ثقافة وفن

تقاليد خطبة العروس قديماًً في دمشق … لا يحق للشاب رؤية الفتاة أو زيارة أهلها إلا في المناسبات وصحبة والدته

| منير كيال

ما إن يصبح الابن في سن الفتوة، حتى يفكر والداه بالبحث عن زوجة لابنهما، يكمل بها دينه، وتنجب لابنهما العقب الذي يملأ البيت بالسعادة، ويحفظ ذكر الأسرة واسمها بين الناس.
وبعد استمزاج الابن بهذا الشأن، يتذاكر الأبوان «الأم والأب» في اختيار الفتاة المناسبة لابنهما، تأسيا بقول رسول الله:
«تزاوجوا تناسلوا، أفاخر بكم أمتي يوم القيامة» تشرع والدة الشاب في البحث عن تلك الفتاة، بالمشاركة مع أقرب الناس إليها، إيماناً منها بأنها تبحث عن قسمة ابنها التي خلقها الله من ضلعه.

فتبحث الأم عند أقرب المقربين من الأهل والصحب والجوار، وهي كلما سمعت بفتاة تعمد إلى زيارة أهل تلك الفتاة، فيبادرن بالتعريف بأنفسهن بأنهن طالبات راغبات خاطبات، ويخضن مع والدة الفتاة أو مع من يقوم مقامها بأحاديث يقاربن فيها ويباعدن، حتى إذا ظهرت الفتاة بغرض تقديم القهوة أو نحو ذلك، يبادرن إلى القول:
بسم الله وما شاء الله، حصنتك بآيات الله، يا أرض احفظي مع عليك، حندق بندق عين تشوفك وما تصلي على النبي تطق وتنبق. «أي تخرج من محجرها» بمعنى أن تُصاب بالعمى.
فيتناولن القهوة منها ومن أولئك الخاطبات من تعمد إلى تقبيل الفتاة أو تضمها إليها، ومنهن من تبادر إلى شم هذه الفتاة وملامسة شعرها أو شده والقصد من ذلك التعرف إلى رائحة فم الفتاة وبضاضة جسمها وملمس شعرها بعد أن لحظن مشيتها وطولها ولون بشرتها ومبلغ حشمتها في تقديم القهوة، وخلال تناولهن القهوة يلحظن غنة صوتها، وبعيد انتهاء تناول القهوة يبادرن إلى إنهاء زيارتهن بعد أن زودن والدة العروس بالمعلومات اللازمة عن الشاب، ويودعن على أمل اللقاء.
وبالطبع فإن والد الفتاة أو من في حكمه وبعض معارفه يبادرون إلى الاستفسار عن أحوال الشاب ومن يخالط فضلاً عن سلوكه وأسلوبه بالتعامل مع الآخرين، ولا ينسون السؤال عن مصدر رزقه ودأبه على العمل، ومن ثم تتكرر زيارة أهل الشاب إلى أهل الفتاة ليشاهدن الفتاة في جميع أحوالها، في زينتها ويوم الغسيل والطبخ، وخلال ذلك يلحظن نظافة المنزل، مما تحت السجاد وكذلك نظافة زجاج النوافذ ونظافة الأبواب ومدى العناية بأصص زريعة البيت، فإذا استيقن أهل الفتاة من حسن أحوال الشاب وضع الشاب في أسرته، من حيث طباع الأم وتعامل أخوات الزوج ومشارب السلايف إذا وجدن، فإن راق لأهل الفتاة ذلك يكن دور الرجال، وإن كان غير ذلك، فإن والدة الفتاة أو من في حكمها تتذرع بالأعذار الواهية لصرف أهل الشاب بدعوى أنه ما في «لا يوجد» نصيب يأتي الرجال في حال الموافقة، إلى بيت أهل الفتاة على شكل جاهة «مجموعة» تضم أقرب المقربين وقد يرافقهم بعض الوجهاء، وإمام الحي لخطبة الفتاة ومن ثم فإن والد الفتاة أو من في حكمه يدعو أقاربه وبعض الوجهاء للمشاركة، ويكون قد قام بالاستعداد اللازم لتقديم الضيافة اللائقة لمثل هذه المناسبة. فإذا التأم الجمع من الجانبين، وجرى التعارف يتبادلون الأحاديث المستمدة من القرآن الكريم والحديث النبوي بهذا الشأن، ثم يطرح أحد الوجوه من جانب الشاب، موضوع طلب الفتاة زوجة للشاب على كتاب الله «القرآن الكريم» وسنة المصطفى بعبارات المجاملة، ويسود الحديث بين الجانبين جو من الزهد، ثم يدخل الطرفان في موضوع المهر (الصداق) معجله ومؤجله، حتى إذا توصل الطرفان إلى الاتفاق في ضوء ما دار بين والدة الشاب ووالدة الفتاة يتلو الجميع سورة الفاتحة على نية التوفيق، ومن ثم يأخذ والد الشاب دفتر عائلة الفتاة للشروع بإجراء ما يعرف بالإذنّامة، وبالطبع فإن هذا الاتفاق بين الجانبين، يشمل ما جرى عليه العرف بشأن المجوهرات التي تقدم لدى عقد القران، ويوم العرس للعروس، أما المقصود بالإذنامة، فهو المستلزم الشرعي لعقد الزواج بالموافقة على زواج الشاب من الفتاة. وخلال فترة الخطبة لا يحق للشاب رؤية الفتاة أو حتى زيارة أهلها، إلا في المناسبات المهمة كالعيد مثلاً وبصحبة والدته على الأقل.
وإذا حدد موعد القران كان أهل الشاب يقدمون لأهل الفتاة مبلغاً من المال، ومن ثم يعمد أهل الشاب إلى إعداد القهوة والشراب وقراطيس الملبس والسكاكر.. ومن ثم توجيه الدعوة إلى حفل الزواج من قبل والدي الشاب والفتاة، فيكون حفل الرجال المعروف بالتلبيسة في يوم حفل النساء نفسه الذي يعرف باسم العرس ويكون حفل الرجال أولاً وغالباً ما يكون هذا الحفل عقب صلاة عصر يوم جمعة، فيتصدر علية القوم «الوجهاء» وإمام المسجد والمختار المكان بمقابلة منصة قراءة قصة المولد النبوي وأمام الجميع طاولة أو ما شابه عليها أوان مملوءة بصرر الملبس وإلى جانب ذلك عبوات «قماقم» ماء الزهر والورد لتعطير الحضور وهذا بالطبع مضاف إليه القهوة المرة التي تقدم للحضور من آن إلى آخر.
وقد يقدم والد الشاب لوالد الفتاة أو من في حكمه «أي منهما» المهر، ثم تقرأ الفاتحة على نية التوفيق، وهذا بالطبع إذا لم يكن المهر قد قُدم قبل هذا الحفل، وغالباً ما يقدم في هذا الحفل شراب عصير الليمون أو التمرهندي، أو نحو ذلك كما يقدم ما يعرف بكشك الفقراء وهي من الحليب المطهو مع القشدة ومزين بالمكسرات، وإذا كان الوقت صيفاً يقدم للحضور الإيمع المعروف بالبوظة مع الحليب المثلج.
وبعد فترة وجيزة من انتهاء حفل الرجال يكون حفل النساء المعروف بالعرس مما سيأتي ذكره في بحث آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن