ثقافة وفن

أتمنى أن يكون مشروعنا صحيحاً مع كل خياراتنا … سمير كويفاتي لـ«الوطن»: الفن لم يشكل لي ولميادة هاجساً.. فحياتنا أقوى من الفن وتهمنا أكثر

| سارة سلامة

يمتاز بروح مرحة وتواضع وضحكة لا تفارق وجهه إلا أن أعماله تحمل طابع الجدية والكبرياء والوقار فأعماله ليس بالضرورة أن تعكس شخصيته، الموسيقار سمير كويفاتي الذي بدأ مسيرته الفنية عام 1975، وخط اسمه من حروف السلم الموسيقي ليكون الحلبي المتفوق في عالم الموسيقا بخصوصية وتفرد سواء في موسيقاه الخاصة أم فيما قدم لشريكة مشروعه المبدعة ميادة بسيليس، وأعدّ الكثير من الموسيقا لعدد من الأغاني والمسلسلات التلفزيونية وله عدّة مؤلّفات موسيقيّة.
والناظر إليه في نطاق العمل يراه قوياً وربما ديكتاتوراً كل هذا لأنه حريص على تقديم عمل راقٍ ومميز، كما شكل هو وزوجته ثنائياً مميزاً وناجحاً مبنياً على المحبة والعمل الناجح وكان السبب في نجاحهما أسرياً وحياتياً أنهما لم يفضلا الفن على حياتهما الخاصة.
سمير العاشق لحلب والمتحيز لها نراه اليوم متفائلاً بعد تشاؤم واقعي فرضته الظروف التي كانت تقول إننا ولو عدنا سنتأخر، حيث أشعلا قلعة حلب بحفل ضم جمهوراً كبيراً مبشرين بعودة الطرب إلى جوها وأزقتها ومسرحها، معلنين انتصار الصوت واللحن والكلمة السورية على آلة الظلم والقهر، واليوم نراه منهمكاً بتحضيراته للحفل المرتقب يوم الخميس المقبل في دار الأوبرا باحتفالية «يوم الثقافة».
كل هذا دفعنا للحديث والغوص أكثر في تفاصيله ليكشف لنا ما يخبئه في ثنايا قلبه متحدثاً لنا عن جديده..

بعد سنوات من الحرب على سورية ترجعون نبض الحياة إلى قلعة حلب، كيف كان اللقاء مع الجمهور الحلبي؟
كنا قد فقدنا الأمل في الوقوف مجدداً على مسرح قلعة حلب ولا أقول ذلك من باب التشاؤم إلا أننا واقعيون ولا نحب التفاؤل المزيف، ولم يكن أمامنا حلّ وسط إما أن نتفاءل بشكل غير عقلاني وإما أن نتشاءم بشكل غير عقلاني، والناظر إلى القلعة يرى ما أصابها من دمار وخراب ويقول من الجميل أن نعود رغم كل ما حدث ورغم كل المؤشرات التي تقول إننا كنا سنتأخر، وأعطانا الوقوف على مسرح القلعة الأمل بأننا سنرجع يوماً إلى بيتنا وإلى الإستديو الخاص بنا.
وكان يتراوح عدد الحضور بين 5000، و6000 شخص، وهذا العدد الكبير عاد بي 10 سنوات إلى الوراء ولقينا ترحيباً كبيراً من الناس على هذه الحفلات الأمر الذي حملنا مسؤولية كبيرة تجاههم.
ولي عتب صغير أوجهه للأشخاص المعنيين عن هذه النشاطات وهو الاهتمام أكثر بالناس بكل الحفلات من دون استثناء لأن الحلبية يحتاجون لرعاية بشكل أكبر، ويجب احترام وتكريم الشعب الحلبي وعلينا الانتباه أكثر إلى مسألة التنظيم.

كان لكم مشاركات متعددة مثل «هنا لنا» وحفل في مشتى الحلو تحدث لنا عن ذلك؟
بالنسبة لمشتى الحلو فهي تظاهرة سنوية بدأت بملتقى النحت وقدمت أنا وميادة في السنة الأولى من تأسيسه حفلاً، وفي سنوات الأزمة لم يعد موجوداً هذا الملتقى، إلى هذا العام حيث قدمنا حفلاً جميلاً جداً وقاموا بتكريمنا.
أما فعالية «هنا لنا» فقامت منذ عامين بمبادرة من «أحباب يا بلدي» وتربطني بهم صداقة قديمة ومع الفنان دريد لحام وأنا معه منذ عام 1996 واعتدت طريقة عمله وتفكيره وتنظيمه وإدارته المبالغ بها، وطلب مني أن نعمل شيئاً وخاصة أن ابنته عبير واحدة من الأعضاء الإداريات بـ«أحباب يا بلدي»، وكان العرض عبارة عن أرشيف توثيقي لأبي خليل القباني، قدمت خلاله 6 أغان له وأعدتها بطريقة حديثة.
وكنت فرحاً بهذه اللوحات المسرحية الكوميدية وبرأيي لو أخذت حقها من التدريب والبروفات بالشكل الكافي لكان العرض سيظهر درامياً بطريقة أجمل إلا أنهم ظلموا بالوقت، إلا أنني اهتم بالدرجة الأولى والأخيرة بالعمل الموسيقي، والعرض كان مهماً لأنه حقق لي رغبتين العمل الإنساني والعمل الموسيقي.

وماذا عن تكريم وزارة الثقافة؟
بكل تأكيد الفرحة تكون مضاعفة عندما نكرم في بلدنا ومن الجميل أن يكرم الشخص بين أهله وكان تكريماً من وزارة الثقافة وتكريماً من حلب وهذا ما حملني مسؤولية كبيرة وهو ماذا سأقدم لحلب؟
وكانت فكرة جميلة جداً أن يتم التكريم في حفلة ميادة، حيث وجدت نفسي مع أشخاص كبار وأدباء حلبيين ومثقفين وفنانين يكادون يكونون منسيين، والجميل أن التكريم جاء وأنا أصغرهم بالعمر.

ما رأيك بالأغاني الاستهلاكية وما تأثيرها في الجيل الجديد؟
الأغنية التجارية أو الاستهلاكية هي حاجة ولا أحد يستطيع إيقاف هذه النوعية من الأغاني ومن الطبيعي أن تكون موجودة ولكن للأسف لا يوجد لدينا رقابة على هذا الموضوع والهدف الأكبر الذي يطمح له هؤلاء هو الشهرة لنرى الناتج مغلوطاً ونشازاً وغريباً.
وكمثال أغنية «جنو نطو» إذا ما اجتمعنا في مكان سهر فسنرقص عليها جميعاً، وهذا السوق يجب أن يحتوي على بضاعة رديئة لنراعي اختلاف الأذواق ونحن نحتاج للكثير من الأشياء حتى لو لم تكن على مستوى عالٍ من الجودة، وأفضل طريقة لمحاربة الأغنية الرديئة العمل ضدها وتقديم عكسها، وبالنسبة لي لدي مشكلة نص أي إن الأغنية التي أراها خالية من النص الأدبي أو الفكرة لا أستسيغها ولكن هذا لا يمنع أنني أسمع بعض الأغاني وأندمج معها.
ولا يوجد شيء اسمه أغنية رديئة أو موسيقا رديئة يجب علينا محاربتها وطردها من الوسط الفني وأقول: إن كل شيء له حاجة في المجتمع ليكون سوياً وصحيحاً وعلى الأقل لنميز بين الأغنية الرديئة والأغنية الجيدة.

ما دوركم كموسيقيين في تطوير المناهج؟
أقول لكل من أجج الشارع وانتقد بشكل غير موضوعي أنه تافه وكمثال النقد الذي طال أغنية «الفيل يستحم»، وأنا هنا لا أدافع عن النص إلا أنه يجب مراعاة أن النص موجه لأطفال الصف الأول ولم يكن يحتاج إلى كل هذه الضجة المبالغ بها وكان النقد سخيفاً عندما سخفنا الموضوع ونقدناه بشكل سوقي وأنا أتكلم هنا فقط عن الموسيقا.
والمناهج وضعت بإشراف موسيقيين خافوا عند حدوث الضجة في الشارع والانتقادات التي نالت منهم، وبالنسبة لي أتيت في وقت متأخر وبعد هذه الضجة الفيسبوكية طلب مني وزير التربية هزوان الوز تأليف لجنة تناقش الموضوع وتحدد المشكلة، ونقدي كان من خلال تقديم نص بديل عرضته على الوزير الذي بدوره عممه على المدارس، ومادة الموسيقا مستهتر بها في سورية منذ زمن بعيد أما الآن فأنا مصمم على العمل لتقديم شيء جميل للأطفال.
خفة ظلك ظاهرة ولكنها تنعكس على أعمالك الموسيقية بشكل تراجيدي لماذا؟
لا علاقة للروح بذلك وأستطيع القول إنني شخص فاشل في الأعمال الكوميدية وقدمت عملين في حياتي وفشلا فشلاً ذريعاً.

تقول إنك فخور بتقليد زياد الرحباني، لماذا؟
إذا كنت أقلد زياد الرحباني فأنا لست ممتعضاً من هذه الخطوة وذلك ليس من باب الفخر ولكن من باب عدم الامتعاض أن أقلد شخصاً كزياد لأنه موسيقي مهم جداً وهو لا يشبه أحداً وبالتأكيد سأكون فخوراً بذلك.

تحدث عن تعاونك مع الفنان أيمن زيدان؟
أيمن هو شريك الروح ليس فقط صحبة فن ومن الصعب التحدث عن أخ، كما لا يوجد تعاون لافت بيننا فنحن نتعاون بكل شيء وقدم لي الكثير مثل أغنية «أنا» و«احملني» و«الشهيد»، ولدينا تعاون جديد وهو فيلم بعنوان «النورج» ومعناه الآلة التي تستخدم في الأرض مثل المحراث، القصة لافتة جداً كتبها أيمن زيدان ويتحدث فيه عن عائلة سورية عانت ما تعانيه الأسر في الظروف والأزمة الراهنة، والعمل يحمل نوعاً جديداً من الطرح حيث لا نرى الحرب بمظهرها البشع بل نرى مخلفاتها، وتقوم بدور الأم نادين خوري ويشارك فيه أيضاً: جود سعيد، وعبد اللطيف عبد الحميد، ونجاح مختار، وقاسم ملحو، والإخراج لأيمن زيدان وسأضع أنا الموسيقا التصويرية له، إضافة الى تأليفي الموسيقي لعدد من الأفلام السينمائية وكان من أهمها فيلم الأم وفيلم الأب للصديق العزيز والمخرج المتميّز باسل الخطيب.

كيف ينظر سمير اليوم إلى تجربته الطويلة؟
أنا راضٍ عن تجربتي وفق الإمكانات المتاحة أما عن قناعة فأقول: إنه لا يعجبني شيء لأن الأمل والطموح كان أن أصل إلى غير ذلك، كما أنني أكره الألقاب مثل موسيقار أو مايسترو أو الأستاذ وأفرح كثيراً عندما ينادونني باسمي وأشعر أنني بدأت من جديد.
ومعظم الأعمال الرائعة كانت نتيجة الحروب ونحن في حرب وأزمة لمدة 7 سنوات لم تخرج منا إلا الفشل ويكفي أن نسقط كل شيء على الوضع والأزمة، والعبقرية لا تنتظر بيئة حاضنة لتخرج وأحسد الشباب الذين قدموا في عمر صغير أشياء أهم مني.

هل أخذ سمير كويفاتي حقه كفنان سوري؟
نعم أخذت حقي على الصعيد السوري فإذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع والمستطاع هكذا لا يستطيعون أن يقدموا لي أكثر ونحن أخذنا حقنا بالدرجة المعقولة، والعالمية لا تعني لي لأن فننا محلي.

كم هو مهم الثنائي اليوم بينك وبين ميادة وكيف تنظر إلى تجارب غيرك؟
الثنائي الناجح قليل في العالم من الذين لم يتركوا أو يطلقوا ومن المفروض وجود شخص ديكتاتوري لأن العمل يتطلب الجدية وبيني وبين ميادة أكون شخصاً ليس سهلاً وغير جيد وذلك ليس من باب قلة الأدب ولكن ذلك ما يطلبه العمل وممكن أن يخرج مني أعنف درجات الديكتاتورية وميادة تعرفني جيداً، في العمل ولكن ما يهمني هو الحصول على نتيجة جيدة، ولذلك أقول: إن الديكتاتورية مطلوبة وإلا لم نسمع بعاصي الرحباني وهناك الكثير من التجارب في العالم والتجربة الفنية المضيئة بالنسبة لي أسرياً وحياتياً هي تجربة عاصي وفيروز.

كموسيقي ما رأيك بجديد السيدة فيروز؟
ليس من الضروري أن ينسف المنتج الجديد غيره من القديم ويجب ألا نربط بعضه ببعض والعمل الأخير بكل تأكيد ليس له علاقة بفيروز وهو عبارة عن أغانٍ أجنبية مترجمة.

إلى ماذا تحلم وما تطلعاتك؟
فنياً كل حلمي ألا أكون منسياً وأحلم أن يستفيد غيري مني مثل ما استفدت من غيري الكثير وهذا الأمر يهمني كثيراً ودائماً أفكر به، أما إنسانياً فلدي هاجس واحد وخاصة أنني فقدت في هذه الفترة الكثير من أصدقائي وهو ألا تكون القفلة مذلة.

ماذا تقول اليوم لميادة؟
الفن لم يشكل لنا هاجساً مثل عاصي وفيروز حيث كان الفن أقوى من حياتهما أما نحن فحياتنا أقوى من الفن وتهمنا أكثر، أقول لها إن سبب الاستمرارية بيننا هو القناعة وكما تقول ميادة «الي يقنع يعيش»، والحب يموت إذا لم يتجدد لذلك من الضروري أن ترى بي شيئاً جديداً حتى يبقى هذا الحب لأن الروتين يقتل أي علاقة، وأقول لها أتمنى أن يكون مشروعنا الذي صنعناه صحيحاً مع كل خياراتنا وقناعاتنا.

ماذا عن جديدك؟

لدينا حفلة يوم الجمعة 24/11 في دار الأوبرا، وقريباً هناك حفلة للموسيقا كذلك بدار الأوبرا وهي عبارة عن شارات مسلسلات الدراما وسنعود ونسمع طيور الشوك، أبناء القهر، حرائر، وأيضاً أقوم حالياً بكتابة أوبريت خاصة بقلعة حلب ستكون جاهزة الصيف المقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن