قضايا وآراء

من سوتشي طريق واحد للحل السياسي.. لكن بمسارين

| يونس أخرس

على وقع انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه في البوكمال وهزيمة داعش، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقاءاته في سوتشي إعلاناً بدخول الأزمة السورية مرحلة الحل السياسي، غير أن بوتين كان قد تحدث عن «مؤتمر الشعوب السوري» وترتيباته المزمع انعقاده في سوتشي قبل هذا الانتصار، على حين جاءت قمة سوتشي الثلاثية بين بوتين والرئيسين الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان بعد إعلان القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.
ما سبق يشير إلى أن بوتين أراد ربط الحل السياسي بمسارين: الأول يتعلق بشكل الدولة السورية ودستورها والانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهي قضايا سيتم الاتفاق عليها بين الأطراف السورية التي ستحضر مؤتمر سوتشي الذي بات اسمه «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، في ظل توافق إقليمي ودولي على وحدة الأراضي السورية، فرض على أطرافها المعنية بالحل السياسي، تقديم تنازلات تضمن نجاح هذا المؤتمر.. المسار الثاني هو مسار إقليمي دولي، تجلى بشكل واضح في قمة سوتشي الثلاثية بين بوتين وروحاني وأردوغان، إضافة إلى الاتصالات التي أجراها بوتين بكل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
فالحوار السوري السوري يشكل جزءاً من الحل، باعتباره سيؤسس لاتفاق سلام يؤدي إلى قيامة جديدة للدولة السورية، لكن الجزء الآخر والأهم، يرتبط بالطبيعة المركبة والمعقدة للأزمة السورية وأبعادها الإقليمية والدولية الذي أدى بالنتيجة إلى وجود العديد من القوى الأجنبية على الأراضي السورية، بالإضافة إلى موضوع الكُرد، وهذه القضايا تعتبر العقدة الأساسية في طريق الحل النهائي للأزمة السورية، بسبب ارتباطها بمصالح وإرادات إقليمية ودولية.
إن الوجود العسكري التركي في عدته وعتاده وانتشاره المخالف لتفويض أستانا، ترفضه كل من سوريا وإيران، وكذلك القواعد العسكرية الأميركية التي ترفضها الدولة السورية وتعتبرها غير شرعي، على حين تعتبرها تركيا تحدياً مباشراً يهدد أمنها واستقرارها بسبب الدعم والغطاء الذي توفره هذه القواعد لـ«قوات سورية الدمقراطية– قسد» وأحلامها الانفصالية.
والوجود العسكري الإيراني، تعتبره إسرائيل اختراقاً إيرانياً كبيراً على خط المواجهة بينها وبين محور المقاومة، وتبدي إسرائيل في إطار مواجهة هذا الواقع الجديد استعدادها للقيام بعمل عسكري ضد حزب اللـه وسورية بهدف إبعاد إيران عن «حدودها» وإخراجها من سورية، وتقف السعودية إلى جانب إسرائيل في هذا التوجه العسكري.
في ظل هذا المشهد من الصعب الجزم بأن المسارين سيتقدمان بوتيرة واحدة، لكن الواضح أن المسار الأول سيتقدم بخطا أسرع فرضتها انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه، وهي خطا تؤدي إلى قيام دولة سورية يقودها الرئيس بشار الأسد ويقود إصلاحاتها السياسية والدستورية.
أما المسار الثاني فمن المرجح أنه سيحتاج إلى وقت أطول لإنجاز استحقاقاته، ومن المؤكد أن لقاء بوتين مع الرئيس الأسد حمل مفاتيح العديد من عُقد المسار الإقليمي للحل السياسي، وإن لم يكن جميعها، فالوجود العسكري الإيراني في سورية هو المعضلة الحقيقية التي تواجه بوتين في المرحلة القادمة، فكيف سيتمكن من حلها؟
هو سؤال كبير، لكن جوابه سينزع فتيل حرب إقليمية كبرى متوقعة، ويرسم شكل المنطقة العربية، والنظام الإقليمي الذي سيحكمها، مع التأكيد بأنه وجود شرعي لأنه ناتج عن دعوة رسمية من الدولة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن