ثقافة وفن

صناعة الخير

د. اسكندر لوقا : 

بين الخير والشر ثمة رباط وإن يكن تمييزه صعباً بعض الشيء، لكن ذلك ليس مستحيلاً تماماً على كل حال. إن عملاً كهذا لا شك يتطلب جهداً استثنائياً وبلا حدود، كذلك هو يتطلب قدرة فائقة على قراءة تفاصيل المسائل الشائكة في الحياة عموماً ومنها، على سبيل المثال، الخير والشر.
هنا قد يتفاوت الاستعداد بين شخص وآخر لخوض مثل هذه التجربة، وقد تتسع رقعتها، ولذلك تبدو المواقف بين الناس نسبية. ومع هذا فإن مجرد الشروع في محاولة الفصل بين الخير والشر في داخلنا بداية، يعد خطوة أولى ولكن بالغة الأهمية من حيث المبدأ، وذلك لاكتشاف مَنْ نحن أولا على حقيقتنا، ومن ثم مَنْ هم الذين حولنا على حقيقتهم بالدرجة الثانية. المهم هو السعي بحثاً عن الخير، أين هو بالضبط وأين هو المعادل المعاكس له أين هو الشر؟
ونحن نعلم أن الإنسان عند ولادته يكون نقياً تماماً من الشوائب. بيد أن من طبيعة الحياة أن تحمل إليه بعضاً من تلك الشوائب مع مرور الزمن، وذلك بفعل النشأة في بيئة لها مواصفاتها الخاصة، كما الأسرة، كما المدرسة، كما المجتمع في آن واحد. وبمقدار ما تكون البيئة نقية، كما الأسرة والمدرسة والمجتمع، يكون الإنسان الذي يتأثر بما يحيط به، ذلك لأن الخير كما الشر، انعكاس لما يشتمل عليه المجال الذي يحيط بالإنسان في نهاية المطاف.
وبطبيعة الحال، لا بد من الإشارة إلى عوامل المواجهة أو الرضوخ الكامنة في نفس الإنسان وعقله، فإما أن يستسلم أو يرفض وإما أن يغلب الشر الذي فيه أو الخير الذي فيه. ودائما نزعة الاستسلام إلى الغريزة كما هو معروف، قادرة على تحويل مسار صاحبها تحت تأثير المغريات. ودائما ينجم الصراع بين نزعة الشر ونزعة الخير، ودائما أيضاً تكون الغلبة للجانب الذي يتخطى الانزلاق إلى خندق الخطيئة إذا كان هذا الجانب محصنا بالتربية، سواء أكان ذلك في إطار البيئة أم الأسرة أم المدرسة أم المجتمع.
وفي هذا المنحى يكون الوعي تحديداً لدى الإنسان هو البوصلة التي توصله إلى صناعة الخير وإقصاء نزعة الشر من ذاته قبل إنزال العقوبة عليه في حال غلبته نزعة الشر.
ولإمكانية صناعة الخير، نقرأ للروائي والمسرحي والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (1905 – 1980) نقرأ قوله: تعلمني أن الخير مستحيل أنا أراهن إذاً على أنني سوف أصنع الخير.
هذه الإمكانية متاحة في تقديرنا لكل من يؤمن بأن الإنسان لم يولد شريراً، بل جاء إلى الحياة خالياً من كل ما يشير إلى ذلك، وبقي على هذا المنوال إلى أن تضافرت عوامل أخرى جعلته، أحياناً ضائعاً بين الخير والشر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن