قضايا وآراء

معاكسة تبريد الأزمة

| مازن بلال 

تريد الرياض الإبقاء على مستوى من التوتر يتيح لها العودة من جديد لمساحة دورها القديم، فرغم أن العديد من العواصم العالمية منحها دعماً للعب أدوار مختلفة على المستويين السياسي والعسكري؛ وأمن حداً عالياً من الشرعية الدولية خصوصاً في مواجهاتها باليمن، لكن السعودية شهدت فصولا من التراجع وعدم القدرة على خلق حالة استقطاب لسياستها توازي ما قامت به كل من إيران وتركيا، وفي وقت فشلت في خلق كتلة عربية قادرة على التعويض عن الغياب الكامل للجامعة العربية، فإنها في الوقت نفسه، خسرت على المستوى الإقليمي في إبعاد إيران بالدرجة الأولى عن مسرح الأحداث، بل على العكس أتاحت لها وجوداً أقوى في سورية والعراق.
المعركة الحالية التي تقودها الرياض عبر لبنان يمكن فهمها ضمن جملة احتمالات، فبغض النظر عن مسألة احتجازها لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، لكنها في المقابل تحاول التأثير في مجريات الحدث الإقليمي بشكل عام، وعندما يؤكد الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلادمير بوتين وحدة سورية وعلمانيتها في بيان لهما على هامش قمة «آبيك» في فيتنام؛ فهذا لا يعني للسعودية نهاية دورها السابق، بل اللعب على الهامش المتبقي في مرحلة «تبريد» الأزمة السورية، ويمكن هنا النظر إلى أمرين أساسيين في التحركات السعودية:
الأول ترافق مع زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى منطقة الجزيرة السورية، فهذا التحرك مؤشر على التعامل مع مساحة مستجدة للسعودية داخل سورية، فهي اعتادت العمل مع المجموعات المتشددة والتكفيرية، ولكنها تحاول خلق خيوط جديدة تجمع الأكراد ضمن دائرة يمكن أن تشمل القبائل العربية التي تملك امتدادات داخل السعودية.
هذا التحرك السعودي ينسجم مع الدعم الأميركي لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد»، لكنه في الوقت نفسه يذهب بعيداً عن الإطار الأميركي العام، لأنه يكسر معادلة «تبريد الأزمة» المعتمدة أميركيا لخلق توازن جديد بين القوى السورية، فتحركات السبهان اتجهت أيضاً نحو لبنان لنسف المعادلة السياسية الداخلية، وهذه الخطوة أيضاً تنسجم مع التصريحات المعلنة لواشنطن ضد حزب الله، ولكن في الأسلوب الاستفزازي نفسه أقدمت السعودية على تجاوز ما هو معلن من واشنطن بشأن لبنان، ما استدعى تصريحاً من الخارجية الأميركية على حرصها على عدم السماح للبنان ليكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
– الأمر الثاني مرتبط مباشرة بالأزمة السورية، فالتصعيد السعودي جاء في ذروة التحرك لعقد عدة مؤتمرات في سوتشي والرياض وجنيف، ولا يمكن فهم التصعيد السعودي خارج سياق مرحلة تبريد الأزمة للدخول في التفاوض والبدء في الحل السياسي.
بالتأكيد فإن الولايات المتحدة ليست بعيدة عما يحدث، لكنها في الوقت نفسه، غير مهتمة بالتعامل مع الرعونة التي تبديها السعودية في كل الملفات، فهي لن تنزعج لو تم انهاك جميع القوى في المنطقة، وعلى الأخص إيران، والتصريحات الأميركية تتجنب إلى حد بعيد البحث في التفاصيل التي تغرق المنطقة عموماً، فهي تتحرك ضمن مستوى آخر يهتم باستيعاب الأزمة الكورية وبالحد من النفوذ الروسي عالمياً.
المعركة في لبنان غير واضحة لكنها حتى اللحظة تعيد فرز القوى السياسية من جديد، وتأثيرها في سورية لن يكون مباشراً لأنها معركة إرباك لإيران وحزب الله، وهي تشكل فرصة للولايات المتحدة التي يمكنها أن تجد مساحات للتدخل أو التأثير، فبغض النظر عن تطابق أو تناقض التحركات السعودية مع سياسة واشنطن المعلنة، إلا أنها تتيح عبر التوتر زيادة احتمالات التدخل الأميركي سياسيا وعسكريا في الأزمة السورية وفي المنطقة عموماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن