ثقافة وفن

المنهج المعتدل لتفسير القرآن في وجه المنهج المتطرف … وزير الأوقاف: الإسلام دين الوسطية واليسر والسماحة وليس العسر والتخلف والتطرف

| محمود الصالح

أمام هذا الخلط الذي يشهده العالم بين الفكر المعتدل والفكر المتطرف، والتهم المتواصلة للدين الإسلامي على أنه دين التطرف، ولمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية الذي تقيمه المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق، قدم الدكتور محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف ممايزة واضحة بين المنهج المعتدل والمنهج المتطرف من خلال تفسير القرآن الكريم، في محاضرة حضرها السفير الإيراني في دمشق جواد تراكآبادي والعشرات من رجال الدين والفكر في سورية.

قدم وزير الأوقاف التهنئة بالانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري والقوات الرديفة على الإرهاب في سورية والعراق، من خلال تحرير أراضي البلاد من رجس تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة والمجموعات الأخرى. وأضاف: عندما اخترنا هذا العنوان للمحاضرة فإنه يأتي لتوضيح الخلط بين المنهج المعتدل في تفسير القرآن الكريم في وجه المنهج المتطرف. الحقيقة أن المعجزة الباقية والقائمة حتى يرث اللـه الأرض ومن عليها، هي القرآن الكريم، لذلك نجد أن القرآن الكريم قد تحدث عن السراج المنير من خلال عدة آيات قرآنية كريمة وهي تقصد النبي محمد صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعندما يؤكد اللـه عز وجل رحمة وعطاء وعظمة هذا النبي الكريم فإنه يؤكد لنا أنه علينا الانتباه ألا نظن أن هذا النبي هو منصور بنا وإنما نحن منصورون به (وَدَاعِياً إلى اللـه بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) وسبيل النصر بسيدنا محمد صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه وسلم، هو من خلال اتباع القرآن الكريم (إن هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أن لَهُمْ أَجراً كَبِيراً) لأن القرآن الكريم هو أقوم من كل القيم الموجودة في الكون ومن الدساتير والإستراتيجيات والقوانين والعقائد في هذا الكون، وهذه المعجزة الخالدة ستبقى قاعدة راسخة عبر الزمان والمكان، لأن لكل نبي من أنبياء اللـه معجزة لكن كانت تلك المعجزات مشهدية انتهت بانتقال الرسول الكريم صاحبها إلى جوار ربه، إلا الرسول محمد صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه وسلم فإن معجزته القرآن الكريم باقية ما بقيت الأرض، لذلك الحديث عن القرآن الكريم ومواجهة التطرف الذي أصبح سلعة رائجة للولايات المتحدة الأميركية والأعراب وكل من تحالف ضد محور المقاومة، الأساس في تلك الحرب التكفيرية على سورية.
التطرف في اللغة هو الوقوف على طرف الشيء، أما في المصطلح الشرعي، التطرف هو التشدد في الأحكام والخلط بين الكليات مع الجزئيات، وقال رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وصحبه وسلم (ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون) أي المتشددون. السؤال هل التطرف موجود فقط في الإسلام..؟ الحقيقة أننا إذا نسبنا التطرف للإسلام فإن هذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية وللأسف البعض يكرر هذه العبارة في أقواله وأفعاله. الحقيقة أنه لا يوجد ما يسمى التطرف الإسلامي وإنما هناك تطرف من خلال الخروج عن الدين الإسلامي أو التعاليم المسيحية أو الهندوسية أو أي أيديولوجية من الأيديولوجيات. ونحن لا نسمي ذلك تطرفاً إنما نسميه خوارج، ولو نظرنا إلى حقيقة الدين الإسلامي لوجدنا أن اللـه عز وجل قال (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) وما دام القرآن الكريم يقول إننا وسط فقد انتفت صفة التطرف عن الأمة لا في عقيدتها ولا في معاملاتها ولا في عباداتها ولا يوجد تطرف في هذه الأمة إنما وسطية. لكن إيانا أن نعتقد بأن الوسطية أن نقف في الوسط بين الحق والباطل أو نقف في الوسط بين تطبيق الأحكام وعدم تطبيقها، هذا يسمى تحللاً وهو أسوأ من التطرف لأنه يقود إلى التطرف الآخر. الوسطية هي التيسير في تطبيق الأحكام الشرعية. لقد كان النبي محمد صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما وقال(يسروا ولا تعسروا).
لقد بني الدين الإسلامي على اليسر والسماحة وليس على العسر والتخلف. ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن الحروب القديمة قبل الإسلام لم يوجد فيها مفهوم العفو بل كان هناك إما القتل أو الأسر والعبيد، حتى جاء الإسلام فقال عليه السلام للمشركين اذهبوا فانتم الطلقاء، فكان العفو هو عنوان الوسطية والاعتدال، وكلنا يعرف قصة الرجل الذي جاء إلى الرسول صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه وسلم طالباً أن يطهره من الزنى وكذلك المرأة الغامدية. إذاً، لم يكن النبي صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلا وسطياً معتدلاً في تطبيق كل الأحكام الشرعية. أما اليوم فنجد الولايات المتحدة الأميركية وداعش وبريطانيا متساوين في قطع الرؤوس والأيدي وهذه الصورة الدموية أرادوا أن يلصقوها بالإسلام زوراً وبهتاناً والإسلام منها بريء. كل العالم يعرف حروبهم السابقة عندما حصدت أرواح الملايين وليس بعيداً عن الذاكرة ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية عندما ألقت القنبلة الذرية على هيروشيما وما نتج عنها من قتل البشر والزرع والحجر في بضع دقائق.
نحن في ديننا الإسلامي نؤكد الوسطية وعنواننا في ذلك هو الرسول عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام ومن بعده الصحابة الكرام وآل البيت وفي مقدمتهم الإمام علي بن أبي طالب كرم اللـه وجهه فقد طبقوا اليسر والسماحة والوسطية حتى كانت قضية الخوارج عندما كان جل الصحابة الكرام خلف الإمام علي بن أبي طالب كرم اللـه وجهه، قام بعض الناس وقالوا: إن الحكم إلا لله. وهنا تشددوا ورفضوا مضامين القرآن الكريم. طلب الإمام علي كرم اللـه وجهه أن يكون حكم من كل طرف لأن التحكيم وارد في نص القران الكريم. هنا بدأت البذور الأولى للتطرف والعنف وهذا ما أجمعت عليه كل المراجع، لأن هؤلاء الخوارج خرجوا على الإمام علي كرم اللـه وجهه وعلى الصحابة، وهنا أرسل إلينا الإمام علي كرم اللـه وجهه رسالة باقية إلى يومنا هذا مفادها: إياكم أيها المسلمون أن تقولوا الإرهاب والتطرف الإسلامي، بل قولوا الإرهاب والتطرف الخوارجي، وحتى نعلم الناس أن هؤلاء لا يمثلون الإسلام وإنما هم خارجون على الإسلام. ولو سلسلنا الأمر قليلا لوجدنا أن من الحنابلة انشق الحشوية والمجسمة ومنهم نشأت حركة الوهابية ومن ثم الإخوان المسلمون وغيرها من الحركات السياسية التي كانت ترفع شعار الحاكمية، إن الحكم إلا لله، تطبيق الشريعة الإسلامية، هذه هي الصورة الأساسية للتطرف. لقد تزاوج الفكر الوهابي مع الإخوان المسلمين وأنجب القاعدة ومن ثم داعش وجبهة النصرة.
السؤال هل بذور الإرهاب والتطرف موجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية؟ للإجابة عن ذلك لابد أن نعرف أنه عندما نتحدث عن المنهج الحقيقي علينا أن نعلم أنه لا يصح لأحد تفسير القرآن الكريم إلا إذا كان عالماً بالقرآن كله ولا يجوز تفسير آية واحدة وكذلك يجب أن يكون عالما بأصول وأحكام التفسير، ويجب ألا نبتر الآيات من سياقها ونعزلها عن أسباب النزول (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحرامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فإن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ..) هذه الآية أخذها البعض في غير سياقها الصحيح، لأن لها أسباب نزول هي ساحة المعركة وليست آية عامة، نعم نحن مطالبون بالقتال في ساحات المعارك ضد المشركين ليس لكونهم مشركين بل لكونهم معتدين، ودليل ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام هل قاتل المشركين أم تركهم على دينهم؟ لا يصح أن تجبر إنساناً وتحاسبه على ما أجبرته عليه. أما عندما نختار الإيمان فإننا نحاسب على متطلبات الإيمان. قال تعالى(إن اللـه يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وإذا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إنّ اللـه نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إنّ اللـه كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) ولم يقل إن حكمتم بين المسلمين.
المنهج الصحيح في التفسير هو أن نعرف كيف نشرح للناس حقيقة هذا الدين بشكل صحيح. عندما دخل الرسول صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى المدينة المنورة وضع دستورا للجميع لم يكن فقط للمسلمين بل شمل المسلمين وأهل الكتاب والمشركين، وهذا هو أساس مفهوم المواطنة.
إذا أردنا أن نفسر آية (لقد كفر الذين قالوا إن اللـه ثالث ثلاثة) يجب أن يفهم الناس أن كلمة كفر تعني الستر وهو قضية عقائدية عقلية لا تؤدي إلى القتل. من الذي ألبس كلمة الكفر بالقتل..؟ إنه التكفيري، وهم في الأصل الخوارج.
عندما نريد أن نرد على آية تتعلق بالمسيحيين يجب أن نعود إلى الآية المحكمة (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) وعندما نرى السعودية الآن وجامعة الدول العربية تفعل ما تفعله (ومن تولَّ فإنه منهم) هل من يتولى اليهود والأميركان هو من يمثل الإسلام..؟
نحن كشعب في سورية حرمنا من أداء فريضة الحج وزيارة الرسول منذ سبع سنوات رغم أننا أرسلنا مئات الرسائل بوساطة المؤتمر الإسلامي ولم نستطع أن نحقق فقط أداء فريضة الحج. الذي يريد أن يتحدث عن الإسلام يجب أن يتحدث عنه من جميع الزوايا.
إن الأجنة التي ولدت في رحم المخابرات البريطانية والأميركية أوجدت إسلاما جديدا، هذا الإسلام هو التطرف والإرهاب. نحن نقول إن الأولى بحق تفسير القرآن الكريم هو من نزل عليه هذا القرآن سيدنا محمد صلى اللـه عليه وآله وصحبه وسلم. قالت السيدة عائشة عن الرسول صلى اللـه عليه وآله وصحبه وسلم: كان قرآنا يمشي على الأرض، وقال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللـه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَن كَانَ يَرْجُو اللـه وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللـه كَثِيراً) ولم يقل برسول الله، لأن «في» تعني الشمول للأقوال والأفعال.
نحن اليوم أمام ثلاثية تقابل ثلاثية، هذه الثلاثية جرت في غزوة الخندق ونحن نتحدث عن آيات سورة الأحزاب، كانت تلك الثلاثية هي الروم واليهود وقبائل العرب المشركين التي تحالفت مع اليهود. اليوم تتكون الثلاثية من الغرب والأعراب الذين تقودهم السعودية واليهود الذين يقودهم الصهاينة. أما الثلاثية المواجهة التي انتصرت في الخندق فكان على رأسها النبي عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام، وكان يقف معه الصادقون من المؤمنين (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللـه عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ونجد ثلاثة أحداث مهمة في الخندق وهي الإيمان الذي لا يتزعزع برسول اللـه عليه السلام، وصدق المؤمنين الذي تجلى بموقف كبير أئمة آل البيت عليهم السلام الإمام علي بن أبي طالب كرم اللـه وجهه، عندما برز الإيمان كله للشرك كله. وهذا في صحيح مسلم. عندما قام الإمام علي بن أبي طالب كرم اللـه وجهه وبارز عمرو بن ود العامري في ذلك الموقف. الأمر الثالث هو الخندق الذي أشار بحفره سلمان الفارسي، وقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: سلمان منا آل البيت.
لذلك فإن التحالف المقاوم السوري الإيراني وحزب اللـه يمثل الخط الإيماني العظيم والخط الإسلامي الحقيقي وخط المنهج المعتدل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن