قضايا وآراء

سبعة عقود من العذاب والنضال.. وماذا بعد!؟

| يوسف جاد الحق

«إذا لم تعطنا الذكرى أفكاراً جديدة وعبراً فما معنى الاحتفاء بها»؟
ما نحسب أن أحداً ممن يهمه الشأن العام والقضايا المصيرية يجهل ما حدث لفلسطين وشعبها عام 1948 وما تلاه حتى الساعة، من ثم فلا نرى حاجة بنا إلى العودة لتكرار الأقوال نفسها بمناسبة ذكرى تلك النكبة، حصيلة التآمر اليهودي العالمي وأميركا وبعض العرب، التي غيرت مجرى التاريخ المعاصر للمنطقة، إن لم نقل العالم كله على نحو ما وبقدر ما.
غير أن هناك الكثير مما يمكن قوله في هذه الذكرى فيما يتعلق بقضيتنا المقدسة، من هم خصومها، ومن هم معها وفي صفها، الذائدون عنها إيماناً منهم بقدسيتها وعدالتها؟ فلا مفر من الإشارة إلى بعضها، للتأكيد عليها، بمعزل عن بعضٍ من قيادات الشعب الفلسطيني المهادنة للعدو، المتعاملة معه تنسيقاً وتفاوضاً وتطبيعاً، وكأن المسألة لم تعد أكثر من صفقات تجارية، لا يعدو أمرها حساب الأرباح المالية والمناصب الوجاهية.
من تلك المبادئ:
* إصرار شعب فلسطين العربي على ألا ينسى وطنه، وقد آلى على نفسه ألا يكف عن نضاله وكفاحه المتوارث عن أبائه وأجداده ضد أعدائه، جنباً إلى جنب مع شركائه في معركته التحريرية، سورية وإيران والمقاومة اللبنانية، ذلك عهد أخذه على نفسه حتى بلوغ التحرير الكامل لفلسطين التاريخية طال الزمان أم قصر.
إن الشعب الفلسطيني، بعد كل ما جرى من تواطؤ وغدر وتآمر عليه من جهات كثيرة، بما في ذلك تلك الهيئات الدولية نفسها التي منحت أرضه ليهود العالم، وبعض أبناء جلدته، لن يعتمد على أحد غير نفسه ومن هم معه، عدا هذا ما هو غير «حراثة في البحر»!
* لن يعترف هذا الشعب بعد اليوم بشرعية سلطة هنا وأخرى هناك تمالئ العدو على حساب تضحياته وكأن ذلك العدو لم يعد عدواً، بل إن تلك السلطات هي من يغطي على كل ما يجري هناك من ممارسات العدو المتمادية في اقتراف جرائمها بكل أنواعها على شعب فلسطين.
* يصر شعب فلسطين أكثر من أي يوم مضى على وقف ما يسمى بـ«المفاوضات» من أجل «السلام المهزلة»!، وعلى رفض لعبة «مشروع حل الدولتين» الكارثة، التي لا تعني شيئاً غير الإقرار للعدو بما اغتصب من أرض فلسطين والبالغ نحو 82 بالمئة زرعت في معظمها المستوطنات، مقابل فتات قبوله، هو العار نفسه، بل هو الخيانة العظمى للوطن وللشعب وللحقوق كافة.
إن حلَّ الدولتين يعني قبول الفلسطينيين بالأمر الواقع الراهن، ومن ثم لا تحرير ولا عودة ولا ما يحزنون، هذا فضلاً عن تهويد فلسطين وترحيل من بقي من أهلها عنها نهائياً، وترى هل فكر أحد في مصير الأجيال القادمة، ناهيك عن المشردين عنها راهناً؟
لقد أمست المسألة إذاً بوضوح لا لبس فيه «وجود أو لا وجود» على المدى البعيد، و«نكون أو لا نكون» في قادم الأيام، وما من خيار ثالث، إنها مسألة المصير ليس إلا.
في المقابل هنالك عوامل مبشرة تلوح في الأفق، تنبئ بأن الانتصار على الأعداء مرتقب ومؤكد، وأن نهاية إسرائيل لم تعد غير مسألة وقت، ومن هذه العوامل:
– التغير الجاري في موازين القوى الدولية، وهذه لم تعد في مصلحة العدو، إثر بروز روسيا القوية ندّاً لأميركا، كقطب مقابل للقطب الأميركي في السياسة العالمية، ومن شأن هذا ألا يتيح لإسرائيل بعد اليوم ممارسة عربدتها المعهودة في المنطقة، والسعي لتحقيق المزيد من المكتسبات التي كانت تطمح إليها فيما مضى، كما لم تعد هناك تلك الضمانة لبقائها وجوداً بنسبة مائة في المائة كما كان عليه الحال إلى عهد قريب.
– انكشاف إسرائيل واليهودية العالمية، المتآمرة على الجميع، على حقيقتها أمام الرأي العام العالمي في شتى أصقاع الأرض، وهذا الرأي العام آخذ في الانقلاب على ما كان سائداً في هذه المسألة، حتى وقت قريب أيضاً.
– إن دافع الضرائب الأميركي شرع يعلن استياءه من انجرار حكومته وراء الكيان الصهيوني المعتدي على من حوله والمحتل لبلادهم، وهو يتساءل لماذا أدفع الضريبة لدعم هذا المعتدي؟ ولكأني أسهم في ممارساته الإجرامية وانتهاك حقوق الإنسان التي تنادي بها حكومتنا على الملأ؟ بل إن بعضهم يتساءل: لماذا أمن إسرائيل من أمن أميركا نفسها؟
إضافة إلى ذلك هنالك فئة لا يستهان بها، من المفكرين والمثقفين في أميركا والغرب، باتت تتساءل عن معنى دعم أميركا لعدوان إسرائيل المستمر على جيرانها من دون أن تتعرض لحساب أو مساءلة من المؤسسات الدولية المختصة أو أي جهة أخرى، ومقابل ماذا؟ هؤلاء يرون أن أميركا، على وجه الخصوص، تجلب بمواقفها هذه كراهية الشعوب لها إذ هي في سياساتها وممارساتها على تناقض صارخ بين القول والفعل مشين.
– على صعيد العالم، هناك رأي عام واسع أصبح يرى في إسرائيل خطراً يهدد مستقبل العالم كله، بمنجزاته الحضارية والثقافية بل الوجودية، لاسيما بعد أن أصبحت دولة تملك سلاحاً نووياً لا يستهان به، وقد أثبتت إحصائيات لدى أولئك، أن نسبة تجاوزت الـ75 بالمئة من الرأي العام لها هذه الرؤية.
وبعد: أياً ما كان الأمر، وأياً ما كان التآمر وما صنع المتآمرون ستمكث أشجار الزيتون الفلسطينية راسخة في أعماق تربتها رسوخ جبالها، أما الطارئون فسيذهبون جفاءً، وتغدو المسألة كلها بعد ذلك غزوة عابرة كسابقاتها من الغزوات لديارنا المقدسة، صفحة في تاريخ غابر ليس إلا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن