ثقافة وفن

الطفولة حلقة أساسية بعمر الإنسان .. في تراثنا مقطوعات تصوير لمشاعر الأمومة وأخرى للمعرفة

| منير الكيال

حفظت لنا الذاكرة الشعبية، جملة من المأثورات التي ارتبطت بها الأمومة والطفولة، وكان من أهمها اهتمام الأبوين والجدين بأن يكون لهما عقباً ذكراً، يحمل اسم الأسرة، ويعين والده على تحمّل مشاق الحياة، ومن ثم يحفظ مهنة أو صنعة أبيه، كميراث للأسرة، لذلك كان ولد الولد أغلى من الولد بالأسرة التقليدية.
ومن ثم لم تكن الأم أقل حرصاً بأن يكون مولوداً ذكراً، لأن هذا المولود سوف يعينها على غوائل المستقبل، حتى لكأن المسؤولية تكاد تقع على هذا المولود الذكر وهو لا يزال في رحم أمه.

إضافة إلى أنه لا يعني بحال من الأحوال أن تكون المولودة الأنثى، أقل شأناً لدى الأم من ولدها الذكر، فالبنت ستكون عوناً لأمها ورفيقة لها بالمناسبات الاجتماعية، وكلاهما فلذة كبدها. لكن ارتباط الأم بابنتها كثيراً ما يكون أكثر من ارتباطها بوليدها الذي لما لهذا الولد من دور في استقرار حياتها مستقبلاً، ولعل ارتباط أو تعاطف الأم بابنتها يعود إلى خوف الأم أن تعرض ابنتها للعنت والقسوة كما حال الأم مع أهل زوجها.
وقد حفظ تراثنا الشعبي مقطوعة، تصور مشاعر الأم نحو ابنتها، ونذكر منها:
نامي يا بنتي نامي.
إن شاء الله ما تنضامي
شو هالقلوب يللي إلهن يا بنتي
قسيت وما لانت
راح على اللي راح يا بنتي
وحاج تنقضوا الجرح
نامي يا بنتي نامي
كما حفظ لنا تراثنا الشعبي مقطوعات أخرى تصور مشاعر الأمومة حول الطفولة، ومنها ما كان حول مناسبة ذكرى ميلاد الطفل ومنها ما كان بملاعبته على سبيل تلقينه مبادئ المعرفة.
والأم من خلال فرحتها بذكرى ميلاد وليدها، تبث في وليدها أو ابنتها ما يجيش في أحاسيسها من مشاعر السرور، وإذا تجاوزنا مناسبة الميلاد فإن الأم تناجي وليدها أو ابنتها بمقطوعات لا تزال بذاكرة كثيرات من المسنّات على ما لهن بهذه المقطوعات من تهذيب تتطلبه طبيعة الحياة.
كما كان للأم الدور الأكبر بمرحلة ما قبل التعبير لدى الطفولة، لأنها تركت بصمات مهمة في لفظ الطفل، أو بداية نطقه بأسلوب المقاطع التي ترددها الأم مع الحركة الحانية، والابتسامة المشرقة المصحوبة بالإيقاع.
فكنت ترى الطفل إزاء ذلك مشرئب الرأس منفتح الأذنين باذلاً الجهد محاولاً إخراج الحرف من شفتيه لتعمّ الفرحة أوصال الأم.
ومن جهة أخرى، فإن أبدع صباح لدى الأم، هو صباح الطفولة فما إن يتمطّى الطفل، وتشرع عيناه بالبحث عما حوله، حتى تشرق ابتسامة الأم وتتلهف إلى سماع ما يفتر عن لسان الطفل أو الطفلة من غمغمات رقيقة كانت بدايات النطق عند الطفل، فتحنو عليه الأم بلسان يلهج بالشكر على ما أنعم الله به عليها قائلة:
صباح الخير بكّر (من البكورة).
يا إيمع على سكر.
ويللي ما بتصبح بوجهك.
يصبح نهار معكّر.
وقد حفظ لنا مأثورنا الشعبي الكثير من بوح الأمومة في مناجاة ابنتها ما يعبّر عما يجيش بخاطر الأم وهي تتصبح ببراء الطفولة. ومن ذلك:
إنت ستّي وستّ بيتي.
كبرت وانتشيتي.
كان طولك طول القمحة.
صار صوتك ملاة (ملء) بيتي.
فضلاً عن ذلك، فقد حفظت لنا الذاكرة الكثير مما كانت تناجي الأم به وليدها، رغبة في أن ينام، أكان ذلك وقد ضمّته إلى صدرها، أم جعلته على ساقيها وقد جلست وعمدت إلى هزّه عسى أن ينام ومن ذلك قولهن، مقطوعة سنقدّم منها قولها:
أووالله يا الله تي
راح الحج على بلاده
يا ربي لا تنساني
لكن هذه الصورة المشرقة للأمومة مع الطفولة قد يساورها ما ينغّص عليها، في حال انفصال الأب عن الأم، إضافة إلى زواج الأب من امرأة أخرى، تنجب له أطفالاً يكنّ لهم المحبة والحنان والعطاء مقابل حرمان الأطفال الآخرين، وبالطبع فقد كان ذلك يحزّ في نفوسهم وكأن لسان حالهم يقول:
مرت (زوجة) الأب ما بتنحبّ
ولو حورية من الجنّة
وهذا يذكّرنا بالمأثور الشعبي القائل:
من فضل ولداً على ولد ببوسة
له بجهنّم دوسة
ذلك هذا السلوك الذي قد يصدر عن زوجة الأب (الخالة). قد يجعل الطفل عند الكبر على نحو من الأنانية وحبّ الذات، والرغبة في التسلط على حقوق الآخرين، وذلك ما يُخلّ بتوازن المجتمع من ناحية العلاقة بين أفراده، ويتحول إلى ما يشبه مجتمع الغابة يحب فيه المرء لنفسه ما لا يحبَّ لغيره، ومن ثم تنعدم أو تزول عاطفة الأخوّة في المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن