سورية

إستراتيجية ترامب ستزيد الترابط بين دول «أستانا»

| أنس وهيب الكردي

سعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تحديد مصير مدينة الرقة بعد الإعلان عن استعادتها من تنظيم داعش الإرهابي، من جانب واحد وبعيداً عن الحكومة السورية وحلفائها من جهة، أو تركيا.
وبشر ترامب بـ«مرحلة جديدة» تلي المعركة من أجل الرقة، معالمها تتمثل في قيام الدول الغربية بـ«دعم القوى الأمنية المحلية وخفض العنف في أنحاء سورية، وتهيئة الظروف لسلام دائم».
ولم يحدد ترامب ما إذا كان هذا «السلام الدائم» سيأتي عبر عملية جنيف (المحادثات السورية السورية التي تشرف عليها الأمم المتحدة في عاصمة المنظمات الدولية، وتتشارك فيها دول غربية وعربية إلى جانب روسيا، إيران والصين) أو عملية أستانا (المحادثات ما بين الحكومة السورية والميليشيات المسلحة حول الوضع العسكري بضمانة كل من روسيا، تركيا، وإيران، والتي قادت إلى الاتفاق على تأسيس أربع مناطق تخفيف توتر في غوطة دمشق الشرقية، إدلب، ريف حمص الشمالي، وجنوب سورية) أو بالتكامل فيما بينهما.
عوضاً عن ذلك، اكتفى الرئيس الأميركي بالإشارة إلى «مفاوضات دبلوماسية» يؤيدها «حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها»، ستقود إلى «وضع حد للعنف، وتسمح للاجئين بالعودة إلى ديارهم بأمان، وانتقال سياسي» في سورية.
السياسة العريضة التي تضمنتها تصريحات ترامب في ما يشبه خطاب النصر على داعش بعد طرد مسلحيه من مدينة الرقة، العاصمة الفعلية للتنظيم منذ إعلان خلافته المشؤومة صيف العام 2014 الماضي، من مسلحي تحالف «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المدعوم من طيران التحالف الدولي بقيادة أميركية، هي جزء من إستراتيجية واشنطن للشرق الأوسط وقراءتها لمصالحها الراهنة، والحركة الدبلوماسية الأميركية الأوسع بالمنطقة.
وتتقاطع تصريحات ترامب حول مرحلة ما بعد داعش، والحركة الأميركية الدبلوماسية في المنطقة مع المعلم الأساسي للإستراتيجية الأميركية في المنطقة؛ ألا وهو محاصرة إيران والحد من نفوذها الإقليمي عبر استخدام الورقة النووية.
ولقد ورث ترامب إستراتيجية متكاملة من إدارة سلفه باراك أوباما تقوم على تحويل شرق سورية إلى مستقر للنفوذ الأميركي في المنطقة، بهدف الانطلاق منه لإعادة تأسيس الهيمنة الأميركية على جوهرة المنطقة: العراق، واستعادته إلى فلك واشنطن. ومنذ توليه السلطة عمد الرئيس الأميركي إلى إدخال تعديلين على إستراتيجية أوباما تمثلا في: إعطاء مزيد من الحرية للعسكريين من أجل توجيه المعركة ضد مسلحي داعش على الأرض، والثاني التحول عن التعاون مع إيران باتجاه سياسة أكثر اعتماداً على «الحلفاء القدامى» مثل الإمارات، السعودية ومصر.
ودشنت واشنطن مرحلة ما بعد داعش في سورية، بالعمل على توازن قوى جديد عموده تقارب سعودي عراقي، وأساسه عملية إعادة إعمار لما دمرته الحرب على داعش، تأتي الأموال اللازمة لها من الخزائن السعودية، ويقودها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتحميها القوات الأميركية في المنطقة وتتولى واشنطن تقسيم حصصها فيما بين الحلفاء من ألمان، إنكليز وفرنسيين.
واستعجلت واشنطن إنهاء معركة الرقة، خوفاً من زيادة قوة طهران بالشرق الأوسط مدعومةً بشركائها الروس، وخصوصاً عقب توسع سيطرة الجيش العربي السوري وحلفائه الروس والإيرانيين في المناطق الواقعة في شرق نهر الفرات بمحافظة دير الزور.
ومثل طرد هؤلاء لعناصر داعش من مدينة الميادين، لطمة للمشروع الأميركي في سورية.
وتميل الخطط الأميركية في سورية إلى الاستحواذ على أوسع أراض من تنظيم داعش، وتوفير كل وسائل الدعم العسكري والسياسي لـ«قسد»، تحت ذرائع تثبيت السيطرة على الأرض، ومنع عودة الإرهابيين وإطلاق عملية إنعاش إنسانية، والعمل على خروج المجموعات الداعمة للحكومة السورية والمتحالفة مع إيران من سورية تحت ذريعة تخفيف التوتر، وأخيراً تجيير هذه الأوراق على طاولة المفاوضات الخاصة بمستقبل سورية وعملية إعادة إعمارها.
هكذا، يمكن تلخيص إستراتيجية إدارة ترامب للشرق الأوسط بما يلي: خلافة واشنطن لتنظيم داعش في مناطق سيطرته بكل من سورية والعراق (شرق الأولى وغرب الثاني) ورهن تلك المناطق لحساب واشنطن بهدف ضمان المصالح الأميركية في المنطقة، وعلى رأسها التحكم بمستقبل العراق وتقليص النفوذ الإيراني في العاصمة العراقية بغداد، إن لم يكن دفعه بعيداً عنها.
حليف قديم لواشنطن وقف يتفرج بغضب على إستراتيجية استبعدته بالكامل، إن لم تكن استعدته، هو: تركيا.
عبر الأتراك صراحة عن غضبهم من ترامب خصوصاً أن إستراتيجيته تزيد الاعتماد الأميركي على ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية العمود الفقري لـ«قسد»، وتؤسس لتوسع النفوذ الألماني في شرق وشمال سورية، علماً أن حرباً باردة مشتعلة بشدة بين أنقرة وبرلين حول الكثير من القضايا الإقليمية.
بغض النظر عن فرص نجاح إستراتيجية ترامب، إلا أنها ستقود إلى مزيد من الترابط بين الدول الضامنة لعملية أستانا، والأرجح أن تضع الأساس لاتفاقات جديدة في الجولة المقبلة من العملية التي تستضيفها العاصمة الكازاخستانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن