اقتصادالأخبار البارزة

وزير الاقتصاد لـ«الوطن»: الاقتصاد التنموي هويتنا.. ومشروع «مارشال» خاص بسورية أمر غير وارد

| المحرر الاقتصادي

«بات من المعروف أن دينامو الاقتصاد ينبثق من هُويته، فهي البيئة التي يتوخاها المجتمع لتموضع اقتصاده وتطوره».. بهذه العبارة استهل الباحث الدكتور مهيب صالحة دراسته التي نشرها مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» مؤخراً بعنوان «الهوية الاقتصادية وإعادة الإعمار في سورية»، طارحاً عدة أسئلة وصفها بالملحة، هي: أي هوية للاقتصاد السوري يمكن أن توفر له بيئة جديدة تمنحه محفزات تطورية في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها؟ وما الأسس والمعايير التي ستقوم عليها هذه الهوية؟ وما الإستراتيجية التي يجب على الدولة انتهاجها لتحقيقها؟
الإجابة عن تلك التساؤلات أتت على لسان وزير الاقتصاد التجارة الخارجية محمد سامر الخليل في تصريح لـ«الوطن» مبيناً أن هوية الاقتصاد السوري أصبحت واضحة الملامح منذ عام ونصف العام، متمثلة بـ«الاقتصاد التنموي»، التي تشكل حقيقة، مضمون العمل الحكومة خلال تلك الفترة.
وزير الاقتصاد أوضح لـ«الوطن» أن محددات هوية الاقتصاد التنموية تأتي رداً على اختلال العلاقة بين الدولة والسوق، إذ إن الدولة غير قادرة على تحقيق متطلبات التنمية في البلد من دون السوق، والعكس صحيح. أما ديناميات تطبيق الاقتصاد التنموي فتركز على تسخير واستثمار جميع الإمكانات المتاحة لدعم الإنتاج أولاً، كمنطلق للتنمية في البلد، لكونه يعد قاطرة التنمية لكل القطاعات الأخرى في الاقتصاد. وفي الإنتاج يتم التركيز أولاً على القطاعين الصناعي والزراعي، وهذا واضح من خلال جملة التسهيلات والاعفاءات والدعم والتشريعات التي صدرت لدعم هذين القطاعين، والتي ستصدر أيضاً.
الخليل الذي كان أول وزير اقتصاد خلال الحرب يتحدث عن الاقتصاد التنموي بالترافق مع ازدياد الطروحات لسيناريوهات الإعمار؛ بيّن أن ما يتحدث عنه البعض حول مشروع مارشال –المشروع الأميركي لإعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية- خاص بسورية أمر خارج ذهن الحكومة حالياً بشكل كامل، موضحاً أن ما يتم التخطيط له والعمل عليه من أجل إعمار البلد يركز حالياً على ثلاثة مستويات، الأول يتمثل بالاستفادة من كل إمكانيات الدولة السورية، ثم الاستفادة من كل مقدرات القطاع الخاص في سورية، وهي مقدرات جيدة، والمستوى الثالث يتمثل بالاستفادة من فرص التعاون والعمل المشترك مع الدول الصديقة والتكتلات الدولية مثل «بريكس» ومقدراتها جيدة، أما مشروع يقوم على الاقتراض الخارجي والمنح بشكل رئيس مثل مارشال فهو أمر غير وارد.
وبخصوص المركزية، تحدث الخليل عن وجود مشاريع قوانين وتشريعات لدى العديد من الوحدات الادراية تتم مناقشتها في الحكومة ودراستها بشكل دقيق ومفصل من أجل توسيع صلاحياتها، وهو نوع من اللامركزية، ولكن ضمن هيكل حكومي يأخذ شكلاً مركزياً، بمعنى إمران الهيكل المركزي المعرفة، بما يتناسب مع المرحلة الراهنة والمقبلة القائمة على أساس التنمية.
بالعودة إلى دراسة «مداد»، فإن الدولة انتهجت في السابق نهجاً يُعَدُّ مزيجاً من الهويات الرخوة، من التخطيط المركزي الأوامري، وتداخل العام بالخاص بالمشترك، مع ما رافق ذلك من تدنٍ كبير في الإنتاجية، وهدر كبير في استخدام الموارد، وتفاوت فظيع في توزيع الدخل، وتفشي الفساد الإداري والمالي، إلى ما يسمى اقتصاد السوق الاجتماعي الذي وسع نطاق مفاعيل السوق على حساب التخطيط المركزي ونطاق القطاع الخاص على حساب القطاع العام، مع فقدان ما تبقى من دور للدولة كضامن اجتماعي لشرائح واسعة من طبقات المجتمع الفقيرة والمتوسطة، ذلك لمصلحة قلة قليلة تستحوذ على جل الدخل القومي.
وبحسب الدراسة، يتوقف نجاح إعادة الإعمار على ثلاث ركائز: هوية اقتصادية واضحة مبنية على تميز الموارد البشرية السورية والموقع والمجال الإستراتيجي؛ هوية سياسية تؤمن الاستقرار والتنمية السياسية؛ وهوية اجتماعية تشاركية بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأهلي، وإلا فستكون وسائل التمويل ونوعية المشروعات أعباء باهظة، ترهق كاهل الشعب السوري لعقود قادمة، ويصبح الاقتصاد الوطني بلا هوية.
ورأت الدراسة أن إعادة الإعمار يجب أن تناقش من جهة الهوية الاقتصادية للبلد، وتخفيف حدة الظروف التي أدت إلى الحرب، لتقليل احتمالات تكرارها. والنظر إليها من مفهوم مختلف جداً وأكثر شمولية وأقل طموحاً مما يعتقد البعض (مشروع مارشال خاص بسورية)، لكن مع احتمال أكبر بكثير تحقيق نتائج إيجابية للمواطن السوري، وتخفيف حدة ارتهان اقتصاد البلد للخارج. على هذا الأساس فإن تصميم عملية إعادة الإعمار من تحت (المجتمع المحلي) في إطار لامركزية إدارية إلى فوق (الحكومة المركزية)، سوف يعزز استقلالية الجهات الفاعلة وصدقيتها، ويعكس احتياجات الداخل السوري وأهدافه وأولوياته، كما يخفف من احتمال حدوث فساد كبير وإثراء فاحش من عقود وصفقات إعادة الإعمار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن