ثقافة وفن

مصير الأغنية الشعبية الدمشقية وتكريم زياد زكاري … أحلام الترك لـ«الوطن»: الأغنية الدمشقية تمتاز باللطافة والرشاقة وجزالة اللحن والكلام

| سارة سلامة

للأغنية الشعبية مكانة كبيرة في مجتمعنا السوري، فهي أغنية تتحدث باسم الشارع وقريبة من هموم المواطن وهناك الكثير من الفنانين السوريين الذين تميزوا بأدائها مثل «لودي الشامية، كروان، رفيق شكري»، وتختلف هذه الأغنية باختلاف البيئة على مختلف أرجاء الأرض السورية مثل أغنية الجزيرة وحوران والساحل السوري والأغنية الدمشقية التي تتميز عن غيرها بالخفة واللطافة، ولا شك أن الدراما السورية ساهمت بانتشار هذه الأغنية في الوطن العربي وأصبحت مغناة ومحببة، وإذا ما قلنا إن الفنان الراحل رفيق سبيعي آخر من غنى مونولوجاً وأغنية شعبية فاليوم ما مصير هذه الأغنية اليوم؟
وعن أهمية الأغنية الشعبية وعلاقتها الكبيرة بتراثنا أقام المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بالتعاون مع مديرية التراث الشعبي معرض لوحات تراثية لعدة فنانين ومنهم الراحل زياد زكاري وصور فوتوغرافية عن الفنون الشعبية، وندوة بعنوان «الأغنية الشعبية الدمشقية» للباحث محي الدين قرنفلة، إدارة وإشراف مديرة التراث الشعبي أحلام الترك.

تجسيد آمال الشعب
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكدت مديرة التراث الشعبي أحلام الترك أن «الأغنية الشعبية بالعموم لا تقتصر على الفن فقط لأن بداخل كل أغنية صورة حياة شعب ومجموعة ومنطقة ما وتجسد آمال هذا الشعب وطموحاته ونظرته للحياة وخصائصه، وعندما نقول الأغنية الشعبية التراثية نتساءل ماذا تختلف عن الأغنية الشعبية في الجزيرة وعن أغنية جبل حوران وبالتأكيد هناك اختلافات لأن كلاً منها تحمل صفات بيئتها وطابعها الخاص وما يجمعها كلها هو الفضاء الجغرافي السوري والتاريخ السوري المشترك».
وبينت الترك أن «موضوعنا اليوم هو عن الأغنية الدمشقية وما تمتاز عن مثيلاتها في الأرض الجغرافية السورية وتميزها باللطافة وجزالة اللحن وجزالة الكلام والخفة أو الرشاقة بالألفاظ واللحن والطرافة والحضور الذكي، ويرافق هذه المحاضرة معرض فني مصور لفنانين مختلفين ومنهم الفنان الراحل زياد زكاري، حيث وثقوا للدبكات في كل المحافظات السورية بين عامي 1960 و1980وليس في دمشق فقط، وهذه المحاضرة رقمها 20 بسلسلة نشر ثقافة التراث في مديرية التراث الشعبي بمديرية الثقافة ونحن دأبنا منذ سنتين وأكثر على نشر ثقافة التراث».

أصدق تعبير عن الشعب
وفي تصريح مماثل أكد الباحث محي الدين قرنفلة: «أننا نسلط الضوء في هذه الأمسية على الأغنية الشعبية ودورها الكبير وعلاقتها بتراثنا والتذكير بالمطربين الذين غنوا هذا اللون الشعبي في الأعراس والمناسبات الوطنية ولم يكونوا معروفين إعلامياً ولهم دور كبير في المناسبات المختلفة في ستينيات القرن الماضي، هذا النوع من الأغاني له طابع خاص لأنه يلامس الواقع من خلال النقد الاجتماعي».
ومن المغنين: «أبو ياسين الشيخ وأبو نزير رهونجي» في حي «الشاغور»، كما نتذكر المونولوجست «سلامة الأغواني»، الذي غنى في فترة الانتداب الفرنسي المونولوج الناقد وكان يحرك الشارع السوري بأغنياته واستمر للسبعينيات».
وتحدث قرنفلة في الندوة قائلاً: إن «الغناء الشعبي عند العرب لم يلق ذلك الاهتمام من المؤرخين القدامى وخاصة مؤرخي الموسيقا، اعتقاداً منهم أن هذا اللون من الغناء لا يستحق اهتماماً كبيراً في مادته الشعرية ولا في مادته الموسيقية، لأنه لا يمثل المستوى الأدبي والفني للفئة التي كان يكتب لها التاريخ في العصور الخالية، على الرغم من أن هذا الغناء يعبر أصدق تعبير عن روح الشعب في مختلف عصور التاريخ، على أن هذا الإغفال لقصة الغناء الشعبي عند العرب لم يستطع الثبات أمام تيار هذا الغناء الذي فرض نفسه على المؤرخين في كثير من المواطن لارتباطه بأحداث سياسية معينة «المواليا» وببعض الحكايا المتداولة «العتابا»، وببعض المناسبات الدينية «القواما» فقد خلد الشعب حياته في أغانيه فأتت تصويراً لمختلف أوجه حياتهم وتعبيراً لما يضطرب في نفوسهم».
أضاف قرنفلة: إن «الأغاني الشعبية الدمشقية تتميز بجمال معانيها وصدقها ورقتها وشيوعها، وألحانها المرنة البسيطة، البناء سواء في أغاني الحب والحنين، والشكوى والعتاب، أم في أغاني الطرب وإلى حد ما في أغاني الأطفال، ولما كانت هذه الأغاني ترتبط بدورة حياة الإنسان ومعتقداته، وسمره ولهوه، وفرحه ومرحه، وعواطفه ومعاناته، فإنها تكتنز جانباً كبيراً من عادات القوم وتقاليدهم في شتى نواحي حياتهم، وتحرص على عدم المساس بتلك القيم وتتصدى للممارسات التي تتعرض لها بسوء من قريب أو من بعيد، وذلك بأسلوب هادئ يميل إلى «الميلو دراما» خالٍ من الصراعات وإثارة النعرات، ومن تلك الأغاني أغاني الحب والغزل.
وأهم مكوناتها الأوصاف المحببة في الأنثى، وتعالج مواضيع الحب في الصد والهجران والعتاب وفراق الأحبة مثل: «يا زين العابدين»، «سكابا يا دموع العين»، كما أغنية على دلعونا «وهي تنتمي لتراث الساحل السوري» ومعروفة في أوساطنا الشعبية، وكان الناس يرددونها في الأفراح، وقد نظم بعض شعراء الأغنية على وتيرتها الكثير من الكلمات وانتشرت بين الناس في مجتمعنا السوري».
وختم قرنفلة قوله «هناك عشرات الأغاني في الريف السوري وفي المدن وداخل الأحياء الشعبية حفظتها الذاكرة الشعبية وترددها في كل مناسبة والمطلوب البحث عن هذه الأغاني وتوثيقها ومعرفة كاتبها ولحنها لأن الذاكرة الشعبية في مجتمعنا لا تحفظ إلا كل ما هو جميل ومفيد وممتع وله وقعه في الأذن سواء كان من حيث الكلمات أم من حيث اللحن، وكل منطقة في سورية لها خصوصيتها في هذه الأغاني والألحان وطريقة الغناء، بل ما زال البعض ممن يكتبون الأغنية الشعبية يقدمها إلى يومنا هذا ويغنيها بعض ممن يجيد الغناء في كل منطقة، وهذه الأغاني تحمل في كلماتها الكثير من الفرح تارةً ومن العتاب تارة أخرى أو من شكوى الزمن وتصف الظرف المعيشي والأمل والألم في آن واحد، ويستطيع الباحث أن يجد تلك الأغاني ويوثقها ليتم حفظها».
أين الأغنية الشعبية اليوم؟

ومن جانبه قال ورّاق دمشق صلاح صلوحة: «إذا ما نظرنا إلى الأغنية الحديثة اليوم لا نجد فيها اللذة الموجودة في الأغنية القديمة الشعبية مثل «يم العباية»، وغيرها الكثير من الأغاني وللأسف لم تعد الأغنية الشعبية موجودة اليوم حيث كان لها أهمية كبيرة خاصة أنها حملت هموم المواطن وذات أهداف ومعان، وترافقت الندوة مع معرض فيه لوحات لعدة فنانين ومنهم الفنان الراحل زياد زكاري وهو من أهم الفنانين المهتمين بالفن الشعبي ولديه لوحات جميلة جداً في الأزياء الشعبية وحمل الطابع الشعبي بشكل جيد ورسم على الطوابع البريدية، ولكن لاحظنا في هذه الأمسية أن لا وجود لفئة الشباب وهذا يدل على أن الأغنية الشعبية لم تكن في عهدهم وليس لهم اهتمام بها».
وبدوره قال مختار حي العمارة محمد سعيد مراد: إن «الأغنية الشعبية مازالت حاضرة ولها دور مهم في الشارع برفع مستوى الوعي عند الناس ومنها: النقد الاجتماعي والاقتصادي والخدمي ولها رسالة معينة ومازالت موجودة الآن في الأفراح والأحزان ولاحظنا عند تشييع الشهداء استخدام مثل هذه الأغاني».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن