ثقافة وفن

الملك فيصل الأول ملك سورية كما تراه وزارة الخارجية الإسرائيلية

| شمس الدين العجلاني

وعد مؤلف من ٦٧ كلمة في شكل رسالة كتبه وزير بريطاني لشتات اليهود، ألقى هذا الوعد بتبعاته، على حياة مئات الملايين العرب، قتلاً.. تشريداً.. اعتقالاً.. تقسيماً!!
نص هذا الوعد «الرسالة» الذي أرسله المدعو آرثر بلفور إلى زعيم صهيوني يقول:
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المخلص.. آرثر جيمس بلفور.
في الثاني من تشرين الثاني سنة ١٩١٧.
هذا هو وعد بلفور الذي لم يزل الشر يأتي منه منذ عام 1917م.

فيلم «إسرائيلي»
أتابع بشكل عام ما تتناوله وسائل الإعلام «الإسرائيلية» ومن جملة ما اطلعت عليه منذ أيام فيلم وثائقي بمناسبة مرور مئة عام على وعد بلفور، نشرته وزارة الخارجية «الإسرائيلية» مدته بحدود أربع دقائق موجه للعرب وناطق باللغة العربية، يبدأ الفيلم بالقول: «في 1917 خلال الحرب العالمية الأولى كتب بلفور وزير خارجية بريطانيا رسالة إلى اللورد روتشيلد (نص الرسالة الوارد أعلاه)» وتتابع المذيعة بلغه عربية مكسره بالقول: «جاء هذا الوعد بعد اتفاقية سايكس– بيكو التي قسمت النفوذ في الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا، حصلت القيادات العربية بموجبها على مناصب ملكية! لقيت فكرة الوطن القومي لليهود تعاطفاً من السلطان عبد العزيز آل سعود، كما تعاطف مع الفكرة الملك فيصل الأول في مؤتمر باريس للسلام في 1919».

تعليق
نستنتج أن المقصود من كلام المذيعة «الإسرائيلية» بقولها: «حصلت القيادات العربية بموجبها على مناصب ملكية»، كل من ملك سورية فيصل الأول، وملك السعودية عبد العزيز وبأنهما نتيجة تأييدهما لليهود كان لهما ملك ومملكة! وهذا من تبعية وعد بلفور.

الملك فيصل الأول
هو أول وآخر ملك لسورية في العصر الحديث، نصب على عرش سورية يوم 8 آذار عام 1920م، وكان قد دخل دمشق على حراب المصفحات البريطانية وبمعية الجاسوس البريطاني الشهير لورنس العرب، وتوج ملكاً على سورية الطبيعية يوم 8 آذار عام 1920م، وعندما طرده المحتل الفرنسي من دمشق، تسكع في بريطانيا لحين تدبر أمره في مملكة أخرى فكان ملكاً للعراق عام 1921م! فكيف ينظر منظرو الصهاينة إلى الملك فيصل؟ لنقرأ ذلك من الفيلم «الإسرائيلي».

الملك فيصل في الفيلم الإسرائيلي
في الفيلم الإسرائيلي المذكور أعلاه، تقول المذيعة إن الملك فيصل الأول كان متعاطفاً مع الوطن القومي لليهود في فلسطين وذلك عام 1919م عندما عقد مؤتمر باريس للسلام فيقول فيصل: «نحن العرب، ولاسيما المهذبون منا، ننظر بتعاطف عميق إلى الحركة الصهيونية حيث يعترف وفدنا هنا في باريس بكامل المقترحات التي قدمتها الحركة الصهيونية إلى مؤتمر السلام، معتبرين إياها اقتراحات متواضعة ومنصفة، وسوف نبذل قصارى جهدنا، في حدود ما يتصل بنا، لتقديم يد العون، كما نتمنى لليهود استقبالاً حاراً لدى عودتهم إلى موطنهم».
وهكذا بكل بساطة تكلم فيصل الأول باسم العرب، وتمنى عودة شتات اليهود إلى فلسطين، مع استقبال يليق بمقامهم! بل أكثر من ذلك فهو قد وافق على كل مقترحات الحركة الصهيونية! واعتبرها متواضعة!
والسؤال المطروح هنا هل حقاً أيد الملك فيصل الأول الحركة الصهيونية؟!

اتفاقية فيصل– وايزمان
تروي صفحات التاريخ أن الأمير فيصل قبل تنصيبه ملكاً على سورية، وقَع في مؤتمر باريس للسلام عام 1919م مع حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية اتفاقية عرفت باسم اتفاقية فيصل– وايزمان يعطي بها لليهود تسهيلات في إنشاء مجتمع للاحتلال في فلسطين والإقرار بوعد بلفور المشؤوم!
وتنص الاتفاقية على:
إن الأمير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية والقائم بالعمل نيابة عنها والدكتور حاييم وايزمن ممثل المنظمة الصهيونية والقائم بالعمل نيابة عنها، يدركان القرابة الجنسية والصلات القديمة القائمة بين العرب والشعب اليهودي، وأن تتحقق أضمن الوسائل لبلوغ غاية أهدافهما الوطنية هو في اتخاذ أقصى ما يمكن من التعاون في سبيل تقدم الدولة العربية وفلسطين ولكونهما يرغبان في زيادة توطيد حسن التفاهم الذي بينهما، فقد اتفقا على المواد التالية:
1- يجب أن يسود جميع علاقات والتزامات الدولة العربية وفلسطين أقصى النيات الحسنة والتفاهم المخلص، وللوصول إلى هذه الغاية تؤسس وكالات عربية ويهودية، يحتفظ بها، معتمدة حسب الأصول في بلد كل منهما.
2- تحدد بعد إتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرة الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين من خلال لجنة يتفق على تعيينها من الطرفين المتعاقدين.
3-عند إنشاء دستور إدارة فلسطين تتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم أوفى الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني سنة 1917.
4- يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مدى واسع والحث عليها بأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين في الأرض عن طريق الإسكان الواسع والزراعة الكثيفة. ولدى اتخاذ مثل هذه الإجراءات يجب أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين المستأجرين العرب ويجب أن يساعدوا في سيرهم نحو التقدم الاقتصادي.
5- يجب ألا يسن نظام أو قانون يمنع أو يتدخل بأي طريقة ما في ممارسة الحرية الدينية ويجب أن يسمح على الدوام أيضاً بحرية ممارسة العقيدة الدينية والقيام بالعبادات من دون تمييز أو تفصيل ويجب ألا يطالب قط بشروط دينية لممارسة الحقوق المدنية أو السياسية.
6 – إن الأماكن الإسلامية المقدسة يجب أن توضع تحت رقابة المسلمين.
7- تقترح المنظمة الصهيونية أن ترسل إلى فلسطين لجنة من الخبراء لتقوم بدراسة الإمكانات الاقتصادية في البلاد وأن تقدم تقريراً عن أحسن الوسائل للنهوض بها وستضع المنظمة الصهيونية اللجنة المذكورة تحت تصرف الدولة العربية بقصد دراسة الإمكانات الاقتصادية في الدولة العربية وأن تقدم تقريرا عن أحسن الوسائل للنهوض بها وستستخدم المنظمة الصهيونية أقصى جهودها لمساعدة الدولة العربية بتزويدها بالوسائل لاستثمار الموارد الطبيعية والإمكانات الاقتصادية في البلاد.
8- يوافق الفريقان المتعاقدان أن يعملا بالاتفاق والتفاهم التامين في جميع الأمور التي شملتها هذه الاتفاقية لدى مؤتمر الصلح.
9- كل نزاع قد يثار بين الفريقين المتنازعين يجب أن يحال إلى الحكومة البريطانية للتحكيم.
وقع في لندن، إنكلترا في اليوم الثالث من شهر كانون الثاني سنة1919»
اتفاقية فيصل وايزمن حول فلسطين- 3/كانون الثاني/1919.
ورد في بعض المصادر أن الأمير فيصل كتب بخط يده تحفظاً على آخر صفحة في الاتفاقية، ينص على: «يجب أن يوافق على المواد المذكورة أعلاه. بشرط أن يحصل العرب على استقلالهم كما طلبت بمذكرتي المؤرخة في الرابع من شهر كانون الثاني سنة 1919 المرسلة إلى وزارة خارجية حكومة بريطانيا العظمى.
ولكن إذا وقع أقل تعديل أو تحويل (يقصد بما يتعلق بالمطالب الواردة بالمذكرة) فيجب ألا أكون عندها مقيدا بأي كلمة وردت في هذه الاتفاقية التي يجب اعتبارها ملغاة لا شأن ولا قيمة قانونية لها ويجب ألا أكون مسؤولاً بأي طريقة مهما كانت».
نهاية الملك

سافر الملك فيصل الأول إلى بيرن في سويسرا في 1 أيلول 1933م، بقصد العلاج وإجراء فحوص دورية ولكن فجأة وبعد سبعة أيام أعلن عن وفاته في 8 أيلول 1933، إثر أزمة قلبية ألمت به.
وقيل وقتها إن للممرضة التي كانت تشرف على علاجه علاقة بموته حيث شيع أنها قد سمته بدس السم في الإبرة التي أوصى الطبيب بها. وقد نشرت العديد من الصحف العراقية أن الوفاة لم تكن طبيعية، وشككت في دور بريطانيا في القضاء عليه، ودس السم في شرابه أو في الحقن الطبية التي كانت يحقن بها. وكانت تقارير الأطباء السويسريين قبل وفاته بيومين تؤكد أنه بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض خطيرة، ولكن تقرير الوفاة ذكر أن سبب الوفاة هو تصلب الشرايين. وأرجعت الممرضة البريطانية التي كانت ترافقه سبب الوفاة إلى التسمم بالزرنيخ الذي أذيب في الشاي الذي شربه قبل وفاته بست ساعات، وخاصة أن الأعراض التي ظهرت عليه في أثناء الاحتضار كانت أعراض التسمم بالزرنيخ. علماً بأن طبيبه الخاص هو الإنكليزي هاري سندرسن.

وبعد
السؤال المطروح هنا هل وقَع الأمير فيصل هذه الاتفاقية ليحصل على مملكة سورية وبعدها مملكة العراق؟! كما ورد تماماً في الفيلم الإسرائيلي: «حصلت القيادات العربية بموجبها على مناصب ملكية!».
وعن سبب وفاة فيصل الأول فليس من المستغرب أبداً أن يكون قد سمم، فهذا الأمر عادي بالنسبة للمحتل، فوسيلة القتل عندهم من أنجع الوسائل للتخلص من الزعامات الوطنية «كما حصل مع الزعيم الوطني فوزي الغزي» أو الزعامات التي صنعوها لتؤدي الدور المرسوم لها وعند انتهاء ««صلاحيتها» يتم التخلص منها «كما حصل مع الشيخ تاج الدين الحسني» وهنا كما حصل مع فيصل ملك سورية الأول وملك العراق، الذي حامت الشبهات حوله منذ البدء، ولا ينسى أهل سورية أنه في عام 1920 م وقبل دخول المستعمر الفرنسي لدمشق، كيف حل الجيش السوري، وخرج من دمشق مع حاشيته، وترك البلاد للفوضى وللشعب البطل ووزير حربيته الشهيد يوسف العظمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن