اقتصادالأخبار البارزة

«المركزي» يقود سعر الصرف نحو الاستقرار.. و«الأسود» مستقر على حاله … «مصيدة سعر الصرف».. المضاربون يسعون إلى استعادة التحكم بسعر الصرف وتخويف المواطنين من التعامل مع المصارف

| المحرر الاقتصادي

حافظ سعر صرف الليرة السورية في السوق الموازية «السوداء» على هامش تحرك محدود نسبياً، بنحو 1 بالمئة، إذ ارتفع من مستوى 484 ليرة للدولار في دمشق (للمبيع إلى الزبائن) إلى مستوى 489 مساء أمس، علماً بأن أسعار الشراء من المواطنين تختلف وتتباين ويصعب تحديد رقم محدد، على حين هناك من يشتري بسعر 484 ليرة ومن يشتري بسعر أقل من 480، وذلك بحجج عدم توافر سيولة لدى الصيارفة في السوق السوداء. علماً بأن سعر الصرف في دمشق يعد الأعلى بين المناطق في سورية، إذ تتراوح أسعار الصرف في بقية المناطق بين 480 و485 ليرة للدولار.

في المقابل، لم يغير مصرف سورية المركزي من سعر الصرف الرسمي، إذ بقي مستقراً في نشرة وسطي أسعار الصرف للمصارف ومؤسسات الصرافة الصادرة بين 510 ليرات و508 ليرات.
الملاحظ في السوق أن السؤال الأبرز والأكثر تداولاً هو عن سبب تحسن الليرة، و«مقاومة» السلطات النقدية للتحسن والانجرار وراء السوق السوداء.
وهنا تنقسم الآراء بين من يراها ضغوطاً مضاربية من الخطر الانجرار وراءها، ومن يراها تحسناً تدريجياً طبيعياً يعبر عن الوضع الاقتصادي والسياسي، وبين هذين الرأيين توزعت الإجابات التي حصلت عليها «الوطن» خلال حديثها مع عدد من المتابعين والمعنيــين والمختصــين.

الليرة تتحسن.. لماذا؟
إن القراءة المتأنية لسوق الصرف ترجح وجود تحسن طبيعي في قيمة الليرة ناجم بشكل رئيس عن العامل النفسي الإيجابي لدى المواطنين والارتياح النسبي جراء التطورات الميدانية والسياسية وبدء التحسن في ظروف الاقتصاد والإنتاج والتشغيل، بالترافق مع توسع سيطرة الدولة على آبار النفط والغاز وتحسن واقع الكهرباء… إلخ، ما عزّز الثقة في النقد الوطني، وازداد الطلب على الليرة، مقابل زيادة عرض الدولار بشكل خاص.
ومع تواصل تحسن سعر الصرف، عبر انخفاض سعر الدولار أمام الليرة، برز قلق لدى المواطنين من حدوث خسائر جراء الاحتفاظ مدة أطول بالدولارت، مع توقعات باستمرار التحسن، الأمر الذي زاد مستوى بيع الدولار في السوق، ما ساهم أكثر في تحسن سعر الصرف، وهو ما أكده مدير شركة صرافة في دمشق لـ«الوطن».

المضاربة.. خطر قائم
من جانب آخر، ينشط المضاربون في هذه الحالة أملاً في جني الأرباح، ويبدو هناك مجموعات مضاربة تسعى إلى أن تستعيد موقعها في السوق الذي فقدته منذ أكثر من عام لدى إلغاء جلسات التدخل، وهؤلاء يعملون باتجاه تحفيز عمليات البيع المكثف حالياً، والعمل على تخويف المواطنين من التعامل مع المصارف العامة والخاصة في مسألة القطع الأجنبي، وقد تساعدهم بذلك بعض نقاط الضعف في قرارات «المركزي» الأخيرة الخاصة بالحوالات، بحيث ينخفض الدولار إلى مستوى متدن (350 أو 400 ليرة للدولار مثلاً) ثم الشراء المكثف، ما يتسبب بارتفاع السعر مجدداً لتحقيق الأرباح، وهذه المخاوف حذّر منها حاكم المصرف المركزي عدة مرات، ولكن يمكن الحدّ نسبياً من هذه المخاوف عبر تشديد الرقابة على سوق الصرف وخاصة مؤسسات الصرافة التي فرضت عليها العديد من القيود، وخاصة بعد إيقاف جلسات التدخل، وعبر قرارات السياسة النقدية الحصيفة التي تنم عن فهم دقيق للسوق.

أين مصلحة الحكومة؟
قد يبدو للوهلة الأولى وجود مخاوف لدى الحكومة تتمثل بتحديد سعر الصرف بـ500 ليرة للدولار في الموازنة العامة للدولة للعام القادم 2018، ومن ثم فإن استمرار تحسن الليرة واتساع الفجوة بين أسعار الصرف في السوق والموازنة يجعل سعر الصرف في الموازنة غير حقيقي ومبالغاً فيه، وتظهر الليرة فيه بأقل من قيمتها الحقيقية وهذا له تبعات وتكاليف اقتصادية تأخذه الحكومة بالحسبان. إلا أن الحكومة في الحقيقة تستفيد من تحسن الليرة في الموازنة، فمثلاً إذا أرادت الحكومة شراء قمح بمليون دولار على سعر صرف 500 ليرة، فسوف تتكلف بمبلغ 500 مليون ليرة، أما إذا تحسنت الليرة إلى مستوى 400 ليرة فسوف تتكلف 400 مليون ليرة فقط، ما يعني توفير الحكومة لمبلغ مئة ليرة في كل دولار مدفوع في الصفقة، ومقابل ذلك فإن كل نقد أجنبي يدخل إلى الخزينة سوف يخسر أيضاً 100 ليرة جراء هذه العملية.
إلا أن الحكومة الحالية تعتمد كثيراً على الاستيراد في ظل التراجع الكبير في الانتاج بسبب الحرب، ريثما تقلع العملية الإنتاجية أكثر، عندها نكون أمام واقع جديد ومتطلبات جديدة في سوق الصرف.
كما إن تحسن الليرة يخفض كلفة المستوردات من مدخلات الانتاج وكل ما يدخل في الصناعة والزراعة وغيرها من مواد انتاجية، ومن ثم يساهم في تخفيض الأسعار، ويمنح المنتج المحلي ميزة تنافسية في السعر، إلا أن الهدف الأكثر أهمية للحكومة هو استقرار سعر الصرف والتخفيف من تقلباته وعدم الانجرار صعوداً وهبوطاً وراء السوق السوداء، وذلك لضمان الاستقرار في عمليات التبادل التجاري والانتاج، والاستقرار في الاقتصاد وفي المستوى العام للأسعار، وهذا هو الهدف الأهم اليوم، فالمصرف المركزي يجب أن يكون القائد في سوق الصرف، وليس المنفعل.

تساؤلات نقدية
من الجدير لفت النظر إلى قضية مهمة في إدارة المصرف المركزي للكتلة النقدية، مرتبطة بمدى دقة البيانات التي يبني قراراته على أساسها، وخاصة تقدير إجمالي الناتج المحلي ومعدل دوران النقود في الاقتصاد، إذ من المعروف أن السلطات النقدية تحدد كمية النقد المصدّر (الكتلة النقدية) وفق قيمة الناتج مقسوماً على معدل دوران النقود، فإذا كان الناتج 4 ترليونات ليرة، ومعدل دوران النقود 4 مرات، فمن الواجب أن تساوي الكتلة النقدية ترليون ليرة، فإذا قلّت الكتلة النقدية عن ذلك يحصل شح في السيولة بالليرة السورية في الاقتصاد، ما يعزز الركود، أما إذا زادت على ذلك فتحدث تخمة بالمعروض النقدي ومن ثم يزداد التضخم، ومن الوارد هنا أن يكون النقد المصدّر أقل من اللازم نظراً لتحسن الإنتاج، وصعوبة تقدير معدل دوران النقود في الأوضاع الراهنة، وصعوبة تقدير الناتج، وخاصة مع اتساع اقتصاد الظل والنشاطات الاقتصادية غير المسجلة، وخاصة العمل الأهلي والمنزلي، وهذا منتشر كثيراً في الاقتصاد، وغيرها من العوامل التي يعرفها المركزي.
كل ذلك وغيره تشكل جملة من العوامل التي تؤثر حالياً في سعر الصرف، علماً بأن السلطات النقدية تتعامل بحذر مع موضوع سعر الصرف، بعيداً عن الانفعال والانجرار وراء إشاعات السوق السوداء التي تحاول الضغط باتجاه عودة نشاط المضاربين، لكن هذا لا يمنع تسجيل بعض الملاحظات حول صوابية بعض القرارات، أو طريقة تنفيذها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن