ثقافة وفن

معرض الخريف السنوي يُبرز الفن التشكيلي في سورية … وزير الثقافة: للفن جانب مهم جداً في إيصال رسالة الشعوب.. ونحن نؤمن بالشباب المتابع لمرحلة الأساتذة

| سوسن صيداوي

التقليد المتبع إن كان نافعاً ودافعاً، فيا مرحباً به. هناك أفعال نقوم بها وتندرج العادة على اتباعها، كي تصبح الأخيرة تقليداً سنوياً، ومما اعتيد القيام به، معرض الربيع والخريف للفن التشكيلي، وفي كل مرة يقضي التقليد بتوجيه التحية في كل دورة من دوراتهما لأحد التشكيليين السوريين الذين كانت لهم مساهمة فاعلة في الحركة التشكيلية السورية. وبرعاية وزارة الثقافة وبحضور الوزير محمد الأحمد ومعاونه علي المبيض، وفي غمرة من الحضور الفني والإعلامي المشجع لهذه المبادرة، تمّ افتتاح معرض الخريف السنوي2017 تكريماً لمجموعة من الأسماء الراحلة في الفن التشكيلي وهي: الفنان رضا حسحس، الفنان سعد الله مقصود، الفنانة مها قواص، والفنان مروان قصاب باشي. متضمناً المعرض باقة منوعة في الأسلوب والمستوى لأعمال من التصوير (زيتي- أكريليك- مائي)، والنحت، والغرافيك، وأخيراً الفيديو آرت.

الحرب ثقافية بامتياز
قام وزير الثقافة محمد الأحمد بافتتاح معرض الخريف السنوي 2017 مشيراً إلى أهمية ربط المعرض بمكان أثري لأن في الأمر تمسكاً واعتزازاً بما لنا من تراث حضاري مهم، مؤكداً أن الحروب أول ما تستهدف حضارة الأمم وثقافتها والدليل في ذلك ما حصل في العراق ومصر ومؤخراً في سورية، متحدثاً «في البداية أحب أن أقول: إننا أمة تستند إلى سنوات عديدة من الحضارة والتراث والتاريخ المجيد، فنحن نمتلك ما لا يمتلكه الغير، لذلك كانت سورية مستهدفة، وبالنسبة إلى إطلاق معارض كهذه مهمة من أماكن تراثية، يعود السبب لأن خان أسعد باشا من الأماكن التراثية- والذي انطلق منه معرض الخريف السنوي- والطرف الآخر يحسدنا على ما نمتلكه من كم هائل من الآثار، وعلى الكم الهائل من التاريخ المجيد، وتقديراً واعتزازاً بما لدينا لابد لنا في مناسبات ثقافية من هذا النوع، من إظهار هذه الأمكنة والعودة إليها كلما قصدنا العمل الثقافي. وهنا لابد أن أشير إلى نقطة دائما أتحدث عنها، وهي كوننا أمة تمتلك هذا الماضي العريق، لهذا تم استهدافنا، فمثلا عندما سقطت بغداد، أول ما تم نهبه كانت آثار متحف بغداد وذلك بغرض محو الذاكرة، وكذلك لما تعرضت مصر لما تعرضت إليه، حاولوا أيضا نهب المتحف المصري لمحو الذاكرة، وبالتالي أقول هذه الحرب لم تكن فقط حربا سياسية، بل هي حرب ثقافية بامتياز، كما أشار السيد رئيس مجلس الوزراء عماد خميس يوم افتتاح مهرجان يوم وزارة الثقافة (يوم الثقافة.. لوعي الحياة)، ونحن تنبّهنا لهذه المسألة منذ البداية، لذلك كانت وزارة الثقافة طوال سنوات الحرب، تحاول أن ترد على قتلة البشر وأكلة الأكباد، وعلى كل من روّع ومارس القتل بوحشية، من خلال الفكر والثقافة بهذا الماضي المجيد الذي نمتلكه. وفي مناسبة افتتاح معرض الخريف السنوي، نؤكد أن هذا المعرض يبرز الفن التشكيلي في سورية، واليوم عندما نستعرض هذا الكم الكبير من اللوحات، نكتشف كم أن هذا البلد يمتلك من الحضور بما تضمنه من ألوان وفن وحالات ومشاريع، إذاً هذا ليس أمرا عبثيا، بل يستند- كما أسلفت- إلى تاريخ مجيد وإلى حضور سوري عظيم، لهذا علينا بشكل جدي الحفاظ عليه وإبرازه. هذا إضافة إلى الإشارة إلى الجانب المهم للفن في إيصال رسالة الشعوب، واليوم يمكننا القول بأننا انتصرنا من خلال تضحيات الجيش العربي السوري، كما انتصرت سورية بفضل مثقفيها ومبدعيها وفنانيها، وبفضل هذا الموروث العظيم الذي نملكه. أما بالنسبة إلى الأعمال المعروضة هنا نرى بأن المعرض يتجدد من عام إلى آخر، ونحن نؤمن في وزارة الثقافة بالشباب الذين يتابعون مرحلة الأساتذة، ومن الأساتذة الذين شاركوا بأعمال: أسماء الفيومي، وإدوار شهدا والأستاذ علي سرميني- أنا فقط استشهدت بما أسعفتني به الذاكرة- وأيضا يضم المعرض مجموعة كبيرة من الأسماء اللامعة في الفن التشكيلي السوري، ويمكن للمشاهد أن يلاحظ بأن الأعمال هي خليط بين القديم والحديث، وأخيرا نحن نؤكد أنه من مهام الثقافة بأن نكمل دور من سبقونا وأن نستفيد من الخبرات التي تشكّل منها هذا الفن العظيم وخاصة أن الوزارة تمتلك عشرات الآلاف من هذه الأعمال».
نبض القيم المضافة

من جهته كان الفنان التشكيلي علي سرميني حاضرا كعادته في افتتاح معرض الخريف السنوي ومشاركا أيضا، كان يتجول بين جنبات المعرض، سعيداً بما يراه من لوحات وأعمال تؤكد بنظره أن الفن التشكيلي هو نبض الثقافة ونبض الحياة، مشيدا بالدور المهم الذي تقوم به وزارة الثقافة في تشجيع الحركة التشكيلية السورية بالرغم من الظروف التي تعرضت لها سورية خلال السنوات السبع الماضيات، متحدثا «في الحقيقة منذ عام 1992 وأنا أشارك في معارض الدولة الرسمية، وأشارك دائما في معرض الربيع السنوي في حلب والخريف السنوي في دمشق، وهنا أنتهز الفرصة كي أشكر وزارة الثقافة والقائمين عليها لتشجيع الفن والفنانين، وخاصة أن الوزارة حتى في زمن الإرهاب الظلامي، لم تقف يوما أو تتوان عن نشاطها، بل على العكس نراها حاضرة وتقوم دائما بتشجيع المعارض الفنية والنشاطات والورشات، ليس هذا فقط بل الأهم وزارة الثقافة وخلال السنوات السبع لم تتقاعس عن اهتمامها بالفنانين، فالقائمون هم أوفياء لنا، بتشجيعهم وتكريمهم لنا ونحن أحياء، كي نضيف للشباب، ونقوم بتطوير الحركة التشكيلية السورية بالرغم من توقف الحركة التشكيلية في مكان آخر، إذاً الوزارة تابعت لأنها تعتبر الفن التشكيلي حالة من حالات الإبداع والفن الجميل وحالة من حالات الثقافة أيضا، وهو نبض الحياة ونبض التألق، ونبض التطور، وأخيرا نبض القيم المضافة إلى التشكيل السوري والعربي والعالمي».
بالحجر المكسّر نبني

تحدث الفنان التشكيلي مصطفى علي عن مشاركاته في معرض الخريف السنوي منذ كان شابا، مشيرا إلى أن مشاركة الشباب إلى جانب الأساتذة المخضرمين في الحركة الفنية التشكيلية هي دافع باعث مهم للاستمرار في عملية الإبداع الفني، متابعاً «هذا المعرض أصبح جزءا من تاريخ الفن التشكيلي المعاصر، وأنا منذ كنت شابا وحتى اليوم أشارك في هذا المعرض. وفي المعرض هناك دائما تجدد بالوجوه، فهو يجمع دائما شباباً يشاركون مع الأساتذة الكبار. في الحقيقة العلاقة بين جيلين يخلق نوعاً من الحركة ونوعاً من التنويع، ومشاركة الشباب مع الجيل الأكبر تعطيهم نوعاً من الحماس والاستمرار بعملية الإبداع والإنتاج الفني. بالنسبة إلى عملي الذي شاركت به في المعرض مستوحى من الأحداث، وهو مبني من الشظايا ومن آثار الحرب التي ساهمت بتدمير البلد وبتدمير الإنسان السوري، إلا أن العمل واسمه «سقوط الحجر» يدل على أنّ الحجر يفقد أجزاء ولكن لا يُدّمر ولا ينتهي، وبالنتيجة نعود وننهض ونتكوّن من جديد ونتشّكل كي نبني حياة فنية وحياة ثقافية وحياة اجتماعية في هذا البلد».

المعرض يحتاج إلى إعداد أفضل
من بين المشاركين كان للفنان التشكيلي إدوار شهدا مشاركة، ولكنه اقتصر في حديثه على بعض من سلبيات المعرض، مطالبا بالاهتمام أكثر من حيث الإعداد والتقديم في الأعمال، قائلاً «في الحقيقة يحتاج المعرض بشكل عام إلى إعادة نظر، سواء من خلال طريقة العرض، أو من خلال طريقة الانتقاء، فهناك مستويات متفاوتة جدا بين الأساتذة وبين الشباب، كما أن هناك أعمالا جدّ جميلة، وبالمقابل هناك أعمال جدّ سيئة- فالمعرض خليط- هذا إضافة إلى أن كثرة الأعمال لا تسمح للمشاهد بأن يرى العمل بطريقة صحيحة، وخاصة أنّ كل الأعمال معروضة بالقرب من بعضها. كلامي هذا ليس بجديد، فهذه هي طريقة المعرض ولم تتغير، وبالطبع هذا لا يمنع أن أعود وأزور المعرض أنا والأصدقاء الفنانون، لنشاهد المعروضات بروية ونتناقش بها، ولكن بشكل عام أنا أرى أن معرض الخريف السنوي يحتاج إلى إعداد أفضل من الحاضر».

منح دافعاً كبيراً
من المشاركات الشابة الفنانة التشكيلية رنيم اللحام التي شعرت بالفخر لأن عملها كان بجانب أعمال أساتذتها، مؤكدة أن معارض كهذه تشّجع الشباب وتحملّهم المسؤولية، وقد قالت «أنا خريجة فنون جميلة ومعيدة بالجامعة وطالبة ماجستير، شاركت بلوحة 100×120 وهي موديل بورتريه مع يدين، هي لوحة كنت أنجزتها ضمن أعمال سابقة وأحببت أن أشارك بها، وخاصة أنه أمر جميل جدا أن نشارك نحن الشباب مع فنانين كبار له اسمهم الكبير بالفن، وأن يتم عرض أعمال لنا بجانب أعمالهم، هذا الأمر، منحني دافعا كبيرا كي أنطلق لأكون يوما في أعمالي على القدر من الأهمية مثل أساتذتي، وبالنسبة للمستوى في اللوحات التي يضمها المعرض، من الطبيعي ألا تكون كلّها بالمستوى نفسه، فالفن نسبي ولا يمكن أن يُعجب الكل وإلا كان الأمر ليس صحيحا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن