قضايا وآراء

في «جنيف 8»

| عمار عبد الغني

على وقع انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه على كل جبهات القتال وتوجيههم ضربة قاصمة لمشروع أعداء سورية بالقضاء على «دولة داعش» المزعومة، تسارعت وتيرة الحراك السياسي، حيث يحاول محور المهزومين في الحرب الخروج بشيء من ماء الوجه عبر تقديم تسهيلات لحل الأزمة بسحب أدواتهم السورية التي توصف بالمتطرفة من وفد المعارضة الذي شكل في «الرياض2» للتفاوض مع وفد الحكومة السورية في جنيف دون شروط مسبقة.
ورغم أنه لم يبق لمحور أميركا أية أوراق قوية يلعب بها أو يتكئ عليها للحصول على مكاسب سياسية، فبعض من يوصفون بــ«المعارضين» يضربون على الوتر ذاته الذي عزفوا عليه خلال سنوات الحرب بتمسكهم بمطلب «إسقاط النظام» والذي يؤشر أن أسيادهم لا يزالون يراهنون للحصول من خلال بعض المأجورين تحت بند «معارضة» على تنازلات ومن خلالهم أيضاً يمكنهم نسف الجهود التي اقتربت أكثر من أي وقت مضى من وضع الحل على السكة الصحيحة من خلال وقف التدخلات الخارجية وجعل السوريين يقررون مستقبل بلدهم عبر الحوار السياسي وبما يخدم مصالحهم في الانتقال نحو مستقبل أفضل عبر الإقدام على خطوة كالانسحاب من المحادثات على غرار ما فعلوا خلال جولات جنيف السابقة.
ولكن هل يستطيع الغرب الاستمرار في اللعب على الحبال والتعويل على عنصر الوقت لتحقيق أهدافه؟
بالنظر إلى ما آلت إليه مقتضيات الميدان العسكري وفرار المئات من مسلحي التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها خارج الحدود السورية كمقدمة إلى العودة لبلدانها الأصلية على شكل «ذئاب منفردة»، خسر هذا العامل أهميته بل إنه بات عنصراً ضاغطاً وخاصة على دول القارة العجوز التي تعيش حالة رعب من هذه الظاهرة، وتدرك أنظمتها تماماً الحاجة للتعاون مع الدولة السورية للحصول على معلومات عن الإرهابيين العائدين، ومن هنا جاءت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل مجموعة اتصال من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لمناقشة الوضع في سورية، وعليه فإن الغرب في حقيقة الأمر يعيش تحت ضغط عامل الوقت ولكنه في الآن ذاته لا يريد تنفيذ استدارة كبرى تظهره بهيئة الفاشل والمهزوم والقابل بأي تسويات.
بالمقابل، فإن سورية وحلفاءها وأصدقاءها مصممون على إيجاد مخرجات تسوية للأزمة وفق ما أفرزته نتائج الميدان العسكري عبر وضع أسس للحل على قاعدة المحافظة على وحدة الأراضي السورية واستقلالية سورية وسيادتها، تزامناً مع مواصلة محاربة ما تبقى من بؤر إرهابية على أراضيها وهذا ما أكد عليه الرئيسان بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين خلال قمة سوتشي الأسبوع الماضي، والتي وضعت الترتيبات للحل السياسي، وبالتالي على الدول المشاركة في الحرب على سورية اغتنام فرصة انعقاد الجولة الجديدة من الحوار في «جنيف» لتبديل سياساتها وعدم وضع العصي في عجلة الحل في بادرة حسن نية ومقدمة لرفع العقوبات الظالمة عن الشعب السوري والتقدم خطوة أخرى باتجاه إعادة العلاقات مع الحكومة السورية للتعاون الجاد في محاربة الإرهاب والمساعدة في دفع العملية السياسية.
إن الدولة السورية مستعدة للتعاون مع كل الجهود الخيرة لحل الأزمة وهذا ما أعلنه الرئيس الأسد خلال قمة سوتشي بالقول: «مستعدون للتعاون مع أي دولة في سبيل حقن الدم»، وذلك من منطلق حرصه على وقف القتل والدمار رغم ما سببته بعض الدول من آلام للشعب السوري، وبالتالي على الآخرين ملاقاة الموقف الكبير الذي أبداه الرئيس الأسد وهو في موقع المنتصر.
«جنيف 8» سيبدأ بالانعقاد مع إعلان وفد الجمهورية العربية السورية المشاركة اليوم، ومجرياته ستوضح لنا المشهد أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن