ثقافة وفن

أكداسٌ من المطبوعات الشعرية.. والشعر يتناقص حضوراً … لا سوق للشعر في الحرب.. فكيف الآن بعد الحرب؟

| أحمد محمد السح

ترفض بعض المكتبات وضع المجموعات الشعرية على رفوفها، بذريعة تناقص قرّاء الشعر، وهذا الرفض يأتي سراً وبلباقة مفرطة، حيث يتم عزو ذلك إلى نقص الإقبال على شراء الكتاب بشكل عام ولكن الإقبال يكاد يكون منعدماً تجاه الكتاب الشعري، والجدوى الربحية من عرضه، فيبدو اقتناؤه لأصحاب المكتبات متعباً وفائضاً عن حاجتهم، فجميع إصدارات الشعراء منذ حوالى خمسين عاماً إلى اليوم تعتبر كساداً في الكتاب كمنتج من وجهة نظر أصحاب المكتبات، حتى إنهم يرفضون وضع الكتاب بصيغة «الأمانة» الصيغة ذات الصبغة السورية حصراً حيث يوضع الكتاب بناءً على ثقة متبادلة بين الناشر والمكتبة، فمعظم دور النشر السورية لا تملك مكتبات خاصة بها لتعرض منشوراتها. وهذا كله وبتفاصيله مرتبط بغلاء المعيشة في سورية، وغلاء المطبوعات ومستلزماتها. وقد كان هذا الغلاء في قمّة وضوحه في معرض الكتاب الأخير في دمشق، بداية شهر آب الفائت. فالسوري يقرأ، لكن الكتاب قد يحرمه لقمته.

كساد إصدارات الشعراء كمنتج
لذا كان لا بدّ من الوقوف على مجموعة من الآراء المتفاوتة بين الشعراء ودور النشر الخاصة حصراً، لأن النشر عند القطاع الرسمي له تفاصيله المختلفة جذرياً في الطباعة والنشر والتوزيع مثل الهيئة العامة السورية للكتاب، واتحاد الكتاب العرب. وهذا له شجونه المختلفة..
كيف ينشر الشعراء مجموعاتهم الشعرية؟ وما صيغ التعامل الاقتصادية مع دور النشر؟
فطوم: حين يتلى المبلغ
على مسامعنا نُصاب بالذهول!

«رغم انتشار دور النشر في الآونة الأخيرة إلا أنها لم تتبن بجرأة الأقلام سواء كان لها تجارب سابقة أم فتية.. فدور النشر تبحث عن أصحاب التجارب والأسماء التي تعود عليها بالربح، فعملية ولادة الكتاب تكلف مبلغا لا نحسد عليه.. حين يتلى المبلغ على مسامعنا نصاب بالذهول فنتراجع عن إنجاز ما نريد إنجازه.. الشاعر قبل أن يتكلف ماديا على إنتاجه وإبداعه هو ينزف معنوياً ونفسياً، التكاليف جدا جائرة ومكلفة ولا تغطي حجم الخسارة التي يخسرها الشاعر.. هناك دور نشر تقوم بتبني الكثير من الأقلام لكن يبقى هذا التبني خجولاً لأنه تقع على عاتق الشاعر مهمة تسويق منتجه وأعتقد أن هذه الخطوة هي وصمة عار بحق الشاعر أن يقوم بالتنقل بين المكاتب ليعرض كتبه، هذا يرفض وهذا يستجيب وهذا يضعهم برسم الأمانة ، أحياناً توافق وزارة الثقافة على الشراء فتشتري بين 10 نسخ إلى 20 نسخة لتوزعها على مراكزها الثقافية بعد أن يتكلف الشاعر طباعة ألف نسخة فلنتخيل حجم القهر!».

عودة: كتاب الشعر المطبوع
لم يعد يشكل مصدراً ربحياً
«قد لا يكون من المجحف أن نقول مقتبسين من عدد لا بأس به من أصحاب دور النشر في سورية إن نشر الكتاب المطبوع عموماً– والشعر خصوصاً- صار تجارة خاسرة، وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب تبدأ من فقر مجتمعنا النسبي بالقراء ولا تنتهي بظهور الكتاب الإلكتروني بديلاً أسرع وأكثر توافراً وأقل كلفة مادية. صار من المتعارف عليه تقريباً أن كتاب الشعر المطبوع لم يعد يشكل مصدراً ربحياً، وخاصةً إلى الأسماء الشابة الصاعدة، التي ينحصر خيارها للنشر داخل البلد بالدفع مقابله من مالها الخاص، أو اللجوء كحل بديل إلى الجوائز والمنح العربية والعالمية، أو إلى المؤسسات الرسمية التي تفرض غالباً معايير جامدة أكل الدهر عليها وشرب».

مجر: أمام صوت الجيب
يخفت صوت الأدب
«الأزمة هي تحول الحركة الثقافية لحركة تجارية، المستفيد الوحيد منها دار النشر من حيث التكاليف الباهظة إلى رفض التوزيع أو التوزيع من دون أن يكون هناك مردود إلا على الدار نفسها. والمفاجئ بالأمر أن الكثير من أصحاب دور النشر هم من الشعراء أو الأدباء ولكن أمام صوت الجيب يخفت صوت الأدب ويبقى التعامل مع الشعراء الشباب تعاملاً استثمارياً إما لقلة الخبرة لدى هذا الشاب وإما لأنه يبحث عن طباعة أولى متحملاً العبء المادي وعدم التوزيع حيث يقوم به بشكل شخصي ناهيك عن تجاهل الدار لهذا المنتج أو مضمونه، فقلة نادرة جداً من دور النشر تحتفي أو تدعم منتجها أو تسوق له حتى من منطلق تجاري، فهم أنفسهم يعلمون أن سوق الكتاب راكد تماماً إذا لم نقل إنه متعطل إلا على بعض الدور التي تشارك في معارض دولية وتجني أرباحاً لا تعود إلا عليها، فبيعه لبعض النسخ أحياناً في السوق الدولية لكتاب ما يمكن أن يغطي عملية الطباعة هنا فلم لا يحاول صاحب الدار تعويض هذا الكاتب بشيء من التكلفة؟ أغلب الدور لا تتوقف على فحوى الكتاب أياً كان، هي فقط تريد أن تتم هذه الصفقة وتأخذ ربحها الوفير والمضاعف غالباً ويكون اسم الدار فقط علامة تجارية».
يقف الشعراء في موقف المقهور، والمغبون كلياً من حالة النشر والتوزيع لدى دور النشر.. ولكن كيف نفهم الأمر من وجهة أصحاب دور النشر.
دار دلمون الجديدة، المهندسة عفراء هدبا: القارئ لا يقبل على اقتناء كتب الشعر كما يحرص على الرواية.
«تعتمد دار دلمون الجديدة في معايير نشر الشعر تحديداً على جودة المنتج الشعري ومتانة اللغة والصورة الشعرية المحكمة وتسعى في تسويق منتجها إلى اختيار منابر تليق بمكانة الشعر والشعراء من خلال رعايتها لحفلات توقيع الكتب أو المسابقات الشعرية كعامل محفز للشعراء الشباب وكذلك مشاركتها في معارض الكتب المحلية والعربية وتقديم منتجها الشعري إلى الجمهور مباشرة وخلق فرصة للحوار بين الشاعر والمتلقي، من أبرز المعوقات التي تواجه سوق الشعر هو عدم رواج المطبوعات الشعرية وعدم إقبال القارئ على اقتناء كتب الشعر بمثل ما يحرص على اقتناء الرواية إذ يرتبط الشعر عموماً بالمنابر الشعرية أكثر منه بالمطبوعات، وهذا من التحديات التي نواجهها ونسعى إلى تغيير الاختيار النمطي للعناوين المطلوبة ليتحقق العائد المادي المطلوب لدار النشر وللشعراء على حد سواء».

فوز الأحمد:
تسويق الكتاب الشعري صفر
«لا يوجد سوق للشعر قبل الحرب، كيف الآن بعد الحرب؟ تعتبر عملية طباعة المجموعة الشعرية مغامرة لا يجرؤ عليها كل أصحاب دور النشر! من المهم عند طباعة الشعر أن يكون الشعر جميلاً، وهذا هو الأساسي، والنادر في الوقت نفسه. بعد الحرب صارت مشكلة الشعر المتراكمة أكبر، فتسويق الكتاب الشعري صفر، ويلجأ معظم الشعراء إلى توزيع مطبوعاتهم للأصدقاء، وقد لوحظ ازدياد عدد الشعراء كثيراً هذه الأيام، مع رداءة في الشعر.. ومحتواه. واستسهال الكتابة الشعرية وصولاً إلى حدّ السخافة، ربما يلجأ بعض الشعراء إلى الطباعة في لبنان، فغلاء الطباعة الكارثي هنا صار موازياً للخارج، أضف إلى أن إمكانية الاشتهار أكبر في الخارج».
يصعب حصر المشكلة بسهولة.. لكن الأهم هو الإقرار أن هناك مشكلة حقيقية في الكتاب الشعري كمنتج، وهو ما ينعكس على الشعر بحدّ ذاته، فلم يعد مفيداً هذا التراكم في طباعة الكتب الشعرية التي تموت حبيسة غرف الشعراء، أو مخازن دور النشر، لتباع بعدها على شكل أكداس ورقية فقط بالكيلوغرام، ليستخدم ورقها في جوانب حياتية أخرى متجاهلين أن ما كتب عليها هو الشعر رفيق الإنسانية الوفي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن