب.
في ضوء تلك التطورات بما فيها من إيجابيات وسلبيات، تلوح في الأفق محاولات أميركية حثيثة لخلط الأوراق والبحث عن أحصنة جديدة للتوظيف بعد إخفاقها عبر أحصنتها القديمة التي انتهت صلاحيتها وفشلت في إنجاز مهماتها التآمرية، فيما يبدو أن واشنطن بصدد وضع سيناريو «أميركي سعودي» جديد خاص بسورية بدأت تظهر ملامحه من دون أن تتضح تفاصيله في ضوء زيارة السبهان لبلدة عين عيسى في محافظة الرقة ومعه ماكغورك، مع الأخذ بالحسبان أن مضمون الكتاب الأميركي معروف من عنوانه والأمثلة كثيرة، حيث اعتادت الإدارات الأميركية وآخرها إدارة دونالد ترامب انتهاج سياسة العمل في الظلام واللف والدوران والكذب والخداع والنفاق والطعن من الخلف حتى تجاه عملائها ممن تزعم أنها صديقة لهم أو أنهم أصدقاء لها.
بهذا الصدد يمكن القول إن علاقة واشنطن بالآخرين من حكومات وأحزاب وتيارات سياسية وشخصيات، محكومة بخطٍ بياني ذبذباته سريعة التبدل صعوداً وهبوطاً، بما ينسجم في النهاية مع أهداف السياسة العامة الأميركية المرحلية والإستراتيجية، وهذا الأمر بطبيعة الحال، ينطبق على العلاقة بين واشنطن وأكراد سورية الذين باتوا في هذه الآونة أحد ضحايا الصداقة المصطنعة والمفبركة، وخاصة بعد فرض سيطرة الجيش العراقي على مدينة كركوك مع ما يعنيه ذلك من إحباط أي توجه انفصالي ليس فقط في العراق، بل في سورية أيضاً، ما يستدعي من المكون الكردي السوري بكل فصائله إجراء مراجعة نقدية لمواقفه السياسية ولعلاقته المتأرجحة مع الولايات المتحدة الأميركية، والكف عن الثقة بوعودها الكاذبة وعهودها الوهمية، انطلاقاً من مواطنيته السورية وبما يتفق مع المصلحة الوطنية السورية العليا، ومن المعتقد أن المكون الكردي السوري بات على قناعة شبه تامة بعدم جدوى السير وراء أوهام وأهداف غير قابلة للتحقق.
وعلى ذلك فإن أكراد سورية محكومون بضرورة إدراك حقيقة أن المصالح الأميركية الامبريالية تبقى في عقل المؤسسات التي تتحكم بالقرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأميركية فوق كل اعتبار إنساني أو أخلاقي نظيف، ما يعني أن تلك المصالح تنطلق من أطماع أميركية لا تنتهي عند حدود معينة، ما يستدعي الحذر من أن وراء أكمة السعي الأميركي للوجود عبر «قوات سورية الديموقراطية» في بعض مناطق الشمال السوري الغنية بالنفط ما وراءها، وخاصة بعد تقدم تلك القوات نحو مناطق نفطية شرق نهر الخابور، ما أثار قلقاً سورياً مشروعاً استدعى رداً حازماً يؤكد أن دمشق لن تسمح لأي أحد بانتهاك سيادة الدولة تحت أي ظرف، وأن انتشاء الأكراد بالدعم والمساعدة الأميركية لن يدوم إلى الأبد، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى ما سبق هذا الرد من حديث حول وجود إمكانية للحوار لمعالجة المسائل الخلافية مع الأكراد.
على ضوء التطورات الأخيرة يمكن القول إن الرهان الأميركي على إمكانية عرقلة التسوية السياسية للمسألة السورية وذهابه نحو خلط الأوراق في الساحة السورية، رهانٌ سيؤول للسقوط لانعدام ارتكازه على أُسسٍ موضوعية من جهة، ومن جهة ثانية لتجاهل المراهن الأميركي لحقيقة أن محور المقاومة بعد تجذّره وترسخه وتماسكه العضوي، بات قادراً على التصدي لجميع السيناريوهات المشبوهة وإسقاطها، وعلى اللاهثين وراء سراب الصداقة الكاذبة مع الولايات المتحدة الأميركية والدعم الأميركي المشبوه، التمييز بين ما هو أسود وما هو أبيض والعودة إلى جادة الصواب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن