اقتصادالأخبار البارزة

حديث صريح حول الدواء السوري: 80 بالمئة يصنع محلياً وبأسعار متدنية … 20 بالمئة من الأدوية غير منتجة بسبب خسارتها و20 بالمئة في منطقة خطر التوقف

| د. زهير فضلون

مضى على الحرب الظالمة على سورية قرابة سبع سنوات، وما زال شعبنا صامداً مقاوماً.. وفي الواقع تجاوزت هذه الفترة التي استغرقتها الحرب العالمية الثانية، مع فرق أن شذاذ الآفاق الذين تم استئجارهم لقتال الشعب السوري وتدمير بلده قدموا مما يزيد على 90 دولة، وبدعم مباشر من جميع الدول المعادية وعلى رأسها إسرائيل.. ومع ذلك صمد شعبنا وتلوح في الأفق الآن رايات النصر. ولن يكون هذا النصر نصراً لسورية وشعبها وقيادتها فقط، بل سيكون لكل شعوب الأرض المحبة للسلام والحرية.
ويعود الفضل الأول في انتصاراتنا لجيشنا البطل الذي أثبت جدارته على الصمود والقتال في ظروف لم تشهدها أي حرب سابقة، ومن ركائز هذا الصمود والانتصار كان ضمان الأمن الغذائي والدوائي. ويعرف الأمن الدوائي بأنه تأمين وصول الدواء الآمن والفعال لأي محتاج إليه في أي بقعة من الجمهورية العربية السورية في الزمان المناسب والفعالية المقررة والكميات المناسبة. المتتبع لمسيرة واقع الاقتصاد السوري خلال الأزمة على مدى السنوات السابقة يلاحظ أنه وبرغم الحصار الجائر والتدمير المقصود للبنى الإنتاجية والتحتية، برغم ذلك لم تتوقف الصناعات الدوائية عن الإنتاج، ولم تحدث أزمة دوائية حقيقية في سورية. فالدواء بقي مؤمناً بنسبة تتجاوز الـ95% منها ما يزيد على 80% من التصنيع المحلي… وفي هذا المجال أثبتت قيادة الدولة السورية حكمتها بتشجيع الاستثمار في القطاع الدوائي ودعمه.

الواقع الحالي للإنتاج الدوائي في سورية
باعتبار أن الدواء سلعة ليست كباقي السلع الأخرى:
• حيث لا يمكن الاستغناء عنها.
• ولم ولن تتوقف الحاجة إليها.
• وهي تتطور باستمرار حسب تطور الأمراض.
• النوعية والجودة شرط حتمي للاستخدام.
• اعتماد الابتكار الدوائي على البحث العلمي العميق والمتواصل.
لذلك كان الهدف الرئيس لمعامل الدواء في بداية الأزمة هو المحافظة على الأمن الدوائي باستمرار الإنتاج، لأنه دعامة أساسية من دعائم الصمود. وبفضل السياسة الدوائية السورية والتعاون والتنسيق الكامل بين الحكومة ومعامل الأدوية، وبرغم الأزمة والحصار الاقتصادي على سورية لم تحدث أزمة دوائية حقيقية في سورية. ففي سنوات التصعيد بين 2012 و2014 لم تنخفض تغطية الصناعة الدوائية للسوق المحلية في أي مرحلة من المراحل عن 75%. وانخفاض التغطية في عام 2013 من 92% إلى 75% كان بسبب عدوان العصابات الإرهابية على معامل الدواء ومستودعاتها وخطوط إمدادها وخرج حينها 50% من المعامل عن الخدمة ولكن، وبسبب التوزع الجغرافي الحكيم لمعامل إنتاج الدواء قامت المعامل في المناطق الآمنة بالتعويض نسبياً ما يلزم للسوق.
ونتيجة المتابعة الحثيثة من الأجهزة الحكومية وعلى رأسها وزارة الصحة وللقناعة بأن الإنتاج المحلي هو الضامن الحقيقي للأمن الدوائي عادت المعامل المتوقفة عن العمل إلى الإنتاج في المنتصف الثاني من عام 2015، إما في خطوطها الإنتاجية نفسها وإما لدى معامل أخرى في المناطق الآمنة، وبذلك كانت تمارس دورها الوطني المطلوب لحماية الوطن والمواطن.
وبدراسة بسيطة أو معمقة، لواقع الإنتاج الصناعي في سورية خلال الأزمة نجد أن الصناعة الدوائية وحدها التي تميزت بالميزات التالية:
– كانت وحدها من بين المنتجات والسلع كافة التي حافظت على سعرها لمدة سنتين ونصف السنة كاملتين إيماناً منها بضرورة حماية المواطن في دوائه وغذائه وما زال سعرها ضمن حدود مقدرة المواطن وتقل عن سعر المستورد بنسبة كبيرة.
– استمرار الإنتاج وعدم حدوث نقص يصل إلى مستوى الفقدان بمنتجاتها.
– برغم الأزمة حافظت الصناعة الدوائية على العاملين فيها كافة، سواء كان المعمل قيد الإنتاج أو متوقفاً وبذلك حافظت الصناعة على تشغيل ما يزيد على 25000 فنيٍّ حوالي ثلثهم من الجامعيين.
– في زمن الحصار الاقتصادي كانت تؤمن السوق الدواء المحلي، موفرة على الدولة مئات الملايين من العملة الصعبة لاستيراد حاجة السوق.
– المساعدة في صمود المواطنين بتأمين الدواء المطلوب.
– المساعدة في دعم الاقتصاد الوطني في استمرار التصدير خلال الأزمة.
ولكن، خلال الأزمة وقبلها وسيكون بعدها، هناك مجموعات معينة مستفيدة من توقف الإنتاج الدوائي للاستفادة من الاستيراد، ومن المعروف أن سعر الدواء الاستيرادي يفوق بمرات عديدة سعر الدواء المحلي لأن دواءنا برغم التعديلات السعرية الأخيرة ما زال أرخص دواء في المنطقة. ولأن وجود المعامل الدوائية ضمان لصحة المواطن سنبقى دائماً مدافعين عنها ونحميها ونسعى إلى تطويرها مع ضمان الجودة وشروط التصنيع الجيد للدواء.

واقع الإنتاج الدوائي الحالي
كان عدد معامل الأدوية في سورية قبل الأزمة 63 معملاً، منها 58 معملاً منتجاً فقط. وفي عام 2013 بلغ عدد المعامل المنتجة 42 معملاً فقط، والباقي متوقف عن الإنتاج لأسباب كثيرة منها تدمير خطوطها الإنتاجية وسرقة آلاتها ومستودعاتها ومهاجمة خطوط إمدادها. ولذلك بلغت نسبة التغطية للسوق المحلية 65-75% فقط في تلك السنة وكان 20% من الأدوية غير منتج بسبب خسارته الشديدة و20% تقع في منطقة خطر التوقف عن الإنتاج، أي أن الواقع الإنتاجي حرج بنسبة 40-45%.
ومع المتابعة المستمرة من وزارة الصحة والصناعات الدوائية لمعالجة الصعوبات التي تعترض العملية الإنتاجية وإيجاد الحلول المناسبة لها، وتشجيع تأسيس معامل في المناطق الآمنة، تغير الوضع الدوائي للإنتاج المحلي بصورة جذرية ليصل إلى مستوى أفضل مما كان عليه قبل الأزمة من حيث الإنتاج والتوسع.
حيث أصبح عدد المعامل قيد الإنتاج الفعلي 73 معملاً، منها 5 معامل تنتج منتجاتها في معامل دوائية أخرى، وذلك لعدم التمكن من العودة حالياً إلى خطوط الإنتاج القديمة أو أن هذه الخطوط قيد التجهيز حالياً. ولم يقتصر التطور على زيادة المعامل فقط بل زادت الطاقة الإنتاجية للمعامل كافة بشكل كبير نتيجة للتسهيلات التي منحت بالتسجيل والترخيص واستيراد المواد الأولية وبرمجة الخطط الإنتاجية بما يتلاءم مع حاجة السوق.
ولا يعبر عن الإنتاج الدوائي في سورية بمجرد عدد المعامل، فهذه الصناعة التي بدأت على شكل ورشات صغيرة في منتصف القرن الماضي، تطورت لتصبح صناعة إنتاجية راسخة وأضحت دعامة رئيسة من دعائم الاقتصاد الوطني.

الدواء السوري ومساهمته في توطين مفهوم الجودة الشاملة في الصناعات كافة
ربما تكون الصناعات الدوائية هي الأولى في القطر التي رسخت مفهوم ضمان الجودة وذلك في مستويين مختلفين: في المعمل ومركزياً في وزارة الصحة ودمجت بين مفهوم جودة المنتج النهائي وقواعد التصنيع الجيد للدواء Quality Assurance & Good Manufacturing Practice (QA & GMP)
ولقد مرت مراحل توطين مفهوم الجودة في نظام الرقابة المخبرية والدوائية بعدة مراحل متكاملة من أهمها:
1- تأهيل الكوادر البشرية: وتعتبر الكوادر البشرية العاملة في هذه الصناعة الأكثر تأهيلاً وتدريباً وتتم متابعة تأهيلها عبر التعليم والتأهيل المستمر.
2- وتمتاز معامل الأدوية عن غيرها من الصناعات بمستوى العناصر البشرية العاملة فيها حيث تبلغ نسبة الخريجين الجامعيين ما يزيد على 25% من مجمل العاملين في هذه الصناعة.
3- ولقد قامت وزارة الصحة بتجهيز المخابر المركزية في مديرية رقابة الدواء وجهزت معامل الدواء مخابرها بأحدث التجهيزات وأصبحت هذه المخابر من أحدث المخابر في المنطقة.
4- وضع نظام دقيق للمتابعة. حيث تقوم المخابر المركزية برقابة المنتج الدوائي قبل السماح بتسويقه، ولكل الأصناف الدوائية إضافة إلى ذلك تقوم المخابر المركزية بتحليل عينات من كل تحضيرة من الأدوية النوعية مثل الأدوية القلبية والأدوية المعدة للحقن والأدوية العينية قبل السماح بتسويقها. وسورية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتبع مثل هذا النظام الصارم في الرقابة.
5- وضماناً وحفاظاً على سمعة الدواء السوري خارجياً تقوم الوزارة بتحليل كل تحضيرة معدة للتصدير قبل السماح بتصديرها، حتى ولو كانت محللة سابقاً في مخابر الوزارة.
6- وللمواطن الحق في معرفة أن تصنيع الدواء في سورية مراقب في جميع المراحل: من لحظة وصول المادة الأولية وحتى خروج المنتج النهائي من المعمل، وخلال فترة وجوده في الصيدليات.
ونتيجة لهذه الإستراتيجية، الواضحة والمبرمجة، حققت هذه الصناعات ما عجزت صناعات أخرى عن تحقيقه في دول عديدة، فأصبحت تغطي ما يعادل 90% من حجم الاحتياجات المحلية للدواء، وأصبح الدواء السوري منافساً قوياً في أسواق الدول العربية والأجنبية. لأن تطور الصناعة لم يكن تطوراً حجمياً فقط، بل رافق ازدياد حجم الإنتاج ارتقاء مستوى الكفاءة الفنية للعناصر البشرية ومستوى التقانة المستخدم في الإنتاج.
رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية في سورية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن