ثقافة وفن

كي لا ننسى… سفاح دمشق أوليفار روجية بالصورة والكلمة

| شمس الدين العجلاني

فرنسا الدولة العظمى، التي تدَّعي الحرية والديمقراطية ودفاعها عن حقوق الإنسان والحيوان، هي في حقيقة الأمر ليست سوى دولة لها سجلها الحافل بالإرهاب والقتل والمجازر ضد الحجر والبشر، وليس لديها أي معايير أخلاقية تجاه الشعوب الأخرى.
تاريخ فرنسا الإرهابي الطويل العريض في البلدان التي احتلتها في الزمن الغابر والقريب، من قتل وتشريد ونهب وسرقات ليس بخاف على صفحات التاريخ، والمثال القريب على إجرامها اليوم بحق سورية وشعبها هو ذاته إجرامها خلال خمسة وعشرين عاماً ماضيات حين جثم فيها المستعمر الفرنسي على صدورنا وتمتع بجمال بلادنا، ونهب وسرق خيرات سورية وقتل رجالها، شيوخها، أطفالها ونساءها، ولم يكتف بذلك بل هدم المدن والقرى وجعلها كعصفٍ مأكول!
الإرهاب الفرنسي هو ذاته سواء أكان في سورية أم في المغرب العربي، أو أي بلد آخر، سواء أكان اليوم أم بالأمس، لا يخفى هذا الإرهاب على القارئ العربي والأجنبي إن أراد أن يقرأ.
ولسورية ودمشقها تاريخ أسود مع الإرهاب الفرنسي، من غورو إلى ويغان وساراي وبونسو ودو مارتيل.. إلى أوليفار روجية إلى يومنا الحالي.
في تاريخنا الحديث أطلق لقب السفاح على شخصيتين استعماريتين، الأول هو التركي جمال باشا، والثاني الفرنسي أوليفار روجيه.

البداية
في عام 1945م أرادت فرنسا دولة الانتداب على سورية إحداث فراغ دستوري في بلادنا يسمح لها أن تأتي بأعوانها والمتعاملين معها إلى سدة السلطة، لذا عمل الجنرال أوليفار روجيه قائد حامية دمشق الفرنسية لوضع خطة تهدف إلى ضرب المجلس النيابي وقتل الوزراء والنواب المجتمعين فيه، والاعتداء على مركز الشرطة والدرك الذي كان في قلعة دمشق، واحتلال دوائر الدولة وتجريد الشعب من السلاح وفرض الحكم العسكري الفرنسي، وتسليم البلاد للمتعاونين معها!

التحضير لمجزرة المجلس النيابي
بدأت التحضيرات الفرنسية لإحراق دمشق والمجلس النيابي بتاريخ 18 أيار 1945 عندما تقدمت سلطات الانتداب بواسطة الجنرال السفاح أوليفار روجيه بمذكرة للحكومة السورية حول الأوضاع في سورية والاستقلال المنقوص الذي أرادت تطبيقه على سورية، ناقش مجلس النواب السوري هذه المذكرة بتاريخ 21 أيار 1945 ورفضها، وفي اليوم نفسه (21 أيار 1945) أرسلت سورية مذكرة جوابية للجانب الفرنسي رفضت بموجبها الشروط الفرنسية.
بتاريخ 23 أيار 1945 أصدر الجنرال السفاح أوليفار روجيه ممثل فرنسا بدمشق بلاغًا سرياً إلى القوات الفرنسية ومما جاء فيه: (لابد من تجريد السوريين من كل الأسلحة النارية والأدوات الجارحة خلال 48 ساعة..). بتاريخ 24 أيار 1945 أقر مجلس النواب في الدور الاشتراعي الثالث من الدورة العادية الرابعة قانوناً سمح فيه للحكومة أن تدعو جميع المواطنين السوريين الذين بلغ سنهم الثامنة عشرة حتى الستين ويملكون السلاح وقادرين على حمله أن يسجلوا أسماءهم لدى قيادة الدرك بصفتهم حرساً أهلياً لتدريبهم واستخدامهم عند الاقتضاء. وفي اليوم نفسه أقر مجلس النواب قانوناً منح بموجبه قائد الدرك صلاحيات استثنائية لكي يجند أكبر عدد ممكن من الحرس الأهلي، كما أقر المجلس في الجلسة ذاتها أيضاً صلاحيات استثنائية لوزير الداخلية لملء شواغر الدرك والشرطة، وتم تأليف قوة عسكرية احتياطية لمواجهه الإجراءات التي يتخذها المستعمر الفرنسي.
ونتيجة هذه الإجراءات الوطنية التي اتخذها مجلس النواب السوري والحكومة السورية، قام الانتداب الفرنسي الممثل بالجنرال أوليفار روجيه بتاريخ 26 أيار 1945 بإصدار بلاغ سري ضمنه خمسة بنود تتلخص بضرورة إبادة جميع من يطالب بإخراج القوات الفرنسية من سورية ووجوب احتلال الدوائر الرسمية والحكومية ومؤسساتها ومنع اتصال الحكومة السورية مع جميع دول العالم وتجريد جميع أفراد الشعب من أسلحتهم وإعلان الحكم العسكري والأحكام العرفية.
وفي الساعة الخامسة والدقيقة العشرين من ظهر يوم السبت الواقع في السادس والعشرين من أيار عام 1945 اجتمع مجلس النواب علنا برئاسة نائب الرئيس الأول محمد العايش وعضوية أميني السر سليمان الأحمد ويوسف اليان وحضر هذه الجلسة رئيس الوزراء بالوكالة ووزير الخارجية والدفاع جميل مردم بك وعدد من الوزراء وناقش النواب الأوضاع التي وصلت إليها البلاد السورية، وأثناء النقاش طلب رشدي كيخيا عقد جلسة سرية بين الحكومة ومجلس النواب للتداول في الأوضاع المتأزمة، وافق المجلس على عقد هذه الجلسة السرية، وأخليت شرفات الزوار وخرج كتاب الضبط وعقد المجلس جلسة سرية دامت حتى الساعة الثانية والدقيقة الخمسين، ناقش مجلس النواب في هذه الجلسة السرية الإجراءات التي اتخذها المستعمر الفرنسي والبلاغات التي أصدرها الجنرال أوليفار روجيه.. ورفعت الجلسة إلى يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من أيار.
وبتاريخ 29 أيار 1945 عقدت الحكومة السورية اجتماعاً سرياً في منزل خالد العظم لكون دار الحكومة مطوقاً بقوات وآليات المستعمر الفرنسي وأعدت مذكرة أبلغت إلى ممثلي الدول الأجنبية بدمشق شرحت المذكرة التطور الخطر الذي طرأ على البلاد والاستفزازات المتواصلة الصادرة عن الانتداب الفرنسي وأعمال العنف التي يقوم بها جنود المستعمر بحق المواطنين السوريين.

العدوان
في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29 أيار 1945 وجه الجنرال أوليفار روجيه إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي سعد اللـه الجابري يطلب منه أن تقوم حامية مجلس النواب بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار الأركان الفرنسية التي كانت قائمة مقابل مجلس النواب.. رفض رئيس المجلس الإنذار وأوعز إلى قائد الدرك بألا يستجيب لهذا الإنذار.. وفي الساعة الخامسة والنصف اتصل رئيس حامية المجلس بقائد الدرك العام ليخبره أن الفرنسيين طوقوا المجلس بالمصفحات والدبابات.. في الساعة السادسة والدقيقة الخمسين بدأت القوات الفرنسية والمشاة السنغال بالاعتداء على دمشق ومجلس النواب.. وكان ما كان ودمرت أجزاء كبيرة من دمشق والمجلس النيابي، وسقط الكثير من الشهداء من رجال ونساء وأطفال دمشق، ففي قلعة دمشق وحدها استشهد نحو 400 شخص! ووقع المئات من الجرحى، ولم تستطع المشافي آنذاك استيعابهم لذا فتحت الجوامع والكنائس والأندية لتكون مكانا لمعالجتهم، وأرسلت الأغطية والشراشف وبعض الأدوية من الأهالي إليها، وعرف بدمشق النادي اليوناني والنادي الكاثوليكي اللذان كانا مركزاً للإسعاف والتضميد.
استشهد خلال الأعمال الوحشية الفرنسية القسم الأكبر من حامية مجلس النواب ونجا من نجا.. وارتكبت بحق المجلس أفظع الجرائم من قتل وتدمير وتشويه وحرق جثث حامية البرلمان السوري في سابقة نادرة في عالم الإرهاب والقتل فلم يسبق أن هدم أي مستعمر في العالم برلمان من استعمرهم وقتل ومثل بالجثث!

وبعد
هذه نماذج قليلة عن مجزرة مجلس النواب التي ارتكبتها فرنسا! ترى ألا يذكرنا ما قامت به فرنسا بالأمس بما تقوم به الآن من أعمال إرهابية ضد الحجر والبشر في بلادي؟
لقد اعتبرت سورية السفاح الجنرال الفرنسي أوليفار روجيه ممثل فرنسا في دمشق «مجرم حرب»، غير أنه لم تتم محاكمته مطلقًا!
هل يتذكر هذا السفاح السادة أعضاء مجلس الشعب وهم في أروقة البرلمان وتحته قبته؟ هل يتذكر هذا السفاح السادة الوزراء حين يأتون إلى البرلمان السوري!؟ هل نحن نتذكر هذا السفاح في مدارسنا وكتبنا المدرسية!؟
المطلوب منا كأشخاص ومنظمات وجمعيات، بل كحكومة ومجلس الشعب أن نصرخ بأعلى صوتنا: «نريد اعتذاراً فرنسياً عن تسعة آلاف وأربعمئة وسبعة وثمانين يوماً جثم فيها المستعمر الفرنسي على صدورنا وتمتع بجمال بلادنا، ونهب وسرق خيرات سورية وقتل رجالها، شيوخها، أطفالها ونساءها، ولم يكتف بذلك بل هدم المدن والقرى وجعلها كعصف مأكول»!
رحل أوليفار روجيه إلى غير رجعة، لكن هذه الحرب الإرهابية التكفيرية على بلادنا أثبتت أن فرنسا لا يمكنها التخلي عن نزعتها الاستعمارية ووقوفها ضد احترام حقوق المواطنة وحرية الشعوب في تقرير مصيرها. لن ننسى سفاح فرنسا الجنرال أوليفار روجية، قائد حامية دمشق وممثل فرنسا فيها، ففي فرنسا اليوم أكثر من أوليفار لكن استعمارهم ذهب إلى غير رجعة وانتصرت سورية…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن