قضايا وآراء

السعودية رأس حربة مواجهة إيران

| أنس وهيب الكردي

انتقلت السعودية إلى مرحلة جديدة في ردها على «شبح» السيادة الإيرانية للشرق الأوسط، في مسعى من شأنه أن يفاقم من حدة التوتر بالمنطقة.
خلال العام الجاري طرأ تحول على قائمة أولويات السعودية في سورية والعراق، وجاء هذا التحول متوافقاً مع إستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة تحت رئاسة دونالد ترامب، وبالنسبة للأولى، سحبت واشنطن شرط رحيل الرئيس بشار الأسد عن طاولة المفاوضات الدولية حول سورية، وقررت إيقاف برنامج تسليح وتدريب المجموعات المسلحة في غرب البلاد، أما في الدولة الثانية، فقد نصحت إدارة ترامب السعودية بتحسين علاقاتها مع الحكومة العراقية.
صممت الإدارة الأميركية إستراتيجيتها الجديدة للشرق الأوسط، وفي قلبها منع إيران من تحقيق السيادة في المنطقة، وتهدف واشنطن من وراء تنازلاتها في سورية، إلى تحقيق توافق مع الروس يؤدي إلى جرهم بعيداً عن الإيرانيين، وفي بلاد الرافدين حيث يقترب موعد الانتخابات البرلمانية، يعمل الأميركيون على تقوية القوى المؤيدة لهم، وإضعاف وتهميش التيارات المقربة من طهران.
إضافة إلى إستراتيجية ترامب، كانت السعودية قد فقدت أي منفذ للتدخل بأدوات عسكرية في الشأن السوري؛ إذ لم يعد بإمكان الرياض إرسال السلاح والأموال إلى المجموعات المسلحة في شمال أو جنوب سورية، كما كان عليه الحال في السابق، انطلاقاً من تركيا أو الأردن، لأن هاتين الدولتين نسجتا اتفاقات وتفاهمات مع روسيا قضت بالتوقف عن توفير الدعم والسلاح للمجموعات المسلحة في مقابل إطلاق عملية أستانا بالنسبة للأولى، ومسار عمان الذي يقوده خبراء روس وأردنيون وأميركيون، بالنسبة للثانية.
جراء ذلك، مضى السعوديون بدورهم، قدماً في مسار جديد مع الروس أسست له الوساطة المصرية، والرعاية الأميركية غير المباشرة، هدف إلى توفير الحماية لاستثمارات السعودية في مليشيا «جيش الإسلام» المتخذ من مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية مقراً له، كما أطلقت السعودية وساطة ما بين مجموعات المعارضة السورية السياسية لدفعها إلى اتفاق مشترك بخصوص مفاوضات جنيف يكون متطابقاً مع متطلبات القرار 2254، وهذه الوساطة السعودية نالت رضا الجانب الروسي والجانب الأميركي أيضاً، إن لم يكن تكليفهما، ومؤخراً، كشفت السلطات السعودية عن دعمها لخطط التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، لإعادة الأمن والاستقرار إلى الرقة، في مرحلة ما بعد تنظيم داعش.
بينما تقلصت طموحات السعودية في سورية إلى مجرد آمال صغيرة، فقدت القوى العراقية المؤيدة للسعودية تأثيرها هناك سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، لذلك، انحصرت خيارات السياسة السعودية حيال العراق في الامتثال لنصائح إدارة ترامب عبر توفير أعلى درجات الدعم السياسي والمالي لحكومة حيدر العبادي، بما يمكنه من تحدي مجموعات «الحشد الشعبي» المتحالفة مع إيران.
يتخوف الأميركيون من انعكاسات نجاح إيران في سورية، على الأوضاع في العراق ونفوذهم هناك، أما السعوديون فهم يعلمون أن الوقت يضيق أمامهم للتعامل مع مخاطر بروز السيادة الإيرانية في الهلال الخصيب على الأوضاع في الخليج واليمن، إذ إن انتهاء الحرب في العراق وسورية، سيحرر الإيرانيين ويدفعهم لتركيز مزيد من الموارد على المشكلة اليمنية، حيث لا يزال حلفاء السعوديين يقاتلون هناك للعام الثالث على التوالي، كذلك يتخوف الإسرائيليون من وصول الحرب السورية إلى نهايتها وتداعيات ذلك على ميزان القوى في جنوب لبنان.
لذلك، بنت إدارة ترامب إستراتيجيتها للشرق الأوسط، على تكثيف الضغوط الاقتصادية على إيران بذريعة برنامجها الصاروخي، وتهديدها بمراجعة الاتفاق الدولي بخصوص برنامجها النووي، بالترافق مع استهداف حلفائها على الأرض، تحديداً في العراق ولبنان واليمن، وترتكز إستراتيجية واشنطن على ثلاثة أعمدة هي:
الوجود العسكري الأميركي والغربي بغرب العراق وشرق سورية والذي يهدف إلى محاصرة مجموعات «الحشد الشعبي» وكبح الإيرانيين.
الإسرائيليون الذين سيتعاملون مع حزب اللـه في لبنان.
السعودية وتحالفاها العربي والإسلامي حيث يقاتلون للتخلص من حركة «أنصار اللـه» أي الحوثيين في اليمن.
تلعب السعودية دوراً أولاً ضمن هذه الإستراتيجية وفي كل مواطنها، فهي تتولى التخطيط للنقلة الجديدة في الصراع اليمني، وتنسج علاقات الصداقة مع العبادي في العراق، وتساهم في إغراء الروس للابتعاد عن الإيرانيين في سورية، كما لعبت دوراً كبيراً في استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية، ومن ثم «تعرية» حزب اللـه وحلفائه في لبنان، وأخيراً، كانت المحرك وراء حشد الدول العربية والغربية من أجل رفع ملفي «تدخلات» إيران وبرنامجها للصواريخ البالستية إلى مجلس الأمن الدولي.
وبينما تراقب طهران التحركات السعودية العدائية تجاهها، تعمل على بلورة ردها على الرياض، والذي لن يتأخر كثيراً، لتتجه المنطقة ربما نحو مزيد من التوترات والغليان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن