اقتصاد

إجازة إنتاجية

| علي محمود هاشم

يجدر بالحكومة أن تشعر بالغبطة لاحتجاج رئيس اتحاد الحرفيين على حصر التمويل المصرفي للمشروعات الصغيرة، بالتصديرية!
فما ساقه الرجل من خيبة جرّها منع الإقراض عن المجسدين الحقيقيين لشعارات «إعادة العجلة» و«إحلال المستوردات» بخبراتهم التي تمثل واحدة من الميزات النسبية القليلة المتبقية لاقتصادنا اليوم، يعني –أقله- أن ثمة زبائن محتملين للنسخة الأخيرة من نواظم التمويل المصرفي!
على عكس الحرفيين، تناهت خلال الأسابيع الأخيرة جمل قصيرة متململة، دأبت إدارات المصارف على إطلاقها حول سيولتها المتحولة باطراد إلى عبء على أرباحها، وسط احتجاجات مكبوتة على تعليمات الإقراض الجديدة تعكس حالة من عدم اليقين حيال قدرتها على اجتذاب زبائن.. لربما قد يبرّد ذلك تلك المرارة التي أصابت زعيم الحرفيين بأن لا استهداف شخصياً له ولرفاقه، فالحرمان من القروض تم استبطانه في تعليمات منحها الطاردة للجميع!
بعيداً عن ملل أحاديث المشروعات الصغيرة التي تلقت كل ما تحتاج إليه من شعارات خلال العامين الماضيين، فقد لا يكون لتعليمات الإقراض الجديدة من زبائن سواها، إذ، وتبعاً لظروفهم الموضوعية وخبراتهم المتراكمة، فالحرفيون الذين يجسدون احتياجاتنا من القيمة المضافة، وقربهم من الأولويات المحلية لزوم منتجاتهم، وقدرتهم الفائقة على امتصاص البطالة، هم وحدهم من يستطيع التكيّف مع أسعار الفائدة المرتفعة راهناً، أما الآخرون، من ذوي المنشآت الكبيرة العاملة، فعلى الأرجح لا يحتاجون إلى قروض، لا بل حتى من يقف التمويل حائلاً دون معاودة إنتاجهم أو تطويره، فلن يستجروا قروضاً عند هذه الفائدة التي تكفي لانقطاع الآمال بأي قدرة على إنتاج سلع تنافسية!
والحال كذلك، تصبح القروض المحتملة غير ذات معنى للمنتجين الحاليين، ولا يمكن الوصول إليها لجهة الساعين إلى معاودة إنتاجهم.. كل هذا، ولم نتعرّض بعد لما يمكن لـ «مؤسسة ضمان القروض» التي دخل حديثها مؤخراً جيله الرابع، أن تكرسه من زيادة في كلفة القرض!
المصرف المركزي، المعني الأول بتعليمات الإقراض، وبمنعكساتها، محشور اليوم في سياسته النقدية عند العتبات الأعلى للفائدة وسعر للدولار منعاً لانعكاسهما المؤكد على تنشيط الاستهلاك، ما يضطره لمكوث قسري عن مساندة المستهلكين والمنتجين في مواجهة ما يعترضهم من آلام عطفاً على تراكبية أزمته: فجذب السيولة يتطلب الإبقاء على سعر الفائدة عند مستوياتها، وذلك يمنع تدفق الإقراض الموجه للإنتاج والتصدير ويجمد التشغيل الضروري لإضافة مستهلكين جدد عبر زيادة كتلة الدخول، وإن شذَّ وحصل الاقتراض، فبكلفة تضخمية داخلية تتجاوز الـ 20 بالمئة للسلع التي تُنتج، وتنافسية خارجية معدومة، ما يتطلب بدوره دفق جرعة متجددة من دعم «النقل والجمارك والمؤونة..» لتمكين الطلب من المنتجات داخلاً وخارجاً، ودورة جديدة من شراء التضخم حفاظاً على الليرة خارج منطقة الخطر!
الحكومة ليست هنا، فهي تشعر بالرضى التام عن أدائها في ملف الإنتاج وآليات تمويله، فذهب بعضها مؤخراً إلى تمجيد مبادرتها الإقراضية، وآخرون تغنوا بوصول صادراتنا إلى 90 دولة، وغيرهم ضاعفوا -من عندياتهم- عدد حاوياتنا التصديرية. أمرها هذا الأشبه بذوي «بيت فستق» وفق المثل الحلبي، بات يتخذ منحى استفزازياً، ويثير الرغبة باستفزازها عبر مطالبتها بالإعلان عن بيانات الميزان التجاري، كلغة لا يفهم الاقتصاد سواها!
لن تتأخر الأسواق عن إعادة صدى رفضها نواظم الإقراض الجديدة كما سبق أن فعلت مع «التشغيلي» وغيره.. وعقب انتهاء هذه «الإجازة» التي منحتها الحكومة لـ «عجلات» الإنتاج المتوقفة، فستدرك حاجتها إلى ترقية جديدة؟!.. وإلى ذلك الحين، سيتحتم عليها الإجابة فوراً عن السؤال الكاشف: كم قرضاً تتوقع استجراره وفق تعليماتها الإقراضية الأخيرة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن