ثقافة وفن

الثقافة الوطنية ودورها في تحقيق النصر … نحن نُستهدف ثقافياً قبل أي أمر آخر … وزير الثقافة: عندما يستهدفون الحجر قد نوجد بدائل له ولكن عند تدمير الأثر الثقافي يصبح الأمر صعباً

| سوسن صيداوي- سارة سلامة – ت: طارق السعدوني

تعد الثقافة نقطة انطلاق لسورية مابعد الأزمة والحرب التي شنت عليها، وفي هذا الإطار أعدت وزارة الثقافة عدداً من الأنشطة التي تزامنت مع احتفالية يوم الثقافة الذي يصادف 23-11، فكانت إضافة إلى الاحتفالية الكبرى وتكريم المبدعين السوريين، مجموعة من المعارض والندوات المرافقة.
وتأتي ندوة الثقافة الوطنية ودورها في تعزيز الانتصار ضمن هذا النطاق، والتي نظمت على يومين في مكتبة الأسد الوطنية، لتشكل قراءة للحرب على سورية والطرائق التي يجب أن نتبعها للخروج من الواقع الثقافي الذي تأثر سلباً في هذه الحرب.
وأرادت الندوة أن تقدم مجموعة من الرؤى والقراءات لمجمل الواقع السوري، فتناولت المجتمع، الإعلام، الآثار، الملكية العامة، التربية والتعليم، ومحاور أخرى عديدة قدمها مجموعة من المثقفين والإعلاميين.
فهل تشكل مثل هذه الندوات واللقاءات نقطة انطلاق لسورية والإنسان السوري بعد الانتهاء من هذه الحرب الظالمة؟
وهل تشكل هذه اللقاءات نقطة في تعزيز الثقافة الوطنية؟

وقائع اليوم الأول

كلمة يجب أن نعتز بها هي: الثقافة، الحراك الثقافي ضروري في بناء المجتمعات، والسعي للنهوض بها، ومن أجل ذلك لابد من تنشيطه بشكل دائم عبر المهرجانات والمعارض والفعاليات المتنوعة. واليوم ونحن في سنتنا السابعة من الحرب المفروضة على أرض السلام سورية، كان لابد لنا من أن نتمسك بثقافتنا الحضارية الأصيلة، بعيداً عما تمّ بثه في عقول الأبناء من أمور مغلوطة. ومن أجل هذا- بل أكثر- تسعى وزارة الثقافة جادة وبكل ما تملكه من إمكانيات، كي تبث الثقافة، التي هي حقا وعي الحياة. وفي غمرة ما تعيشه سورية اليوم من أسبوع ثقافي حافل، واحتفاء بيوم الثقافة (يوم الثقافة… لوعي الحياة)، تقام النشاطات المتنوعة في كل المجالات، التي ومن كثرتها وتعددها تصعب متابعتها، ومن أجل التركيز على جوانب الثقافة الوطنية السورية بقيمها الوطنية القادرة على تحقيق الانتصار، انطلقت الندوة الوطنية (الثقافة الوطنية ودورها في تحقيق النصر) برعاية وحضور السيد محمد الأحمد وزير الثقافة، وبحضور حشد من المثقفين والإعلاميين والسياسيين في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق.

كلمة الثقافة
أكد وزير الثقافة ضرورة هذه الندوة- لكونها تأتي لتغطية العديد من جوانب الثقافة الوطنية، مؤكدا رقي الثقافة السورية التي عرفها التاريخ، وأن ندوات كهذه لها أهميتها في التركيز على النشاطات الثقافية وهي ضرورة من أجل تعزيز الثقافة ودراسة ما اعتراها من وهن أو ضعف كي يتم تداركه وتلافيه في المستقبل، مشيراً إلى أن الندوة تحمل بعداً نقدياً يمثل أرضية مناسبة للانطلاق نحو الجوانب السلبية، لمعالجتها وتعزيز الثقافة الوطنية الإيجابية التي تغيّر وجهاً مرّ علينا في الظروف الراهنة، هذا وبالنتيجة النهائية هي ضرورة لإبراز الوجه السوري الحقيقي الحضاري بكل قيمه الراقية.‏ متابعا قوله «نحن نُستهدف ثقافياً قبل أي أمر آخر.. وعندما يستهدفون الحجر قد نستطيع أن نكوّن بدائل له.. لكن عندما يدمر أثر فمن الصعب أن نعيده إلى مكانه… لذلك ونحن على أبواب النصر الكبير يمكننا القول إن سورية انتصرت بفضل كتابها ومثقفيها كما انتصرت بفضل سواعد أبطال الجيش العربي السوري، فسورية بلد يستند إلى آلاف السنوات من الحضارة، ويستند إلى فعل ثقافي عريق ومقاوم ومتجدد باستمرار، هذا ونحن في يوم الثقافة نقول إن سورية انتصرت ثقافياً قبل أي أمر آخر».

بداية الندوة
قبل بدء الندوة أعمالها ألقى الكاتب بديع صقور كلمة المشاركين، متحدثا فيها عن أهمية مناقشة العناوين المطروحة لملامستها للمرحلة الراهنة التي تمر فيها الأمة، قائلاً: «إن الحرية ثقافة وحياة ولن تكون حراً ما دمت جاهلاً، الثقافة تعلمنا قبل أي شيء حب العدالة مثلما تعلمنا بناء الحياة البشرية، الثقافة القمر الذي لا يغيب…. كم هو جميل أن نشيّد للكلمة في قلوبنا بيوتاً شامخة، بيوتاً لا تهزها الزلازل ولا تقوضها العواصف، بيت شعر جميل، كلمة تطلع منها شمس المحبة خير من ودائع الملوك وخزائن الأباطرة والطغاة».

في الجلسة الأولى‏
بدأت الندوة في جلستها الأولى التي أدارها دكتور إسماعيل مروة، متناولة عدة نقاط، وفي العنوان «دور الثقافة في بناء إنسان المستقبل» الذي تحدث خلاله الأديب بديع صقور، قال «نستطيع القول إن الثقافة الاجتماعية هي اختراع بشري، وتؤدي دوراً جوهرياً في بناء الإنسان وتطوير المجتمع وبلورة الوعي الإنساني، وللمؤسسات التربوية دور حقيقي في ذلك وبإيجاز نقول: إن الفارق نوعي وكبير بين المجتمعات الناضجة ثقافياً وتربوياً وبين المجتمعات المضطربة، وبذلك نقول إنه لا ثقافة ولا تربية ما لم تتنقل من المثقف الفردي النخبوي إلى ثقافة المجتمع وقوة القواعد القانونية، ونحن بأشد الحاجة إلى مشروع تربوي ثقافي بعيد عن الأهواء والاتجاهات». ، وفي العنوان «الانتماء من الغريزة إلى الوعي» تحدث الدكتور عاطف البطرس مؤكدا أن الوطن ليس أرضاً فقط، بل هو إنسان وتاريخ ولغة وثقافة، مؤكدا على فكرة مهمة وهي أن الوطن ليس ما يؤمن للفرد احتياجاته المادية فقط، مشددا على أن الوطن هو هوية ثقافية قابلة للتشكّل بشكل مستمر، مبيناً أن الوطن هو أرض الأجداد وتاريخ نضالاتهم وأحلامهم وانكساراتهم، وبأن الانتماء إلى الوطن ليس حاجة مادية نفعية، بل هو وعي لمفهوم الدولة الوطنية القائمة على وحدة الأرض والمحافظة على النسيج الاجتماعي ووحدة المؤسسات، متحدثا «إن شعور الإنسان بالانتماء، إحساس فطري يلازمه منذ نشأته طفلاً متصلاً بثدي أمه، حاجته إلى الغذاء تشده إلى التعلق بها، ينمو الشعور كلما تقدم الطفل باتجاه الوعي إذ ينتقل الإحساس بالحاجة إلى ضرورة حياتية تشمل الحنان والأمومة والتعلق بالجذور». ‏وفي العنوان «إشاعة ثقافة الحوار»، أشار علي قاسم رئيس تحرير صحيفة الثورة إلى أن العنوان يطرح في ثناياه الكثير من الإشكالات القائمة التي تعزز الإحساس بالحاجة إلى فهم الظرف التاريخي الذي تصبح فيه ثقافة الحوار بحاجة إلى من يشيعها، قائلاً: «في وقت نحتاج فيه إلى الحوار الحقيقي ليس في سورية بل في العالم كله، تبدو الضرورة ملحة بل أكثر من ذلك عندما تعصف بنا الرياح فلا ملجأ لنا إلا الحوار، وهذا الحوار حريّ بنا أن نضعه وأن نعرف متى نتحاور وكيف ولماذا وما الغاية من الحوار؟» متابعاً: «علينا أن نسلط الضوء على الحوار كمفهوم أكاديمي ومعرفي وكحاجة طبيعية تشتد وتكبر في الظروف ما فوق الطبيعية، وكمعطى يتم اللجوء إليه في الأزمات الوطنية، وكنوع من التعبير الطبيعي لحراك المجتمع ودوره في تنمية المعرفة المجتمعية بأبعاد سياسية وفكرية».

في الجلسة الثانية
تناولت الجلسة الثانية ثلاثة عناوين، في العنوان الأول «الثقافة الوطنية والنسيج الاجتماعي» تحدث عطية مسوح عن أهم الإشكاليات التي أصابت مفهوم الثقافة الوطنية وتحوله من مفهوم مناهض للثقافة الاستعمارية، إلى مفهوم ضاقت مساحته، وأصبح يعطي للثقافة الوطنية مضموناً طبقياً، وبالتالي أصبحت كل ثقافة لا تتناول الطبقة الكادحة خارج الثقافة الوطنية. متابعا بأهمية التفكير بما سمي (ضرورة إعادة بناء الثقافة الوطنية) عبر خمس نقاط وهي:الانتقال من الأحادية إلى التعددية ونشر ثقافة الاختلاف وقبول الآخر، وتوسيع طيف مفهوم الثقافة الوطنية ليشمل كل ما يعزز الذوق الجمالي، ونشر الثقافة العصرية الحديثة والربط بين الوطنية ومحاربة التخلف وفتح الأبواب أمام الثقافات العالمية والخلاص من وهم النقاء الثقافي، وتعزيز نزعة الشك المعرفي لدى الجميع، وأن تنطلق الثقافة من مبادئ المواطن والتركيز على المثقفين لتقوية وحدة المجتمع وتعزيز الانتماء للوطن.
وفي العنوان الثاني «إعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة» تحدث محمد البيرق عن الحاجة الضرورية لإعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمواطن، للوصول إلى تحقيق معادلة «العقد الاجتماعي» الذي يأتي من خلال الاجتهاد بالعمل المؤسساتي وتفعيل عمل منظماتنا التي تضم المواطن الطليعي وتبقى معه حتى يصير نقابياً. كما أشار إلى ضرورة تنفيذ المشروع الوطني للإصلاح الإداري ليكون البنية الأساسية في بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية، كما طرح حلولاً تعمل على إعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته مثل: ضرورة البدء بتحفيز الشعور بالمواطنة والولاء والعمل بروح الجسد الواحد، وملاحظة النقاط الأساسية التي تهم المواطن والتعامل معها بشفافية، وتقديم أفضل مستوى معيشي وأولى العمليات هي مسألة إصلاح الرواتب والأجور حسب المستطاع، وإصلاح النظام الضريبي ومنه نستطيع تطويق الفساد وتحجيمه، وهذا يتم أيضاً بمساعدة من الإعلام، وأن يكون الإعلام الجسر الشفاف الواضح بين الحكومة والمواطن، فالمواطن السوري يثق بالدولة لكن لا يثق كثيراً بمؤسساته.
وفي العنوان «تكريس ثقافة الفكر النقدي تحدث د. عبد اللطيف عمران بأن ثقافة الفكر النقدي لدينا في رفوف المكتبات وفي جلساتنا الخاصة، وبأن المجتمع السوري مجتمع نقّاد وتضفي عليه مظاهر التعدد والتنوع الحزبي والاجتماعي والعرقي والديني حيوية وقيمة معرفية، ثم تساءل إذا كان النقد ممارسة مسؤولة وعلنية ومنهجية بالمستوى المطلوب نظرياً وعملياً، فهل تقوم المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والحزبية والمنظمات بالمراجعة النقدية المطلوبة؟ منوهاً بأنه من جهة مازلنا نعمل وفق منطق المسلمات التي لا يؤمن بها الفكر النقدي، موضحاً أن الفكر النقدي الذي نقصده هو بنّاء وعلمي وغير مؤلم، وهو أصيل في الفكر الاشتراكي، وهو العملية العقلية النشطة والمتقنة لاتخاذ القرار، والتي يجب أن تعتمد على التحليل والاستدلال والتركيب والاستنتاج، ومن مستلزماته الثقة التي لا تناهض الشك والتواضع الفكري والانفتاح على الآخر وتجاربه. مبيناً أن الفكر النقدي بحاجة إلى ترسيخ أولاً وإلى تنمية وتطوير ثانياً، وإلى متلق إيجابي وفاعل وقادر على الفرز والتمييز واتخاذ القرار.

وقائع اليوم الثاني
وفي اليوم الثاني من الندوة بمحاورها المتعددة تناولت جوانب الثقافة الوطنية وتعزيز دور الثقافة والتنمية، تلك الثقافة السورية الراقية التي عرفها تاريخ سورية، بغية تعزيزها، ودراسة الجوانب التي اعتبرتها وهناً أو ضعفاً، وهذه الندوة تحمل بعداً نقدياً، ولكنها لا تقصده بذاته، بل يمثل البعد النقدي أرضية مناسبة للانطلاق منها إلى الجوانب السلبية لمعالجتها، وتعزيز الثقافة الوطنية الإيجابية التي تغير وجه ما رأيناه، لتبدأ عملية الخروج من الأزمة، بل إن القيم الوطنية هي صاحبة الدور الأكبر في تحقيق الانتصار على الحرب التي تشن على سورية، إلى جانب قواتنا المسلحة.

مواكبة الانتصارات
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال مستشار وزير الثقافة نزيه خوري: إن «هذه الندوة التي تحمل عنوان «الثقافة الوطنية ودورها في تحقيق النصر»، هي استكمال لندوة بدأناها العام الماضي باسم «الثقافة في مواجهة الإرهاب»، ولا بد للإرهاب من أن ينتهي واليوم نرى نهاية له باعتبار علامات النصر بدأت تلوح في سورية بعد تحرير دور الزور والبوكمال، ومن الطبيعي أن تواكب الثقافة الأحداث التي تمر فيها البلد ولذلك كان عنوان ندوتنا هو مواكبة لانتصارات الجيش من خلال الثقافة».

ضرورة الفكر النقدي
وكان المحور الثاني بعنوان «الثقافة والتنمية» تخللها عدة كلمات وأدار الجلسة الأولى الدكتور عبد اللطيف عمران الذي تحدث عن «تكريس ثقافة الفكر النقدي» وقال: «نحن الذين نعيش في هذا الزمن الصعب، وفي هذه المنطقة المتعبة من العالم، صرنا الأكثر خبرة ودراية ووعياً لضرورة الفكر النقدي، والفكر النقدي منظومة من المصطلحات والممارسات والمفاهيم، فهناك من يرى مرادفاً له المراجعة النقدية، أو التفكير النقدي، والرؤية النقدية، وهناك من يرى فرقاً بين ذلك وبين النزوع الجارف نحو الانتقاد الذي غالباً ما يكون هداماً لعدم اقترانه برؤية موضوعية بناءة قابلة للتحقق، ولافتقاره البدائل المجدية».

تجسيد الروح الوطنية
وفي تصريح له أكد الدكتور حسين جمعة: أن «هناك تكاملاً بين عناصر الندوة من خلال العرض الذي قدمته عن مفهوم التنمية ومفهوم الثقافة ومن ثم كيف يكون هناك تكامل بين التنمية وبين الثقافة وربطها بالمؤسسات التربوية والثقافية والتعليمية والإعلامية وأكدت أن هذا التكامل ينبغي أن يؤدي إلى صناعة مفاهيم واحدة حول الوطن ومن ثم تجسيد الروح الوطنية وما يتعلق بالهوية وبالعلاقة الوطنية بين ما هو وطني وما هو قومي وكيف إذا بنينا هذه الأشياء أستطيع أن أقول إننا بنينا الجدار المتين للتنمية تنمية الموارد البشرية التي تعزز روح الارتقاء وروح التطلع نحو المستقبل وتعبر إلى المستقبل بشكل صحيح».
ومما جاء في محوره الذي حمل عنوان «ربط الثقافة بالتنمية»، «لا مراء لدينا في أن الدوائر الصهيوأميركية وغربية قد طورت كثيراً من أساليبها في الاعتداء على سيادة الدول وكرامة شعوبها، فلم تعد تتدخل في شؤونها الداخلية والوطنية تدخلاً مباشراً، وإنما راحت تسيطر على مقدراتها البشرية والطبيعية، السياسية والاجتماعية الثقافية والاقتصادية بطرائق خفية، ما يعني أن أي تطور يحصل في عملية تنمية الموارد البشرية والإدارية والاقتصادية والعسكرية إنما يصبّ في مصلحة تلك الدوائر، ولاسيما أن اللعبة الأخطر اليوم تستند مخططاتها إلى تسخير الدول والشعوب بمهارة فائقة لمصالحها باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مستفيدة من البيئة الثقافية والاجتماعية المتخلفة، كما تستفيد من الأخطاء التي تمارسها أي سلطة وطنية في عملية التنمية الشاملة».

تنمية الثقافة الإنتاجية
ومما جاء في كلمة الدكتور مصطفى العبدالله حول (تنمية روح الثقافة الإنتاجية): «حماية الثقافة وتطويرها هما غاية في حدّ ذاتها ووسيلة للمساهمة المباشرة لتحقيق جزء مهم من أهداف التنمية المستدامة أي: مدن آمنة ودائمة، شغل لائق ونمو اقتصادي، تقليص في الفوارق، حماية للمحيط، مساواة بين الجنسين، مجتمعات سلمية وشمولية، لكن العمل بأهداف التنمية يسمح أيضاً بجني فوائد غير مباشرة من الثقافة وتنمية روح الثقافة الإنتاجية، ورغم أن درجة التركيز على العناصر المكونة لمفهوم الإنتاجية تختلف من كاتب لآخر وفقاً لدرجة اهتماماته العملية أو العلمية فإن المعنى العام يبقى واحداً وهو فعل الكثير بالقليل (Doing more with less)، وينطبق هذا المفهوم على جميع المستويات بدءاً بالفرد وانتهاء بالدولة».

العمل كقيمة روحية
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال حسن م يوسف: «من المفيد أن ننظر إلى الخلف كي نتجنب الثغرات التي وقعنا فيها وهذه الندوة هي دراسة ومحاولة لكشف نقاط الخلل في علاقة الثقافة بالواقع وفي الوقت نفسه هي احتفاء بعناصر القوة التي مكنتنا من الصمود طوال هذه السنوات السبع من الهجمة الفاشية التي مورست على وطننا الحبيب سورية».
وأضاف يوسف: «إنني لم اختر العنوان الذي تحدثت فيه ولكنني حاولت أن أقول رأيي وأطلب إعادة الاعتبار للعمل كقيمة شخصية بمعنى أن نحوّل العمل إلى شرف الشخص لأننا بكل بساطة ننظر إلى العمل بسبب الخروقات التي جرت خلال فترة الاستعمار التركي والفرنسي كما لو أنه ليس لنا وليس لوطننا، نعتبره وكأنه للآخر لذلك نقصر ونهمل ويجب علينا إعادة الاعتبار للعمل بوصفه شراكة مع المواطن».
وأكد يوسف في محوره الذي جاء بعنوان «الموقف من العمل كقيمة ثقافية» أنه «على الرغم من أن كل نصوص الأديان السائدة في بلادنا، تحث الإنسان على العمل كقيمة روحية واجتماعية، وتحض الفرد على النزاهة والاجتهاد وتحمل المسؤولية، إلا أن ثقافة العمل في مجتمعنا لا تزال مخلخلة وتخضع لظروف الأفراد وأمزجتهم، فرغم أن تراثنا الحضاري ينطوي على منظومة متكاملة ومقوننة من أخلاقيات العمل، إلا أن هذه المنظومة موجودة بالقوة لا بالفعل، فالجميع يتحدثون عن أخلاقيات العمل، لكنهم غالباً ما يناقضونها في سلوكهم اليومي وقد ترسخت لدينا هذه الممارسات المنفصمة خلال عهدي الاستعمار العثماني والفرنسي، إذ تعرض مفهوم العمل كقيمة إنسانية على مدى أكثر من أربعة قرون لسلسلة عمليات متتالية من التشويه المنهجي، فحيث تنتشر المحسوبيات والفساد الإداري، تكون علاقة الفرد مع مراكز القرار أهم بكثير من مهاراته العملية وثقافته النظرية، وقد تكون البراعة في العمل مصدر نقمة على العامل الماهر فخلال فترة الاستعمار التركي لبلادنا تم ترحيل آلاف الحرفيين المهرة من المدن والبلدات السورية إلى مراكز السلطنة، ولم يعد منهم إلا القليل».

ثقافة فوضوية
وفي الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور علي قاسم ألقى الدكتور إسماعيل مروة محور «ثقافة احترام الملكية العامة والمحافظة عليها» حيث قال: «في سنوات الحرب على سورية ظهرت ثقافة فوضوية، اعتدى كثيرون على المرافق العامة والبنية التحتية، والمباني العامة، وقد سوغ هؤلاء عملهم بأن هذه الملكيات للدولة، وأن من حقهم أن ينالوا مما تملكه الدولة، وهذا المحور يناقش آليات بث روح الوعي لدى الناس باحترام الملكيات:
الملكيات العامة لكونها ملكية للجميع ربما في ذلك الأشخاص الذين يعتدون عليها، وأن هذه الملكيات نتاج جهد شعبي وعبر مئات السنين، وأن النيل منها سيؤدي إلى تردي الخدمات ومن ثم إلى ضائقة على عامة الناس لتسترجع هذه الملكيات عافيتها».

الغنى الثقافي
وتحدث الدكتورة عبير عرقاوي في كلمتها عن «الحفاظ على الهوية المعمارية والعمرانية خلال إعادة الإعمار»، حيث قالت: «الحفاظ العمراني على المدن والأحياء التاريخية لما له من أهمية في حفظ ذاكرة الوطن واستمراره بالغنى الثقافي والحضاري المهم نفسه، والحفاظ المعماري على المباني والأوابد المهمة كجزء من الحفاظ العمراني ولكنه يبين أهمية حماية الأوابد التاريخية المهمة كجزء من حفظ هوية المدن والأحياء والمواقع، وأيضاً الغنى الكبير لهذه الأوابد في بلادنا».

بناء الفرد السوري
وفي محوره حول عنوان: «تشجيع المبادرات الفردية والجماعية في إعادة البناء»، قال الدكتور صلاح الدين أحمد يونس في محوره: «إن المحنة السورية جديرة بأن تدفعنا إلى الإقرار بضرورة إعادة البناء على الصعد كافة وفي مقدمتها.. بناء الفرد السوري، ونرى أن «التعليم الحديث» بكل حمولات الحداثة هو الخطوة الرائدة في هيكلة الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية وأما الخطوة اللاحقة.. فهي إعادة بناء الحياة السياسية على أسس وطنية ليتسنى للمستويات الاجتماعية كلها المشاركة في البناء الوطني، ما يعزز الجبهة الداخلية في مواجهة الجبهات الخارجية».
وفي ختام الندوة وجه المشاركون فيها برقية لسيادة الرئيس بشار الأسد جاء فيها: «يعلن المجتمعون في كلماتهم وأوراقهم البحثية تطلعهم إلى سورية الآمنة المستقرة المتقدمة، ويقفون إلى جانب جيشهم البطل في ظل قيادتكم الحكيمة، إذ آمنوا بأن الكلمة الوطنية المناضلة والمقاومة رفيقة البندقية في ثقافة التحرير والمقاومة، ويحيون أرواح الشهداء الأوفياء، ويثمنون جراح الأبطال متمنين لهم الشفاء، والنصر لجيشنا وحلفائه، والخزي والعار للخونة العملاء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن