قضايا وآراء

عندما يتكلّم «الكلب المجنون»

| عمار عبد الغني

رغم أن مجلس الأمن الدولي لم يسمح للولايات المتحدة بتنفيذ عملية عسكرية في سورية، إلا أن لوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس رأياً آخر، إذ يعتقد بأن الأمم المتحدة سمحت لبلاده بالدخول إلى الأراضي السورية.
ورغم أن الحكومة السورية أعلنت مرات عديدة أنها لم توافق على وجود القوات الأميركية داخل البلاد، وطالبت مراراً وتكراراً بحل «التحالف الاستعراضي» لمحاربة الإرهاب، فإن ماتيس يؤكد أن الولايات المتحدة لن ترحل من سورية حتى بعد القضاء على تنظيم داعش ويربط ذلك بتحقيق تقدم في العملية السياسية وحزمة شروط لم يعلن عنها بعد!
تلك التصريحات نقرأ فيها جملة من الخلاصات مفادها، أن واشنطن لم تدخل بلداً وخرجت منه إلا بعد أن تكبدت خسائر فادحة تعجز عن تحملها، عندها تنسحب بهدوء تحت جنح الظلام، كما أنها تعطينا صورة واضحة عن الصلف الأميركي وعقلية رجل الكاوبوي الخارجة عن القانون في سبيل حماية مصالحها وتنفيذ أجنداتها في كل بقعة من الأرض لها مصلحة فيها، ومن ثم فهي تدافع باستماتة عن ذلك وتبدّل الخطط وفق مقتضيات المرحلة التي تمر بها، ولذلك عندما فشلت رهاناتها على داعش حيث كانت تخطط لعقود من الزمن للقضاء عليه، وجدت حالها مجبرة للتدخل بصورة مباشرة بعدما انهار التنظيم الإرهابي ولم تنفع معه عمليات الإنعاش لبث الروح فيه لمواصلة الاستثمار في القضاء عليه
وانطلاقاً من إستراتيجيتها الثابتة القائمة على «القوة المفرطة» التي من خلالها يمكن أن تفعل ما تشاء وتقول ما ترغب فيه حتى لو تعارض مع القوانين والمواثيق الدولية، نجد واشنطن تتبع سياسة ضبابية تجاه سورية، إضافة إلى سلوكها الأرعن الذي يتعارض مع مبدأ سيادة الدول على أراضيها.
بصريح العبارة، فإن ما تريده واشنطن في سورية لا نشر الديمقراطية ولا تحقيق العدالة الاجتماعية ولا مستقبل أفضل لشعبها، فتلك استهلالات ومفاتيح دخول من باب استغلال الشعارات، أما ما تريده بالضبط، هو بداية السيطرة على مناطق النفط ومحاولة قطع الطريق على التواصل بين الجيشين السوري والعراقي، وفي النهاية تفصيل نظام سياسي على مقاس مصالحها من خلال تفسير القرارات الدولية ذات الصلة وفق ما ترغب فيه، وفي حال حصل تقدم ما تفرضه وقائع الميدان لا يتناسب مع مخططاتها، تضع ملفات جديدة على الطاولة أو تنفض الغبار عن ملفات انقضى أجلها كملف الكيميائي كوسيلة ضغط وإعادة خلط الأوراق من جديد، وبهذا السياق يمكن وضع تصريحات ماتيس حول ربط انسحاب «تحالف» بلاده بشروط وذلك وفق ما تقتضيه الحاجة.
إذاً لا تبدل في الإستراتيجية الأميركية القائمة على استنفاد كل الفرص في سبيل المحافظة على الأحادية القطبية، وإذا كانت الإدارات السابقة تعتمد السياسة الناعمة واللعب من تحت الطاولة خدمة لهذا الغرض، فإن الإدارة الحالية تظهر كل ما تخطط له ولا تخفي شيئاً وتريد إدارة العالم بعقلية «التاجر ترامب»، ما يعني لا تمرير لحلول سياسية ولا إنهاء للأزمات دون مقابل، ومن ثم ما تقوله هذه الإدارة اليوم ليست مسؤولة عنه غداً، ويمكنها ببساطة النكوث بتعهداتها عندما تجد نفسها في موقع الخاسر.
ذلك يعني أنه عندما وصف الإعلام الأميركي ترامب بـ«الثور الهائج في معمل خزف»، لم تكن مخطئة، كما وتبوؤ منصب وزير الدفاع الجنرال المتقاعد الذي أشرف على جهود الحرب الأميركية في الشرق الأوسط لعدة سنوات، لم يكتسب لقب «الكلب المجنون» من فراغ، فهذه هي أميركا وتلك هي سياستها القائمة على وضع مصلحتها فوق كل اعتبار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن