قضايا وآراء

حدثٌ إعلامي مهم في دمشق

باسمة حامد : 

يشكل مؤتمر دمشق الإعلامي الدولي حول الإرهاب التكفيري حدثاً سياسياً مهماً لأنه يسلط الضوء على هذه الآفة كظاهرة عالمية مقلقة تتوسع وتتفاعل وتنتشر بكل الاتجاهات.
ولا شك أن لهذا المؤتمر أهمية استثنائية باعتباره:
– انطلق من سورية الدولة الوحيدة التي أفشلت خطط واشنطن، وأسقطت «الإسلام السياسي» ونجحت بالتصدي لحملات التضليل الإعلامي، وكشفت حجم التآمر على الأمة، وصمدت بوجه الإرهاب خمس سنوات متتالية، ولا تزال تقاومه على الصعد كافة: (عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وعقائدياً واجتماعياً) كمشروع رديف للمشروع الصهيوني ومدعوم من الدول الاستعمارية والأنظمة الرجعية وظيفته فرض التقسيم وإثارة الفوضى وتغيير المعادلات القائمة بالقوة، فالتكفير يُستخدم حالياً كغطاء لدعم ما يسمى «المعارضات المسلحة المعتدلة» ولبث التفرقة بين الشعوب العربية والإسلامية وإلهاء بعضها ببعض لضمان بقاء «إسرائيل» من جهة وخدمة لمصالح الغرب من جهة أخرى عبر إنعاش صفقات السلاح والنفط والغاز.
– وانعقد في مرحلة استثنائية وفي ظل مناخ مختلف يشهد تحالفات وتوازنات إقليمية جديدة وتراجعاً ملحوظاً بالمواقف العربية والغربية من الملف السوري ودعوات لتصويب السياسات الغربية الفاشلة ومعاييرها المزدوجة، فالرهان على الحروب بالوكالة سقط سقوطاً مدوياً.
– وانعقاده في دمشق بصفة دولية وبغياب إستراتيجية موحدة حيال مكافحة الإرهاب، وبمشاركة واسعة من دول وازنة كالصين وروسيا وإيران ومصر وغيرها.. أتاح له توضيح الكثير من الحقائق المتعلقة بالإرهاب كفكر متطرف وسلوك منحرف ومشروع مبرمج له أبعاد وغايات.. ولهذا أكد صحة الرؤية السورية الداعية لتوحيد الجهود بوجه الإرهاب كتهديد عالمي عابر للحدود وضرورة التخلي عن المحاولات الرامية لضرب التنوع الطائفي والمذهبي وتأصيل العداء الإيديولوجي في الشرق الأوسط، وأظهر الحاجة إلى الدور السوري الحيوي للقضاء على الفكر الظلامي الشمولي الذي يستهدف كل عناصر القوة العربية والإسلامية (العقيدة، النسيج الاجتماعي، التعليم، الحضارة، الاقتصاد.. إلخ).
والأرجح أن التحليلات المختلفة ستجمع على أن المؤتمر يعد مؤشراً غير مباشر على أن المنطقة ستتخلى عن الحروب والصدامات وستذهب باتجاه التسويات والتفاهمات في إطار تشكيل تحالف إقليمي لمحاربة الإرهاب، وفيما يخص الوضع السوري تحديداً، يبدو أن ثمة ترتيبات دبلوماسية تجري على خط واشنطن موسكو طهران من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة.
وما يؤكد هذا المسار إشارات الانفتاح الغربي على طهران في مرحلة ما بعد اتفاق فيينا، وتوجه «المجتمع الدولي» نحو عقد جنيف3 بمشاركة إيران (واللافت في هذا السياق أن المندوب البريطاني لدى الأمم المتحدة مارك ليول غرانت أكد الدور الإيراني في حل الأزمات الإقليمية «بما في ذلك الأزمتان في سورية واليمن»، كما أن زميلته الأميركية سامنثا باور رأت أن على القوى العظمى إبداء الوحدة نفسها التي أبدتها خلال الاتفاق النووي مع إيران لمعالجة أزمات أخرى مثل الأزمة في سورية).
وفي الواقع، إن العالم اليوم يبدو بأمس الحاجة لإسلام بلاد الشام لنشر ثقافة بديلة تشرح حقيقة هذا الدين الحنيف باعتداله ووسطيته وسماحته ورسالته الإنسانية والحضارية، وخصوصاً أن رقعة التطرف الديني تتوسع (ولاسيما أن مئات آلاف الأشخاص تشربوا الفكر الإيديولوجي المتشدد والدليل ارتفاع نسبة استقطاب «الجهاديين» والمتعاطفين معهم حتى داخل البلدان الأوروبية المتقدمة)، كما أن التنظيمات الإرهابية المتشددة – وعلى رأسها «داعش»- تسعى جاهدةً لترسيخ وجودها وزيادة شعبيتها بما تملكه من إمكانات قتالية ومالية وتكنولوجية ضخمة مستفيدةً من الهالة الإعلامية التي خلقتها لنفسها بممارساتها الوحشية والهمجية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن